دراساتصحيفة البعث

مخاض ولادة نظام عالمي جديد

ريا خوري 

تختلف أدوات الحروب في العصر الحديث كثيراً عن الحروب التقليدية السابقة، فالصراع الحالي بين روسيا والدول الغربية حول مجمل ساحة أوروبا الشرقية، والصراع بين الصين والولايات المتحدة، وبعض الدول الغربية الأخرى، حول بحر الصين الجنوبي، يأخذ مديات واسعة سياسية واقتصادية وسياسية وعسكرية وتقنية وسيبرانية وحتى ثقافية، بحيث على نتائجها سيتحدد شكل النظام العالمي الجديد.

لقد كان من نتائج  الحرب العالمية الثانية أن تغيّرت معايير النظام العالمي، فقد أدت إلى قيام نظام دولي ثنائي القطبية ظل صامداً حتى انهيار الاتحاد السوفييتي وتفككه إلى مجموعة من الدول عام 1991، حيث أعلنت الولايات المتحدة سيادتها على النظام الدولي، واعتبر ذلك بدء ما يسمى “العصر الأمريكي”، لكن على مدى العشرين سنة الماضية جرت تحولات عالمية كبرى دفعت الصين إلى الصفوف الأولى عالمياً، اقتصادياً وتكنولوجياً واستثمارياً واستراتيجياً، كما استعادت روسيا قدراتها العسكرية والسياسية وعلاقاتها الدولية بشكلٍ يثير الإعجاب، في حين حصل انكفاء ووهن أمريكي على مختلف المستويات وصفه ساسة وخبراء  وإستراتيجيون بأنه “بداية الانحدار”، كما هو حال كل الإمبراطوريات في التاريخ البشري.

ولا شك أن أي نظام دولي لا يقوم من تلقاء نفسه، بل  هو نظام عمل تفرضه التحولات الدولية وموازين القوى في العالم، إما من خلال الحروب، وإما من خلال الحوار والتوصل إلى صيغة مقبولة للمشاركة بين الأطراف. وما يجري الآن على الساحة بشأن أوكرانيا، وتمدد حلف شمال الأطلسي شرقاً باتجاه حدود روسيا، وارتفاع سقف المواجهة المباشرة وغير المباشرة، وأيضاً تصاعد حدّة النزاع بين الصين  والولايات المتحدة، وقيام تحالفات أمنية وعسكرية نوعية على اتساع ساحة جنوب شرق آسيا، بهدف تطويق الصين، كل ذلك هو الوجه الحقيقي للصراع على النظام الدولي الذي تصر الولايات المتحدة  على البقاء وحيدة في قيادته على الرغم من ضعفها وبدء انحدارها.

في حقيقة الأمر، لم تحقق المفاوضات بين القيادة السياسية الروسية وقيادة حلف شمال الأطلسي أي اختراق يمكن أن يساعد على تهدئة الوضع أو لجمه، بل كانت هناك حملة غربية ضارية وشعواء  ضد روسيا وتهديدها بعقوبات شديدة جداً، كما أن العلاقات بين الولايات المتحدة  والصين ليست أفضل حالاً.

كل ذلك يدلّ دلالة واضحة  على أن هذه الدول تريد حسم مسألة النظام العالمي الجديد، لكن لن يتحقق ذلك إلا من خلال المزيد من سياسة “حافة الهاوية”، أو سياسة “عض الأصابع”، وحتى يتم التوصل إلى صيغة اتفاق حقيقية وشاملة، فإن العالم سيشهد مواجهة ساخنة قد تتجاوز حدود الدول المعنية.