تحقيقاتصحيفة البعث

موجة الصقيع “شمّاعة على طبق من ذهب” للهروب من الفشل في حماية قطاع الدواجن!

على الرغم من الارتفاع المستمر الذي لا يزال يطال قطاع الدواجن لأسباب باتت معروفة للجميع، إلّا أن موجة الصقيع التي تشهدها البلاد، والتي أدت إلى نفوق عدد ليس بالقليل من الفروج، من جهة، واستثمار هذه الموجة من قبل المعنيين لتعليق فشلهم في ضبط إنتاج وتسويق وسعر هذه المادة، من جهة أخرى، فتحت باباً واسعاً ينبئ بانهيار هذا القطاع وتعرضه لكارثة حقيقية في ظل عدم حماية المربين وتسهيل الحكومة الطريق لهم للعزوف عن العمل، إذ انهالت خلال الأيام الماضية التصريحات والتحليلات والتوقعات بالأسوأ لهذا القطاع من قبل أصحاب الشأن عبر المنصات الإعلامية ووسائل التواصل الاجتماعي بعد أن وجدوا بموجة الصقيع شمّاعة جديدة لرفع سعر المادة الذي لم ينخفض أساساً منذ أشهر، خاصّة وأن المواطن لم يجد بارتفاع سعره بنحو ألفي ليرة خلال الأسبوع الماضي أمراً كارثياً بعد أن فقد استضافته على مائدته مذ أن تجاوز الخمسة آلاف ليرة للكيلو الواحد.

خارج الخدمة 

وبين تأكيد نزار سعد الدين رئيس لجنة مربي الدواجن بأن موجة الصقيع الحالية أدت لنفوق الكثير من الدواجن من جهة وانخفاض إنتاج البيض من جهة أخرى، يؤكد المربون أن النفوق وانخفاض الإنتاج ليس بالأمر الجديد لهذا القطاع، وأن الجهات المسؤولة يجب أن تعي وتتوقع موجات الصقيع والحر وتستعد لوضع حلول جذرية لعدم الوقوع في فخ النفوق مع كل موجة، إلّا أن شيئاً لم يتغير على مدى سنوات مضت، الأمر الذي ينعكس على المربين الذين انخفض عددهم مع عزوفهم عن تربية الدواجن خاصّة بعد الوعود الخلبيّة بتأمين وسائل التدفئة للمداجن إعلامياً دون تحريك أي ساكن على أرض الواقع ليصبح قسم كبير من هذا القطاع خارج الخدمة، مؤكدين خطأ آلية العمل في هذه القطاع، فعلى الرغم من محاولة وزارة الزراعة تأمين كميات من الوقود إلّا أن الحاجة أكبر مما قدمته خاصّة وأن الفروج يحتاج للإضاءة والتدفئة، الأمر الذي يضطرنا لشراء الوقود من السوق السوداء والوقوع تحت رحمة تجارها واستغلالهم لحاجتنا.

اصطياد الحجج! 

من جهته، مازن مارديني، عضو لجنة الدواجن في غرفة زراعة دمشق، أكد أن تأثير موجة الصقيع على بعض المناطق كصيدنايا ورنكوس ويبرود كان كبيراً، لكن لا يمكننا اصطياد الحجج من الظروف الجوية وانتظارها بفارغ الصبر لنعلّق خسارتنا المتكررة، خاصّة وأن نقص الأعلاف وارتفاع سعره ما زال قائماً وبانتظار حلول إسعافية من جميع الجهات التي ما زالت للأسف تتفرج بإمعان على خسائرنا وهجرة أغلب المربين لإنعاش قطاع الدواجن في دول أخرى، وأكد مارديني أن شراء المربين الصغار للأعلاف بكميات قليلة يومية أدى لنفوق الدواجن في حظائرهم بسبب سوء الحالة الجوية التي حالت دون شرائهم للمادة مترافقة مع انعدام التدفئة في المداجن ومستلزمات التربية ليفقد أغلب المربين أكثر من 90% من إنتاجهم هذه الفترة.

التفنن في الخداع! 

وألقى عضو لجنة الدواجن اللوم على الوزارات غير المتعاونة والتي تتفنن في خداع المربين بوعودها  بتأمين المحروقات وشراء المادة وطرحها في السورية للتجارة التي سعرّت كيلو الفروج بـ 7000 ليرة في حين سعر كلفته على المربين 7800 ليرة، ناهيك عن تصريحات الوزارة بأنها ستشتري الفروج على غرار الحمضيات من المربين الخاسرين ليُصار إلى دفعها  6800 للكيلو الواحد من المربي الخاسر مسبقاً والتي تضاعفت خسارته بهذه الصفقة!

وتساءل مارديني عن الأهداف والنوايا الخفية لبيع طن الصويا مجهول المصدر في سورية بثلاث ملايين ليرة، في حين يُباع بمليوني ليرة في لبنان وهو نخب أول أرجنتيني، الأمر الذي يدفع المربين لشرائه من لبنان عن طريق التهريب كون مصدره معروفا وخسارتهم أقل حتماً، لافتاً إلى أن المرحلة القادمة ستكون حرجة جداً وسنشهد عزوفا كبيرا للمربين وهجرتهم خارج البلد مع استيرادنا للفروج بعد أن نكون فقدنا السيطرة على هذا القطاع المساهم في الأمن الغذائي.

تكاليف تراكمية

في المقابل، وجد عبد الرحمن قرنفلة، المستشار الفني في غرفة زراعة دمشق، أن موجة الصقيع ليست أكثر من شمّاعة  يلقي عليها أصحاب الشأن ارتفاع سعر المادة، لافتاً إلى  أن سعر المادة مرتبط بالتكلفة المتضمنة قيمة الصوص وقيمة الأعلاف واللقاحات والتدفئة إضافة على أجور النقل والتسويق وتكاليف الذبح والتجهيز للبيع مع هامش ربح المحال التجارية، وتلعب قيمة العلف الدور الأكبر والرئيسي في رفع سعر الفروج فكلما ارتفع سعره كلما ارتفعت نسبة مساهمته من إجمالي التكلفة، خاصّة وأنه يشكل 70% من إجمالي التكاليف، وأكد قرنفلة أن 95% من أعلاف الدواجن مستوردة بالتالي تتأثر بسعر الصرف وبسعر الأعلاف عالمياً، ناهيك عن المعاناة من الحصار الاقتصادي، بالتالي ارتفاع تكاليف الشحن إلى سورية، خاصة وأن تأمين البواخر وحمولتها للمرافئ العادية يختلف عن تأمينها لمرافئ الدول التي تعاني من حصار، بالتالي فإن نفقات التأمين سترتفع وترتفع معها التكاليف التراكمية.

ولم يُخفِ قرنفلة أن موجة الصقيع ترفع من نسبة النفوق، خاصة في حال كانت المداجن غير مهيأة للتصدي لعوامل الشتاء في ظل شح الوقود وعدم توفره بشكل يغطي الاحتياج، إضافة إلى أن معظم المداجن في سورية قديمة الأمر الذي يرفع نسبة الإصابة بالأمراض واستخدام اللقاحات والأدوية.

حلول ممكنة 

وقدم المستشار الفني جملة من الحلول لعدم الوقوع في المطب نفسه، ومنها أن تعتمد وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك نوعاً من الزراعة التعاقدية التي تتبعها معظم دول العالم، بأن تتعاقد مع منتج أي مادة زراعية أو دواجن في بداية الموسم ووضعها لسعر السوق الرائج مع ربح متفق عليه وتوقيع عقد مُلزم ومضمون حقوق الطرفين بحيث إذا أخلف أحد الطرفين ونكل بالتزاماته يُحال إلى القضاء، وهذه الطريقة – بحسب رأي قرنفلة – تساهم في زيادة الإنتاج وتحل المشكلة الأزلية لجميع المربين والمزارعين وهي تسويق المنتج، ولفت قرنفلة إلى أن ارتفاع سعر الفروج والبيض غير مرتبط بموجة الصقيع والحر فقط، بل باستقرار العملية التجارية وتأمين العلف للتجار مع تامين القطع اللازم لشراء المادة بسهولة لا لجوءهم لأساليب ملتوية لتأمين القطع لاستيراد العلف، فأي نفقات إضافية يدفعها التاجر ستنعكس على السعر بالتالي على المستهلك.

عامل جذب 

لا شك أن موجات الصقيع شتاء والحر صيفاً تتسبب في نفوق أعداد كبيرة من الدواجن وعزوف مربيها عن العمل وإعدام مصدر رزقهم، لكنّ عدم تعاون الوزارات المعنية ووضعها حلولاً وعلاجاً جذرياً وآنياً تفرضه المرحلة الراهنة من تأمين للعلف والطاقة والتدفئة مع تمويل عاجل للمربين الذين خرجوا من حلقة الإنتاج يثير عشرات التساؤلات أمام المربين ممن توفرت لهم – للأسف – في دول أخرى مستلزمات عمل في هذا القطاع شكلت عامل جذب لهم وعامل ابتعاد خطوات أخرى لبلدنا عن تحقيق الاكتفاء الذاتي وصولاً للأمن الغذائي.. فهل من حلول قريبة؟!

ميس بركات