دراساتصحيفة البعث

منظمة الأمن الجماعي.. تحالف سياسي وعسكري ضدّ تهديد خارجي

د. معن منيف سليمان

تعدّ منظمة معاهدة الأمن الجماعي تحالفاً سياسياً وعسكرياً يضمّ روسيا وعدداً من جمهوريات الاتحاد السوفييتي السابق. يتضمن هذا التحالف آلية تقديم المساعدات العسكرية التقنية للدول الأعضاء في المنظمة، في حال ظهور تهديد، أو في حالة العدوان الفعلي عليها. ويواجه الحلف أزمات وتحديات عدّة، ولكن أزمة كازاخستان هي المرّة الأولى التي تشارك فيها منظمة معاهدة الأمن الجماعي في عملية نشطة.

تأسّست منظمة معاهدة الأمن الجماعي في النصف الأول من تسعينيات القرن الماضي في أعقاب انهيار الاتحاد السوفييتي في 15 أيار 1992، وأنشئت المنظمة بشكل رسمي عام 2002، بعد أشهر من تدخل تحالف تقوده الولايات المتحدة في أفغانستان إثر اعتداءات 11 أيلول 2001. وأسّس التكتل قوّة ردّ سريع قوامها 20 ألف فرد في 2009، وتعترف الأمم المتحدة بوحدة حفظ السلام التابعة له المكوّنة من 3600 عنصر، والمنظمة حالياً مراقب في الجمعية العامة للأمم المتحدة.

وإلى جانب روسيا تشمل هذه المنظمة في عضويتها أرمينيا، وبيلاروسيا، وكازاخستان، وقرغيزستان، وطاجيكستان، وقد انسحبت كلّ من أذربيجان، وجورجيا، وأوزبكستان من المنظمة. ويقع مقرّ المنظمة في العاصمة الروسية موسكو، ولها أمانة عامّة دائمة، في حين تتناوب الدول الأعضاء على رئاسة المجموعة، وتستمر المدّة الرئاسية لسنة واحدة.

وفي شهر تشرين الأول 2007، وقّع رؤساء الدول الأعضاء في منظمة الأمن الجماعي في أثناء قمتهم في العاصمة الطاجيكية دوشنبيه على بروتوكول يتضمن آلية تقديم المساعدات العسكرية التقنية للدول الأعضاء في المنظمة، وتشمل منطقة مسؤولية هذه المنظمة مناطق تمتد من القوقاز مروراً بآسيا الوسطى حتى أوروبا الشرقية.

وتسعى المنظمة إلى تحقيق جملة من الأهداف في المجالين السياسي والعسكري، أبرزها:

  • ضمان الأمن الجماعي والدفاع عن سيادة أراضي الدول الأعضاء واستقلالها ووحدتها.
  • التعاون العسكري والحفاظ على الأمن والسلم في المنطقة.
  • محاربة الإرهاب والجريمة المنظمة، ومنع انتشار أسلحة الدمار الشامل.

وينصّ ميثاق المنظمة على امتناع الدول الأعضاء عن استعمال القوة أو التهديد فيما بينها، وعن الانضمام إلى أحلاف عسكرية أخرى، كما نصّ على أن الاعتداء على أي عضو في المجموعة يعدّ اعتداء على بقية الأعضاء.

أما المسائل العملية لتقديم مثل هذه المساعدات في أثناء وقوع العدوان فتجري تجربتها من خلال المناورات العسكرية المشتركة التي تنظمها قيادات الأركان على ثلاثة مستويات: استراتيجي وميداني وتكتيكي. وقد جرت المرحلة الأولى للمناورات في أرمينيا في تموز 2008، ثم جرت المرحلة الثانية في موسكو. فيما اشترك في المرحلتين الثالثة والرابعة القوات المرابطة في القاعدة العسكرية الروسية 102 الموجودة في الأراضي الأرمينية، وكذلك قوات أرمينية وقوات عائدة للدول الأعضاء الأخرى.

وتعدّ أزمة كازاخستان هي المرّة الأولى التي تشارك فيها منظمة معاهدة الأمن الجماعي في عملية نشطة، حيث استنجدت كازاخستان لإخماد لهيب الاحتجاجات الشعبية العارمة والدامية التي تشهدها، بقوات منظمة معاهدة الأمن الجماعي، بعد أن تأكد للقيادة الكازاخية أن الاضطرابات تقودها “مجموعات إرهابية دولية”، وفي غضون أيام قليلة تمّت السيطرة على الأوضاع واحتواء الاحتجاجات بنجاح تام.

ويواجه أعضاء منظمة معاهدة الأمن الجماعي في آسيا الوسطى “خطر تزعزع الاستقرار” في أفغانستان، وهي تنشر قوات في طاجيكستان وقرغيزستان. بدورها، بيلاروسيا مهتمة أكثر بكثير بحدودها مع الدول الأعضاء في حلف شمال الأطلسي مثل بولندا وليتوانيا ولاتفيا. أما أرمينيا فهي “منشغلة بنزاعها مع أذربيجان” وقد أودت حرب يريفان الخاطفة عام 2020، مع جارتها على منطقة ناغورني قره باغ بحياة 6500 شخص.

وفي هذا الصدد، قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين: “إننا نعيش في عالم سريع التغيّر، وبالتالي يتعيّن علينا تطوير المعاهدة التي تربطنا وتكييفها مع التهديدات الجديدة”.

وتواجه أطراف المعاهدة تحديات كثيرة أيضاً، منها توحيد الموقف بغرض مواجهة أطماع حلف شمال الأطلسي (الناتو) ومحاصرة تطلعاته في القارة الآسيوية، ما يعيد إلى الذاكرة مشهد الصراع والتنافس بين حلف شمال الأطلسي وحلف وارسو في القرن الماضي.