تحقيقاتصحيفة البعث

يتهمها المواطن بالمتسرعة وغير الدقيقة.. قرارات الحكومة هل أصابت الهدف؟!

ليست المرة الأولى والوحيدة التي تُثبت فيها الحكومة تعثرها في اتخاذ قرارات لم تتكلّف فيها سوى الحبر على الورق الذي ذهب أدراج الرياح حين التطبيق في ابتعاده كل البعد عن الواقع المؤلم الذي عاشه المواطنون خلال موجة الصقيع والتي لربّما حملت معها أمطار الخير للأراضي، لكنّها حمّلت المواطن الفقير أعباء لم تكن في الحسبان خلّفها البرد غير المحتمل مع شح الكهرباء والوقود التي صدحت صفحات مواقع التواصل الاجتماعي بقرار تعطيل الجهات العامة بهدف توفيرهما للمنازل ورأفة بحال المواطن الذين لم ينوبه سوى “المنيّة” بالوفر الكبير الذي سيقدّم لهم، والتمنّي الأكبر بأن لا تتخذّ الحكومة قرارات وإجراءات على عجالة كعادتها دون حساب المعطيات المتوفرة والتنسيق مع الوزارات التي وضعت الحكومة بموقف لا تُحسد عليه بعد “تخجيلها” وعدم تحقيقها الوفر في حوامل الطاقة للمنازل، بل زادت الطين بلّة بزيادة التقنين من جهة وتخفيض مخصصات وسائل النقل لتوفيرها للتدفئة المنزلية التي “نخر” البرد عظام ساكنيها من جهة أخرى.

غياب لغة الأرقام!

ولأن الواقع والإمكانيات تشي بعدم قدرة الحكومة على تقديم الدعم الكامل للمواطنين في ظل الحصار والعقوبات الاقتصادية، كان لزاماً على الجميع التعامل مع هذا الواقع بالكثير من الحذر وتوظيف الموارد المُتاحة لخدمة أكبر عدد من المواطنين، مع دراسة كاملة لجميع المعطيات وتوخي النتائج بحذر أكبر في حال اتخاذ قرارات فُجائية تحمل في طياتها خدمة المواطن لا العكس، إذ لم يُنكر العاملون في الجهات العامّة أهمية قرار “العطلة السابقة” لكنّ غياب لغة الأرقام أو تجاهل الموارد المتوفرة حقاً لدى الكهرباء والمحروقات وضع هذا القرار جنباً إلى جنب ما سبقه من قرارات لم تستطع الحكومة تطبيقها لذات الأسباب، واليوم صدم المواطن  بقرار استبعاد فئات معيّنة  من الدعم الحكومي بهدف الوصول إلى الشرائح الأكثر هشاشة في المجتمع وفق أولويات وبيانات غير دقيقة، الأمر الذي يدعو للتساؤل حول الأسس التي تعتمدها المؤسسات والوزارات عند إصدار قرار نافذ وعدم نجاحها في تطبيق تلك القرارات على ارض الواقع!

وجود بدائل

يرى الدكتور في الاقتصاد زكوان قريط أن صنع القرار في علم الإدارة بحاجة إلى معلومات دقيقة ومؤكدة وصحيحة لكي يتم صناعة قرارات صائبة، وقابلة للتنفيذ ويجب أن يتخللها دراسة ومسح لكافة الظروف المحيطة الداخلية والخارجية وإمكانية تطبيق هذه القرارات على أرض الواقع والأهم هو وضع عدة بدائل أو سيناريوهات لحل المشكلة، وأكد قريط أن القرارات الأخيرة تم اتخاذها بسرعة دون جمع المعلومات الكافية والصحيحة ولا تحتوي على بدائل قد تكون أفضل من الناحية التطبيقية على ارض الواقع، ويمكن القول أن القرارات الصادرة عن بعض المديرين أو الجهات الأخرى تبدو صحيحة من الناحية النظرية وتخدم المواطن، لكنها غير كفوءة من الناحية التطبيقية ويتخلل تطبيقها الكثير من العقبات والصعوبات التي قد أغفل عنها متخذو القرارات، وعليه يجب وضع القرارات الصادرة موضع التنفيذ ومتابعة هذه الخطوة والرقابة عليها ومراجعتها، وفي حال وجود أي خلل يتم تصحيحه فوراً عبر الانتقال إلى بدائل أخرى، واقترح دكتور الاقتصاد وجود هيئة دعم القرارات في كل وحدة إدارية”مديرية-وزارة-رئاسة مجلس الوزراء” مهمتها جمع المعلومات وتهيئة خطوات صنع القرارات.

الجهل بصناعة القرار!

الدكتور سامر المصطفى “عميد المعهد العالي للتنمية الإدارية”  تحدث عن عدم دراية أغلب المدراء لمراحل عملية صنع القرار والتي تبدأ بتحديد المشكلة والهدف وجمع المعلومات، ثم غربلة المعلومات غير المرتبطة بالهدف وصولاً إلى الاتجاه نحو البدائل لصنع القرار، وعندئذ يقوم المدير الناجح بالمقارنة بين البدائل التي وضعها في ضوء الإمكانيات المتوفرة والأدوات المتاحة لاتخاذ القرار الصحيح، وما يجري اليوم هو مغاير لهذه المراحل خاصّة مع قيام الجهات المتخذّة للقرار بالبحث عن البدائل بعد اتخاذ القرار الذي يؤدي حتماً إلى فشل التطبيق على أرض الواقع، وأرجع المصطفى فشل إداراتنا اليوم في اتخاذ قرارات تُثمر وتخدم المواطن إلى عدم توفر المدخلات المناسبة والمعلومات الدقيقة لاتخاذ قرار صائب، إضافة إلى غياب البيئة المناسبة لاتخاذ القرارات الصحيحة، وتحدث عميد معهد التنمية الإدارية عن أهمية عنصر التخطيط والذي يعتبر العنصر الأهم في الإدارة والذي ينقسم على تخطيط قصير الأجل ومتوسط الأجل وطويل الأجل، ويجب على متخذ القرار اختيار نوع التخطيط حسب الهدف المراد والمدى الزمنية الموضوعة لهذا القرار، ناهيك عن أهمية توفر عنصر المرونة عند التخطيط تحسبّاً للتغيرات المفاجئة التي قد تحصل مع الزمن.

خطأ المعلومة

في المقابل يجد محمد كوسا”خبير اداري” أن أي عملية إدارية تبدأ بالتخطيط وتنتهي بالتقييم، وفي ظل الوقت الراهن نحن نفتقد للتخطيط الحقيقي القادر على رسم المستقبل وتحديد الأهداف والتنبؤ بالمستقبل، من خلال دراسة سلسلة زمنية سابقة يستطيع من خلالها التنبؤ بالمستقبل، بيد أن هذه الإمكانية غير متاحة حالياً خاصّة وأن الفترة الزمنية السابقة التي مرّ بها البلد غير عقلانية، لافتاً على معاناتنا الحالية من ضعف القيادات الإدارية والتنفيذية وافتقادها للخبرة في معالجة المواقف الطارئة، فالإحاطة بالمواقف تأتي نتيجة الخبرة المعرفية “بالإمكانيات المادية والبشرية والقانونية..” والتي لا يمكن الإحاطة بها في الوقت الراهن، إضافة إلى أن أصحاب القرار النهائي لا تصلهم المعلومات الدقيقة والموثوقة لأسباب عديدة، الأمر الذي يؤدي إلى قرارات غير صحيحة، فالغاية ليست باتخاذ قرارات تبعث التفاؤل في نوفس المواطنين دون تطبيقها وحقن جرعات مخدّر لهم دون تطبيقها فعلياً، وأكد كوسا في حديثه على أهمية متابعة ومراجعة القرارات التي تتُّخذ خاصّة وان أي قرار معرض للخطأ “خطأ المعلومة” التي تؤدي لانحراف القرار، ناهيك عن ضرورة عدم تجاوز القرار المتخذ لفترة زمينة معينة لتجنّب الآثار الجانبية المستقبلية، لافتاً إلى أن في الكثير من الأحيان تأتي التغذية الراجعة لصاحب القرار لكن للأسف لا يقوم بمعالجتها لأسباب عديدة منها عدم الاعتراف بالخطأ أو الخوف من معاقبة الأشخاص، لذا فإن نسبة كبيرة من الإدارات اليوم غير كفوءة وأهداف الإدارات حالياً شخصية، أما مشاريع الإصلاح الإداري والاقتصادي فنحن حالياً بعيدين وغير قادرين على القيام بها.

بالمختصر: نحن اليوم أحوج من أي وقت إلى ضرورة التنسيق والتناغم بين الإدارات فالعمل الحكومي يجب أن يكون متكامل والقرارات المتخذة مبينة على الخطط والإمكانيات التي تحددها كل وزارة ومؤسسة ليتم نسيج القرار بشكل سليم!

ميس بركات