دراساتصحيفة البعث

أوكرانيا.. أكبر تضليل إعلامي

هيفاء علي 

يعتبر “الغزو الوشيك لأوكرانيا من قبل روسيا” أكبر تضليل إعلامي، مطلع العام 2022، وأكبر الأخبار المزيفة التي تبثّها وسائل الإعلام الغربية، ويمكن تفسير ردّ فعل روسيا، الذي يسعى إلى تخفيف حدة الأزمات التي أثارتها واستغلتها الولايات المتحدة وحلفاؤها المقربون في الناتو من خلال زاوية جيوسياسية.

في الواقع، توجد قواعد الناتو بجنود أمريكيين وعناصر الدرع المضاد للصواريخ على حدود روسيا، فيما يظلّ الجنود الروس ضمن أراضي روسيا، ورغم ذلك وفي محاولة منها لتشجيع أعضاء الناتو والولايات المتحدة على الانخراط في مفاوضات جادة وإيجاد هيكل أمني جديد يأخذ في الاعتبار مصالحها، قدّمت روسيا مقترحات موجهة إلى الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي. ورغم نفاد صبرها، ترى روسيا أن الوقت قد حان لرسم خطوطها الحمراء في مواجهة رفض الدول الأطلسية الدخول في مفاوضات جوهرية. وعليه، فإن هذه المقترحات، مثل وقف توسيع حلف الناتو ليشمل أوكرانيا وجورجيا، وكذلك تقييد أنظمة التسلح في أوروبا، والصواريخ التكتيكية والاستراتيجية، هي مقترحات منطقية من أجل توازن جيوسياسي أوروبي وعالمي أفضل، ووقف الانجراف المتمثل في جعل المشروع الأوروبي، الذي يجسّده الاتحاد الأوروبي الأطلسي، أداة ضد روسيا بدون مشروعها الجيوسياسي، خاصة وأن روسيا لا تشكل أي تهديد لأحد.

يُظهر التكوين الجيوسياسي الحالي حجم الضغط الكبير الذي تمارسه الولايات المتحدة وحلفاؤها في الناتو على روسيا. لقد مرّت عدة عقود منذ زوال الاتحاد السوفييتي عندما سعت الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي إلى إعادة روسيا إلى أرضها الرئيسية مع استمرار توسيع الناتو، واستمرار تطويق أوراسيا (الجبهة الأوروبية ضد روسيا وجبهة المحيطين الهندي والهادئ ضد الصين) للحفاظ على تفوق الولايات المتحدة في العالم كـ”قائد للغرب”، وتقليص دور روسيا، وتفتيت أوروبا وأوراسيا، لنسف أي تقارب قاريّ، وحتى لو ظهرت الصين كخصم رئيسي للولايات المتحدة، تظل روسيا هدفاً لأنها تستمر في الترويج لعالم متعدّد الأقطاب.

لذلك يتمّ الحفاظ على قوس من عدم الاستقرار، بمساعدة الدول الأمامية والمحورية التي تعمل كقاعدة خلفية للصراع الهجين مثل التدخل، ودعم الثورات الملونة، وحرب الاتصالات، وتركيب القواعد العسكرية وتسليم الأسلحة، وما إلى ذلك، على الحدود مع روسيا، ومن هنا جاءت الأزمات في أوكرانيا وجورجيا وبيلاروسيا والقوقاز.

هذا من جهة، ومن جهة أخرى، ربما تتعلق المفاوضات التي وافقت الولايات المتحدة على الانخراط فيها على الأرجح بقضايا نزع السلاح، سواء الحدّ من القوات التقليدية أو الصواريخ التكتيكية والاستراتيجية، لكنها ستستغرق وقتاً حيث توجد في هذا المجال فرصة أكبر للتوصل إلى اتفاق، مؤقت على الأقل. ومع ذلك، وبينما تسعى الولايات المتحدة إلى تجنّب مسألة توسيع الناتو، سيصرّ الروس على هذه القضية لأنها تؤثر بشكل أساسي على النظام المكاني، أي التكوين الجيوسياسي الذي يجب أن يتغيّر بالضرورة من وجهة نظر روسيا. وبالتالي، فإن التوترات والإجراءات المتبادلة في سجل الحرب الهجينة ستستمر، مع فترات من الهدوء ومراحل من التفاقم عقب الاستفزازات المتعمّدة من قبل الغرب. وعليه، لا يزال خطر نشوب نزاع مسلح بين أوكرانيا وروسيا فرضية طويلة المدى، إذا قامت الدول الأعضاء في الناتو بتسليم أسلحة إلى أوكرانيا يمكن أن تهدّد روسيا بشكل مباشر دون العضوية الرسمية في الناتو، مما يؤدي بشكل متزايد إلى لعب دور الوكيل ضد روسيا.

يُذكر أنه مع تفاقم هذه الأزمة، كانت هناك فرصة هائلة لفرنسا التي تتولى رئاسة الاتحاد الأوروبي، لاستئناف المفاوضات مع روسيا بشأن هيكل أمني أوروبي جديد، لكن وبصرف النظر عن المحاولة الفاترة للوساطة الفرنسية الألمانية، فإن الحكومتين الفرنسية والألمانية لا تبتعدان كثيراً عن اللغة الأطلسية الكاذبة بشأن “الحرب الروسية الوشيكة”!.