دراساتصحيفة البعث

أزمة النظام السياسي الأمريكي

ريا خوري

دعا عدد كبير من المتخصّصين في الشؤون الإستراتيجية الأمريكية مؤخراً إلى خضوع الولايات المتحدة إلى المراجعة العلمية المنطقية في الشأن السياسي والاقتصادي والاجتماعي وحتى الأمني. وبالفعل كانت هناك مراجعتان، الأولى مراجعة النموذج الداخلي، والثاني مراجعة النموذج الخارجي. هاتان المراجعتان أتتا بعد تحدث العديد من التقارير والدراسات التي أصدرتها مراكز الدراسات والأبحاث الأمريكية المتخصصة أن الولايات المتحدة تشهد حالة من الوهن والضعف الاقتصادي، وأن استمرار هذا الضعف والوهن سيؤدي إلى الانهيار.

على الصعيد الداخلي، تشير كافة الدلائل والمؤشرات إلى أن القوانين والتشريعات ساهمت في توسيع فجوة الدخل القومي للفرد الأمريكي، وأبقت عشرات الملايين من المواطنين الأمريكيين فقراء ويعيشون تحت خط الفقر على الرغم من صفة الدولة أنها دولة غنية. هؤلاء المواطنون يسكنون في العديد من المناطق الواقعة على حواف المدن الكبرى وهي مناطق تعاني من نقص كبير في الاحتياجات الضرورية لحياتهم، وبالتالي تعاني الولايات المتحدة الأمريكية المشكلات في بنية النظام المالي، بسبب سوء التغطية وتفشي الفساد والمفسدين داخلها.

أما على الصعيد الخارجي، فلم تخرج الولايات المتحدة عن إطار المدرستين الأساسيتين للسياسة الخارجية، وهما المدرسة المثالية، والمدرسة الواقعية. فالمدرسة المثالية تتمسّك بعقيدة فرض سيادة الولايات المتحدة المطلقة على العالم، ولو بالقوة إذا دعت الحاجة إلى ذلك، وتؤمن الثانية بالسيادة النسبية، بمشاركة آخرين في العالم إن كانوا حلفاء دائمين أو حلفاء مؤقتين، بوسائل التبادلية في المصالح والإقناع، وتأثير وسائل القوة الناعمة.

لكن ما يراه الجميع أن منهج الإستراتيجية الذي تعتمد عليه الولايات المتحدة هو إستراتيجية “المغامرة” الذي أسّسه المغامرون الأوائل من البيض القادمين من انكلترا ومن مختلف دول أوروبا الغربية، وذلك بسبب عدم قدرة نخبها السياسية على تدبير الأزمات الداخلية الاقتصادية والاجتماعية التي بدأت تتفاقم، وكذا العجز عن استيعاب التحولات التي تشهدها موازين القوى الدولية في المرحلة الحالية التي تنهي الهيمنة والسيطرة الأمريكية.

وفي هذا السياق تعتبر سياسة إشعال الحروب وافتعالها في أكثر من بؤرة عبر العالم، جزءاً أساسياً من إستراتيجية تصريف الأزمات الداخلية وإلهاء شعوبها بالمخاطر المفتعلة، وتضخيم حجم التهديدات الخارجية ضد قيم ما تدّعيه “الحرية والعدالة والمساواة”، وهو ما تعمل عليه ماكينتها الدعائية (الميديا) بكل وسائلها، وتسخير تكتل الصناعات السينمائية من أجل ترسيخ عقيدة التفوق الأمريكي  واعتباره المنقذ للعالم مما يتهدّده من مخاطر خارجية عالمية وكونية. لكن هذا التوجّه الصدامي يعكس درجة عالية من الإحساس بفقدان الثقة لدى كبار المثقفين “الإنتليجنسيا الأمريكية والغربية” في قدرتها على عقد تفاهمات مع الصين وروسيا، على سبيل المثال، من أجل صياغة نظام دولي جديد يقرّ بالتعددية القطبية، وينهي أحادية القطبية.