صحيفة البعثمحليات

“على المكشوف”!

عندما تتوافر كميات كبيرة من المازوت ويباع في الأسواق بأربعة أضعاف سعره المدعوم، بالتأكيد ثمة خلل كبير في برمجة التوزيع وإيصاله لمستحقيه، ما يوسع من دائرة السمسرة والمتاجرة بهذه المادة التي أصبحت مورد رزق وثراء للسماسرة وتجار الأزمات، “وعلى المكشوف”؟!.

المسألة ليست متعلقة بضعف الرقابة وغيابها وحسب، بل المشكلة لها صلة وثيقة بمفردات وميدانية العمل التنفيذي الغائب تماماً عن المشهد العام للواقع الخدمي والمعيشي المتأزم.

على وقع هذا المؤشر الخطر والمتنامي، تظهر صور أكثر وضوحاً تعكس الضبابية المتعمدة في الخريطة المرسومة من قبل أصحاب القرار التي تسهل من تهريب وبيع المادة بالسوق السوداء، وبسعر أعلى من السعر الحر الذي حددته مؤخراً الوزارة المختصة، فمن غير المقبول أن يتم تخصيص مدينة حلب التي يتجاوز عدد سكانها أربعة ملايين نسمة بمحطة أو اثنتين فقط، وفي أطراف المدينة، بينما تتوزع باقي المحطات الأربع في مواقع خاصة جداً من الريف بعيدة عن أعين الرقابة والمتابعة، ولا يتجاوز المستفيدون منها 200 ألف نسمة!.. هذه الضبابية في رسم خريطة التوزيع، إضافة إلى وقائع ومعلومات أخرى مرتبطة بأسماء وأشخاص بعينهم، تثير الكثير من الشكوك والريبة، وتفرض إجراء تحقيق فوري وعلى أعلى مستوى للتدقيق بالكميات الموردة لهذه المحطات، وآليات بيعها وتصريفها، كما يتطلب الأمر تدخلاً فورياً من الوزارة المختصة للوقوف على الحقائق المغيبة.

الأمر الآخر، وهو على قدر كبير من الأهمية، حيث ينبغي على وزارة حماية المستهلك إعادة النظر كلياً بآليات عملها الرقابي، وإيجاد نواظم وضوابط جديدة تعيد الهيبة للدوائر المختصة التي شابها ولايزال حتى الآن الكثير من الجدل واللغط والشكوك حول جدية تعاطيها مع حالات الفساد والغش والتدليس، ومع مرتكبيها من (تجار كبار وصغار)!.

ما يمكن استنتاجه واستخلاصه مما سبق أن الفساد لا يرتبط بزمان ومكان، بل هو آفة حقيقية ومستفحلة، ويتطلب جهداً وسعياً من الجميع للقضاء عليه عبر اتخاذ تدابير وإجراءات احترازية استباقية، والاعتماد على تقنيات حديثة ومتطورة في العملية الرقابية، وتدعيم الدوائر المعنية بالكوادر الخبيرة والكفوءة والنزيهة، وبالإمكانات والآليات الكافية لرصد كل ما يتعلق بآليات توزيع المواد المدعومة.

لعل الأهم من كل ذلك هو التفكير جدياً بإصدار قوانين وتشريعات جديدة أكثر صرامة وشدة بحق كل من يحاول الإتجار بقوت واحتياجات المواطن، ومقدرات وخيرات الوطن.

ما يمكن استنتاجه أيضاً مما سبق هو أن بعض المتنفذين يتمتعون بمرونة وسهولة في المتاجرة بهذه المادة وفي وضح النهار دون رقيب أو رادع قانوني أو أخلاقي، وهو ما نضعه برسم الجهات المعنية في المحافظة، والمطلوب منها إجابات صريحة وشفافة دون أية مواربة أو مسوغات تزيد من رقعة الأزمة، وتعطي مبررات إضافية لسرقة المواد المدعومة، “وعلى عينك يا تاجر”!.

 

معن الغادري