دراساتصحيفة البعث

التحكم النووي يحتاج إلى أكثر من بيان

ترجمة: هناء شروف

لعل أدق وصف للعالم المعاصر هو أننا نعيش في العصر النووي أو عصر “الطاقة النووية”. وللاستشسهاد قال ألبرت أينشتاين في عام 1946: “لقد غيرت القوة المطلقة للذرة كل شيء باستثناء أنماط تفكيرنا وبالتالي ننجرف نحو كارثة لا مثيل لها”. من هنا فإن الاستخدام المحدود للأسلحة النووية سيؤدي إلى كارثة بشرية وبيئية عالمية، لذلك من الغريب أن يتحدث الجميع عن التغير المناخي الأبطأ بكثير من تأثير هذه الأسلحة فيما إذا استعملت.  ومؤخراً أصدرت الدول الخمس الحائزة على الأسلحة النووية، والتي هي أيضاً الأعضاء الخمسة الدائمين في مجلس الأمن الدولي، بياناً مشتركاً حول منع الحرب النووية، وتجنب سباق التسلح. وقالت إنها لن تستخدم الأسلحة النووية ولن تبدأ في سباق تسلح نووي ضد بعضها البعض، وتريد تكثيف المفاوضات بحسن نية لتحرير العالم من الأسلحة النووية.

وبالنظر إلى تاريخ الأسلحة النووية والطريق المخطط لإلغائها منذ عام 1945 فإن هذه التأكيدات ليست جوهرية لمنع نشوب حرب نووية لعدة أسباب:

أولاً، الردع النووي 

في هذا العالم لا سلاح سيكون بمثابة ردع إذا علم كل طرف أن كل الأطراف الأخرى لن تستخدم أسلحتها النووية أبداً. إذا علم “أ” أن “ب” لن يستخدم أسلحته النووية تحت أي ظرف من الظروف فلن يجازف أن يستخدم “أ” أسلحته النووية لأن “أ” يعلم أنه لن يتعرض للضربة الثانية الانتقامية من “ب”. لذلك يرتكز الردع على فكرة أنه يجب استخدام السلاح النووي في حالة حدوث موقف معين. لذا وبعبارة فجة فإن كل الأسلحة النووية موجودة لاستخدامها، إذاً هذا هو السبب في أن الإلغاء هو الطريقة الفعالة الوحيدة للعيش في أمن وسلام.

ثانياً، الدفاعية النووية 

إن استخدام السلاح الدفاعي فقط يجب أن يعني  بحكم التعريف أنه سيتم استخدامه على الأراضي البرية والبحرية المباشرة، وبالتالي سيكون له مدى قصير وقدرة تدمير محدودة، لهذا لا ينطبق أي منها على الأسلحة النووية، كما لن يقبل أي بلد أو شعب باستخدام الأسلحة النووية على أراضيهم ضد مهاجم. باختصار الأسلحة النووية بحكم تعريفها هي أسلحة هجومية.

ثالثاً، مفاوضات نزع السلاح

مع استثناءات قليلة مثل معاهدة القوات النووية متوسطة المدى، لعام 1987، لم تؤد مفاوضات الحد من التسلح ونزع السلاح إلى تخفيضات في الترسانات، كما لم يتم وضع غطاء عليها – زيادة تعقيد هذه الأسلحة وحاملاتها – مثل الصواريخ والطائرات والغواصات. وعليه إذا أدت المفاوضات إلى نزع السلاح فلن تبقى أسلحة نووية اليوم. علاوة على ذلك فإن الأسلحة النووية لا تتوافق مع حقوق الإنسان والديمقراطية، لأن للإنسانية الحق في السلام والعيش بدون سيف “داموقليس” المعلق فوق رأسها أو خطر الخطأ البشري والتقني.

تظهر العديد من الدراسات أن قادة مثل الرئيس الأمريكي الأسبق ريتشارد نيكسون اتخذوا قرارات أثناء شرب الكحول. كما تظهر بعض الدراسات الأخرى أن الضباط في مراكز القيادة النووية عرضة للشرب أو تعاطي المخدرات أو النوم في الخدمة، وكان نتيجتها وقوع حوادث نووية، وفُقدت أسلحة، ولم يُعثر عليها قط، واصطدمت الغواصات النووية للدول الأعضاء في الناتو.

كما تسببت الأسلحة النووية في صراعات تقليدية مثل المضايقات المستمرة منذ عقود ضد إيران، على الرغم من عدم امتلاكها لها، بينما لا يتحدث أحد عن الكيان الصهيوني، أو الاحتلال الأمريكي للعراق بحجة امتلاك صدام حسين أسلحة الدمار الشامل.

ويبدو أن البيان المشترك يثبت أن أينشتاين على حق، لجهة أننا ما زلنا لا نفهم الحاجة إلى التفكير الجديد الذي تتطلبه هذه الأسلحة، خاصةً أن توقيع الولايات المتحدة على تلك الوثيقة مشكوك فيه، لأن العقيدة النووية الرسمية للولايات المتحدة هي الوحيدة التي تحتفظ بالحق في أن تكون أول من يستخدم الأسلحة النووية ضد أي هجوم تقليدي بما في ذلك هجوم إلكتروني كبير، إذاً ما الذي يجب فعله؟

يجب احترام القانون الدولي، وروح ونص ميثاق الأمم المتحدة، وضغط الشعوب في جميع أنحاء العالم للحد من التسلح النووي، وإتباع استراتيجية دفاعية بديلة للأسلحة النووية، والمعاملة المتدرجة في تقليل التوتر وهي فكرة رائعة اقترحها المعلق والكاتب الأمريكي تشارلز أوسجود في عام 1962: “اتخذ الخطوة الصغيرة الأولى من جانب واحد وبالتالي مارس الضغط الأخلاقي على الآخرين لاتخاذ الخطوة التالية”.

حان الوقت لأن يفعل البشر وخاصة القادة ما فعلته البشرية في وقت سابق لتطوير الحضارات، أي إلغاء وإدانة العبودية، وأكل لحوم البشر، والملكية المطلقة، والإبادة الجماعية، وعمالة الأطفال، والقتل والعنف. يجب أن نفعل الشيء نفسه فيما يتعلق بالحد من التسلح النووي، لأنه من الممكن القيام بذلك.