رأيصحيفة البعث

“دعم صلب” و”خطوة مقابل خطوة”!

أحمد حسن 

كلنا، كسوريين، نأمل أن يكون غير بيدرسن، المبعوث الأممي إلى سورية، قد حصل فعلياً، كما قال مؤخراً، على “دعم صلب” من مجلس الأمن الدولي للمضي في مهمته التي طال زمنها ومدتها، لكن علينا، كسوريين أيضاً، أن نتوقف ملياً أمام تخصيصه هذا “الدعم” وهذه “الصلابة في سياق “المضي قدماً في مقاربته الجديدة خطوة مقابل خطوة”، وهي مقاربة فسّرها الرجل على أنها “تحديد خطوات تدريجية، ومتبادلة، وواقعية، ومحددة بدقة، وقابلة للتحقق منها، تُطبق بالتوازي بين الأطراف المعنية بالأزمة السورية وصولاً إلى تطبيق القرار الدولي 2254”!، مضيفاً، ربما لرفع منسوب الأمل والثقة لدينا بمقاربته، أن أميركا تخلت عن سياسة تغيير النظام وتسعى إلى تغيير سلوك النظام!!

في المبدأ، لا يعدو هذا الكلام كونه – إذا أخذنا الأمر بحسن النية – من قبيل النيات الحسنة التي تقود إلى الجحيم، فالواقع الفعلي يشي بغير ذلك، ونخشى أن تتحول مقاربته هذه للأمور لقول علني بغير ذلك أيضاً.

والحال، فإن الأسئلة التي تفرض نفسها في هذا السياق عديدة جداً، وإذا بدأنا من الآخر كما يقال، سيكون سؤالنا الأول حول أحداث الحسكة الأخيرة وملابساتها الفاضحة ومآلاتها النهائية، فهل تندرج صفقة واشنطن الجديدة – التي أنهت هذا الفصل من المسرحية – مع “داعش” لإعادة تدويره على الأرض السورية كما سابقتها المتمثلة في محاولات إعادة تلميع وتدوير “الجولاني” التي يقوم بها إعلامها في سياق تغيير السلوك فقط؟! أم أنهما تندرجان، فعلياً، في مخططها الذي لا تدّخر جهداً في سبيله، والذي اختصرته البعثة الروسية لدى الأمم المتحدة ببلاغة، حين قالت في بيان إن واشنطن تسعى “لإعادة تكوين صورة قاطعي الرؤوس في إدلب، وتقديمهم كأنهم بديل للحكومة في دمشق”.

بيد أن هناك ما هو أخطر من ذلك، فعلى ما يبدو أن “تغيير السلوك” قد اقتضى من واشنطن، وشركائها، جعل منظمات الأمم المتحدة الإنسانية ومعها المنظمات غير الحكومية الأخرى – التي كانت ولا زالت تتباكى على الشعب السوري – تقف متفرجة على مآسي الأسر المدنية الهاربة من تبعات فيلم “الهروب الكبير” في الحسكة، بما يؤكد للقاصي والداني، أن هذا التهجير الجديد لا يفيد في كذبة “تغيير السلوك”، بقدر ما هو، في حقيقته، تنفيذ أمين لخطوة تغيير اثني وتطهير عرقي للإسهام في مشروع التغيير الجغرافي الانفصالي المعروف الدوافع والجهات المستفيدة و”الدافعة”؟!!.

بهذا المعنى، يبدو أن الرجل الذي “خصخص” فكرة “الدعم الصلب” لصالح خطة “الخطوة مقابل الخطوة”، والتي قال إنه لا زال في “مرحلة العصف الفكري حولها”، يعصف فعلياً بأسس مهمته التي حددها له القرار الأممي المذكور، والتي تحصر دوره بصفة المسيّر لما يتفق عليه السوريون، لا أكثر من ذلك، لكنه، وعلى ما يبدو من كلامه، يذهب أبعد في طريق خطر حين يكاد يفصح، ضمناً لا علناً، وهو يشرح فكرته ويحدد أولوياتها، إن خطوة التراجع الغربي عن دعم الإرهاب، التي تُغطى اليوم بثلاثية “لا للمساهمة بالإعمار، لا لرفع العقوبات، لا للتطبيع”، تقتضي من دمشق خطوة تراجعية في مضمار السيادة، الجغرافية والدستورية، وبالتالي فإن “اكتفاء” واشنطن بتغيير السلوك، الذي “بشرنا” به بيدرسون، ويبدو أن واشنطن تريد “المنّ” به علينا أيضاً، يقتضي قبول دمشق للإملاءات السياسية المعروفة بتغيير الوجهة والموقف، وأيضاً للاحتلال الأمريكي، والتركي أيضاً، وقبلهما ومعهما، للمشاريع الانفصالية المتلازمة معهما حكماً.

قبل “بيدرسون” حصل كوفي أنان، والأخضر الابراهيمي، ودي ميستورا، على “دعم صلب” أيضاً من مجلس الأمن الدولي وقواه الفاعلة، لكنهم جميعاً انسحبوا، أو سحبوا، حين فشلوا في مهامهم الفعلية والتي تمثلت، للأسف، في اسباغ “الشرعية” الأممية على مشروع “الاركاع والاستتباع”.

وغني عن القول إن سورية واجهت كل ذلك بثبات وقوة.. وهنا، وفي هذا السياق تحديداً، نفهم قول أمين عام الجامعة العربية مؤخراً “إن الظروف لم تتهيأ بعد لعودة سورية إلى مقعدها في الجامعة” على أنه انتظار لنتائج فكرة “الخطوة مقابل خطوة”، و”دعم صلب” لها .. وتلك هي معركة الأيام المقبلة.