مجلة البعث الأسبوعية

حكمة التراث الشركسي… “من لا يجيد الرقص لا يجيد القتال”

البعث الأسبوعية-غالية خوجة

تتناغم مكونات المجتمع السوري رغم تنوعها، لأن وحدة المحبة هي مفتاح الروح الواحدة، ومن إيقاعاتها الشراكسة السوريون المندمجون مع هذه الفسيفساء الجمعية في الأفراح والأتراح، فماذا عن تراثهم الفلكلوري في حلب؟

يعزف التراث الشركسي إيقاعاته من الذاكرة المتوارثة بحكاياتها وأساطيرها وتاريخها وعاداتها وتقاليدها، كما ترقص هذه الذاكرة على إيقاعاتها الموسيقية الخاصة، سواء في الفروسية أو الرقصات الفلكلورية، وتظهر أيضاً ضمن المشغولات والحرف اليدوية التي كانت تتقنها الجدات كما تتقنها الحفيدات.

وينعكس هذا التميز في اللباس الفلكلوري الخاص، فهو يتألف بالنسبة للرجال من رداء طويل الأكمام، لكن الأكمام تقصر في حالات الحرب، وتضاف “حزرات” في منطقة الصدر، وحزام فوق الرداء وهو”القامةـ الخنجر الشركسي”، وتحت الرداء قميص صيفي أو شتوي، إضافة إلى “القبعةـ القلبق”، بينما يحرص اللباس النسائي على جمال وأناقة المرأة، فيكون الفستان طويلاً وعريضاً بأزرار ذهبية أو فضية عند الخصر، وتضيق الأكمام الطويلة إلى المرفق ثم تتسع، وتبرز تزييناتها الخاصة من زخارف ونقوش شركسية، ولا بد من القبعة التي يتصل بها شال طويل، ومن الممكن أن يكون القميص الذي تحت الرداء شتوياً أو صيفياً، وعليه أزار فضية أو ذهبية.

ويتجلى هذا التراث الثقافي الفني ضمن فعاليات معرض وحفل التراث الشركسي الذي استضافته صالة تشرين لمدة أربعة أيام، وبهذه المناسبة، خص “البعث” فجر سليمان عضو مجلس إدارة الجمعية الخيرية الشركسية ومدير الفرقة الشركسية للرقص بقوله: سعداء بتعاوننا مع مديرية الثقافة، ونقدم في هذه الفعاليات ذاكرتنا الشركسية من خلال الأعمال والحرف اليدوية والفلكلورية والفنية بما فيها من ثقافة موزعة بين الطاولات المشاركة التي تدل على مهارة يدوية فنية واضحة في هذه الأعمال المتنوعة المتقنة بين اللباس والتجميل والإكسسوار وتزيين الأثاث، ومنها الأكلات الشركسية أيضاً، وهذا بعض مما تقدمه اللجنة النسائية إضافة إلى 15 جهة أخرى، منها طاولة خاصة بالشراكسة القادمين من دمشق، وطاولة أخرى للشراكسة القادمين من حمص.

وعن فن الرقص والموسيقا الشركسية أكد: لا تشبه طيفاً من أطياف الحضارات فاللباس خاص مثل الحركات والموسيقا، ولدينا مثل شركسي يقول:”من لا يجيد الرقص لا يجيد القتال”، لذلك، يتمتع الراقصون بالبراعة والمهارات.

أمّا عن احترام المرأة في التراث الشركسي واستمراريته في اليومي، فأخبرنا: في الرقص ممنوع أن يدير الرجل ظهره للمرأة أبداً، وكذلك في الحياة اليومية، وحين يرى الفارس المرأة قادمة حتى لو كانت في آخر الطريق، فلا بد أن يترجل عن حصانه احتراماً، ويظل يمشي إلى أن تمر هذه المرأة سواء كان يعرفها أم لا، وإذا كانت هناك مشاجرة أو خلاف ومعركة، فلا بد وأن تتوقف الخصومات بحضور المرأة، خصوصاً، عندمت ترمي شالها بين المتخاصمين، لأنها تصون السلام والمجتمع والحياة، فمهما كانت المعركة حامية الوطيس، وتدخلت المرأة فلا بد أن تنتهي المعركة ويتم الصلح، لماذا؟ لأن رجولتنا تبدأ من احترامنا للمرأة.

وعن البعد الاجتماعي التعشيقي في سورية ومنها حلب، أجابنا: نحن من الشعوب الاندماجية، ولا غرور، وعقولنا منفتحة وقلوبنا مؤهلة، كما أنه لا مكان للكذب بيننا، حتى في بيوتنا وبين أفراد أسرتنا، لأنه لا داع للكذب ولا للنفاق والتملق، كما أننا شعب متواضع ونحب الاحترام لأنفسنا وللآخرين، ونظل متعاطين مع الجميع بمحبة.

وأكد: سورية أقوى دولة في الموزاييك الشعبي وأطيافه مثل الشركسي والأرمني والآشوري والكردي والتركي والآرامي، وكم شاركنا في حفلات في الشام وحلب وطرطوس وأية محافظة، فتخرج فرقتنا لتدخل الفرقة الأرمنية كما حدث في احتفالية انتصار حلب بذكراها الخامسة في صالة الأسد، وهكذا، نحن شعب واحد، ونرفض الكرهَ بيننا، ذاك الكره الذي حاول الظلاميون أن يدخلوه حتى بين الأخ وأخيه، إلاّ أن ذلك لن يفلح معنا، لأننا شعب واحد منذ جذورنا الأولى، ونمتلك الوعي من خلال وعي القيادة، وجميعنا مدللون في سورية.

واسترسل: الموسيقا تقدم رسائلها الفنية العريقة المضادة لأي تطرف وتفريق، وموسيقانا يتجاوز عمرها 5000 سنة، وموثقة من خلال الآثار المختلفة ومنها آثار القوقاز، وهناك دلائل توثيقية على ذلك في فرنسا وروسيا مثلاً، ولرقصنا الفلكلوري لباسه الخاص المميز وآلاته الموسيقية وأغانيه المعبّرة.

وتابع: تأسست الجمعية الخيرية الشركسية عام 1993 لمساعدة الفقراء والطلبة والأسر، واعتنينا بالفلكلور الشركسي لأنه تراث حضاري، وأسسنا فرقة الرفص الشركسي ونحن ندرب ونعلم الأطفال والصبايا والشباب هذا التراث الموسيقي، وفي فرقتنا 45 طفلاً وطفلة، بينما عدد المشاركين من الشباب والشابات فهو بين 20 و30 في المرحلة الثانوية والجامعية، نتدرب في مقر الجمعية، وأحياناً في صالة معاوية، ونشارك في كافة المناسبات والاحتفالات الوطنية والخاصة، وفي كافة أرجاء سورية، ونفتخر بما تقدمه لنا الجهات الرسمية والمختصة من اهتمام.

وأضاف: نعتز بأننا نقدم الشهداء أيضاً، وأولهم الشهيد جواد أنزور الذي استشهد في جبل العزيزيات بالجولان الحبيب العائد لسورية، وكتب عنه عبد السلام العجيلي روايته “السيف والتابوت”، ويقال بأنهم عندما فتحوا قبره بعد 30 سنة لنقله إلى مسقط رأسه، وجدوا شعر ذقنه الأشقر ما زال كما هو وسيفه قربه، وما زلت أذكر ذاك الحفل التكريمي في الجولان الذي حضره شيخنا العلامة جودت سعيد وصديق الشهيد محمد رمضان البوطي، وأذكر من شهدائنا العظام ممدوح أباظة الذي استشهد في الأومرية وهناك مشفى بالجولان باسمه، بينما آخر شهدائنا فكانوا من الذين حرروا “خناصر”، ومنهم العقيد أبو علي حسن خشير، الذي أسس الدفاع الوطني بحلب، وحرر منطقة خناصر مرتين من الإرهابيين، إلاّ أنه استشهد مع 14 شهيداً في المرة الثانية، ولن أنسى ما قاله لي الشهيد خشير: أقود معركة وأستشهد أفضل من أموت بجلطة مما يفعله الإرهابيون.