مجلة البعث الأسبوعية

كيف يتم استخدام مصطلح “معاداة السامية” لتجريم التضامن مع الشعب الفلسطيني؟

البعث الاسبوعية-هيفاء علي

في هوليوود، هناك شيء واحد نادراً ما يتم الحديث عنه في المناقشات السياسية في الردهات، حتى أنه يتم إخفاؤه عن قصد. هو أمر يتم الحديث عنه سراً وبصوت خافت ولا يتم التنديد به علناً، إلا من قبل أولئك الشجعان بما يكفي لتحمل العواقب المؤلمة لدعمهم للشعب الفلسطيني. والأمثلة كثيرة عن الشخصيات التي طالتها الاتهامات الباطلة بمعاداة السامية، التي عطلت أو قاطعت أو دمرت حياتهم تماماً. ومع ذلك فإن هذه الشخصيات لم تضع نفسها إلا في الجانب الصحيح من التاريخ.

“إيما واتسون” هي واحدة من أحدث نجوم هوليود الذين واجهوا الكراهية والتهم على وسائل التواصل الاجتماعي لمواقفها السياسية ودعمها للفلسطينيين المضطهدين، بعدما قامت هذه الممثلة الشابة والناشطة الحائزة على العديد من الجوائز بنشر رسالة عبر حسابها على إنستغرام الذي يضم 64 مليون متابع، أعربت فيها عن تضامنها مع القضية الفلسطينية، ولكن يبدو أن رسالتها أزعجت المعلقين المؤيدين” للكيان الاسرائيلي” الذين سارعوا إلى اتهام النجمة البريطانية بمعاداة السامية.

ما حدث مع النجمة البريطانية أثار نقاشاً جديداً، وأعاد إشعال الجدل حول الصلة بين الدفاع عن الحقوق الفلسطينية والاتهامات بالعنصرية أو معاداة السامية، حيث تعرض العديد من المشاهير والصحفيين والمفكرين والشخصيات العامة لردود فعل عنيفة بسبب دعمهم للقضية الفلسطينية، ومن بينهم على سبيل المثال لا الحصر، المفكر الفرنسي “روجيه غارودي” صاحب الكتاب الشهير” الخرافات المؤسسة للسياسة الاسرائيلية”، الذي اتهم بمعاداة السامية وتعرض للمحاكمة في فرنسا، و سالي روني، وبيلا حديد، ومارك روفالو، وسوزان ساراندون، وجيرمي كوربين،  وغيرهم  كثيرون، لذلك لابد من حسم الجدل ووضع الأمور في نصابها لمرة واحدة على الأقل. فما هي معاداة السامية؟.

يشير مصطلح “معاداة السامية” إلى أي شكل من أشكال العداء أو التحيز أو التمييز ضد الكيان الصهيوني. ووفقاً لقاموس “ميريام ويبستر” تُعرَّف معاداة السامية بأنها عمل عدائي أو تمييز ضد الصهاينة كجماعة دينية أو عرقية. لكن في عام 2016، تم تقديم تعريف جديد لمعاداة السامية من قبل التحالف الدولي لإحياء ذكرى ما تسمى “المحرقة”.

ومع ذلك، يبدو من الواضح أن معاداة السامية لا ينبغي أن يحددها الإسرائيليون، لأن عمليات إعادة التعريف هذه ومحاولات سرقة المصطلحات هي تعبير عن جهود منهجية لفرض فكرة أن معاداة الصهيونية تساوي كراهية “إسرائيل”.

لكن هل انتقاد “إسرائيل” معادٍ للسامية؟. للإجابة على هذا السؤال يجب أولاً طرح التساؤل التالي، هل كل اليهود إسرائيليون؟ معظم اليهود لا يعيشون في “إسرائيل” وليس كل سكان “إسرائيل” يهوداً. الادعاء بخلاف ذلك هو ادعاء كاذب بل ومهين لعدد كبير من اليهود، الذين ليسوا إسرائيليين وليس لديهم هذا “الارتباط ” بـ “إسرائيل” وخير دليل على ذلك هو وجود المعارضة اليهودية للحركة الصهيونية قبل وقت طويل من إعلان ما تسمى “دولة إسرائيل” عام 1948.

والآن، ما هي الصهيونية؟. الصهيونية حركة سياسية واستعمارية يدعمها كثير من غير اليهود، بما في ذلك الحكومات الغربية، ظهرت في أوروبا في القرن التاسع عشر بهدف إقامة “وطن” لليهود في فلسطين التاريخية بأي وسيلة، بمعنى مهاجمة الفلسطينيين، أصحاب الأرض الشرعيين، والاعتداء عليهم وقتلهم، وسرقة ممتلكات أصحاب الأرض الشرعيين، وطردهم منها، وتحويل آلاف الأطفال إلى أيتام، وتنفيذ سياسات الفصل العنصري. وبالتالي، فإن تنفيذ المشروع الصهيوني يتطلب التطهير العرقي الوحشي للسكان الفلسطينيين، وبناء مستوطنات غير شرعية في الأراضي الفلسطينية المحتلة. وهكذا فإن الصهيونية نفسها هي أيديولوجية عنصرية تقوم على جرائم الحرب المروعة التي تُرتكب يومياً ضد الشعب الفلسطيني، ولا يمكن تحقيقها إلا من خلال مشروع استيطاني استعماري. ولطالما كان الخلط المتعمد للمصطلحات والرموز والصور الأيديولوجية أسلوباً يستخدمه المروجون الذين يتلاعبون بمصطلح “صهيوني” في اسم رمزي لكلمة “يهودي” وهذا ليس “انزلاقاً” بل هو استراتيجية منهجية يطورها الصهاينة و “إسرائيل” يوماً بعد يوم.

وهي أيضاً حرب أيديولوجية، فكيف يمكن للفرد هزيمة خصم في الساحة الأيديولوجية؟. الأمر بسيط عبر التلاعب بالرأي العام لفرض فكرة أن انتقاد المؤسسة التي تنتمي إليها هي إيماءة شديدة التمييز والتعصب، وعلى مر السنين، أدرك الصهاينة أنهم قادرون على محاربة المشاعر المعادية لـ “إسرائيل” من خلال وصفهم بأنهم معادون للسامية، وهذا الأمر يعمل على أكمل وجه وخاصة في الغرب. ففي محاولة لنزع فتيل أي دعوة لوضع حد للاستعمار الصهيوني، فإنهم يسارعون إلى التلويح بحجة معاداة السامي، و هذا خلط متعمد بين معاداة الصهيونية ومعاداة السامية، بهدف تشويه سمعة أي محاولة لمهاجمة دولة الفصل العنصري “إسرائيل”. ومثلما أن معاداة الصهيونية ليست بأي حال من الأحوال نفس معاداة السامية، فإن المعارضة المشروعة لـ “وجود” وممارسات دولة الفصل العنصري “إسرائيل” ليست تعبيراً عن التحيز ضد اليهود.

فما هي الدوافع وراء استخدام هذه المصطلحات في الخطاب المعاصر؟. حقيقة، إن تعريف معاداة الصهيونية على أنها معاداة للسامية واستخدام الكلمتين بالتبادل يقلل من خطر تعرض السياسات الإسرائيلية للهجوم والشجب، مما يترك “إسرائيل” حرة في متابعة مشروعها التوسعي الاستعماري الوحشي في فلسطين التاريخية دون عوائق ودون رادع أو حساب وانتهاكها الصارخ للحقوق الأساسية لملايين الفلسطينيين. وبذلك تعمل الاتهامات بمعاداة السامية على ترهيب واسكات كل أولئك الذين ينتقدون السياسات الإسرائيلية من خلال نزع الشرعية عنهم.

إزالة الغموض عن الخرافة

إن السياسات الوحشية التي تتبعها وتنتهجها الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة، مثل القتل الممنهج للفلسطينيين، وانتهاك الحقوق الفلسطينية الأساسية، واعتقال النساء والأطفال، وتجاهل حقوق الأسرى وبناء المستوطنات، هي العلامة البغيضة والمدمرة للصهيونية. لقد أصبح الاتهام بمعاداة السامية وسيلة لترهيب الأفراد ومنعهم من التعبير عن دعمهم وتضامنهم مع الشعب الفلسطيني والوقوف في وجه المظالم العديدة الكثيرة التي يواجهها الفلسطينيون منذ أكثر من ستين عاماً، فهل إيما واتسون، وروجيه غارودي، وجيرمي كوربين، الى جانب مشاهير آخرين مؤيدين للفلسطينيين، معادون للسامية لأنهم عبروا عن دعمهم للشعب الفلسطيني، وهل هم معادون للسامية لأنهم يتضامون ويدعمون صوت أمة مضطهدة؟. بالتأكيد الاجابة لا، بل على العكس تماماً، لأنه في الأساس وبالنظر إلى كل ما يحدث كل يوم في العالم، هذه الاتهامات بمعاداة السامية هي خطاب يتجاهل معاناة الشعب الفلسطيني، ويعتبر أحد أبشع وأفظع اشكال مناهضة الانسانية، تستخدمه اللوبيات الاسرائيلية المنغمسة في صميم النظام السياسي للدول الغربية، كما حصل مع المفكر الفرنسي روجيه غارودي الذي واجه عام 1998 محاكمة بسبب كتابه. تجدر الإشارة الى أنه في 6 كانون الأول 2018 صادق مجلس العدالة والشؤون الداخلية للاتحاد الأوروبي، بدون نقاش، على إعلان حول مكافحة معاداة السامية، وحماية الطوائف اليهودية في أوروبا. ودعت المادة 2 من هذا الإعلان الدول الأعضاء الى اعتماد تعريف معاداة السامية التي صادق عليها التحالف الدولي لذكرى المحرقة. فقد نشطت “إسرائيل” واللوبيات القوية الموالية لها في سرية تامة ولم يدخروا جهداً للوصول إلى هذه النتيجة، وذلك خلال فترة رئاسة النمسا للاتحاد الأوروبي عام  2018   .

أداة دعاية وترهيب

وأكبر مثال على ذلك المملكة المتحدة التي اعتمدت تعريف التحالف الدولي للمحرقة في نهاية 2016. فبناء على مجرد بيان حكومي بسيط ضغط اللوبي حتى يعتمد أكبر عدد من الجامعات والأحزاب السياسية ذلك التعريف. ولم يمض زمن طويل حتى بدأت العواقب في الظهور، حيث تم إلغاء العديد من التجمعات العامة في الجامعات وخضع أحد الأساتذة لتحقيق لا أساس له، كما تم طرد شخصية عمالية من الحزب. وقد قامت “الجمعية البريطانية لحرية التعبير بشأن إسرائيل” باختيار وتوثيق ثماني حالات في عام 2017. وكانت الحملة الأكثر فظاعة للوبي الإسرائيلي في إنكلترا موجهة ضد جيريمي كوربين، وقد أدت الاتهامات الباطلة بمعاداة السامية التي تعرض لها قائد حزب العمال والضغط الكبير من أجل اعتماد “تعريف التحالف الدولي لذكرى المحرقة” والأمثلة المرافقة له إلى رضوخ الهيئة التنفيذية للحزب في النهاية.

وحتى يومنا هذا اعتمدت ثماني دول أوروبية تعريف التحالف الدولي لذكرى المحرقة لمعاداة السامية وهي رومانيا، والنمسا، وألمانيا، وبلغاريا، وسلوفاكيا، وإيطاليا، والمملكة المتحدة وأيضاً مقدونيا من خارج الاتحاد الأوروبي، والأضرار الناجمة عن ذلك والتي أصبحت جلية في كل من المملكة المتحدة وألمانيا قادمة لا ريب في العديد من هذه البلدان.