مجلة البعث الأسبوعية

رياضتنا تراجعت لسوء الإدارة والفساد ….اتحادات هزيلة وأندية ضعيفة وقرارات غير مفهومة

البعث الأسبوعية-ناصر النجار

عامان على ولادة القيادة الرياضية الجديدة دون أي إضافة جديدة أو مشروع أمل ينعش الرياضة ببعض التفاصيل أو المؤسسات، فلم تتقدم رياضتنا أي خطوة نحو الأمام وعلى العكس تراجعت كثيراً وباتت الدول المجاورة تسبقنا بخطوات واسعة في الكثير من الألعاب وقد كنا السباقين فيما مضى، بل أكثر من ذلك إن الكثير من كوادرنا وخبرائنا ساهموا بصناعة التطور الرياضي في هذه البلدان بعد أن فقدوا مقاعدهم في رياضتنا لأسباب شتى.

وبقيت رياضتنا تعيش على الطفرات بل إنها تتغنى بها وتعتبرها دليلاً على التفوق والنجاح هي ليست بمقياس لأنها لا تشكل حالة عامة بل هي حالة فردية خاصة لا يمكننا القياس عليها كبرونزية الرباع العالمي معن أسعد في الدورة الأولمبية الأخيرة.

أما بقية النتائج التي نحاول إبرازها وتصويرها كانجازات ليست إلا وهم نداري به أنفسنا ونخدع به الآخرين، فلا يهمنا الفوز بذهبية هنا وفضية هناك ببطولات ليس لها أي تأثير على الصعيدين الآسيوي والدولي، وخصوصاً أن أغلب هذه البطولات تسويقية أو سياحية ودوماً فإن المقياس في هذه البطولات قيمتها على المستوى القاري من خلال عدد الفرق المشاركة ونوعية اللاعبين والأرقام المحققة، وكم من بطولة لم يشارك بها إلا عدد قليل من الفرق واللاعبين لدرجة تصبح معها هذه البطولات لا قيمة لها.

ورب قائل يقول: العمل الفني من مسؤولية الاتحادات الرياضية وهذا الكلام صحيح بالمطلق لكن العمل الفني ليحقق النجاح بحاجة إلى مقومات وإمكانيات وهذه غير متوفرة بالحد الأدنى.

الإمكانيات المتاحة

منذ زمن ورياضتنا تعيش في ظل الإمكانيات المتاحة، ورغم كل التطورات في أسعار السوق إلا أن القوانين ما زالت على ما هي عليه دون أن تتحسن قيد أنملة، وبات الرياضيون على مختلف ألعابهم واختصاصاتهم يقعون فريسة الفقر الرياضي والحاجة المعيشية، فالرياضي والمدرب والإداري هم بشر ومن حقهم أن يعيشوا بكرامة ليكونوا قادرين على الإنتاج، لكن الرياضة لم تعد (كما هو واقع الحال) تطعم خبزاً فبات أصحاب الرياضات يهجرون ألعابهم نحو المهن الأخرى من أجل كفاف العيش وهذا ما شاهدناه بأم أعيننا من مدربين ولاعبين بألعاب القوة تركوا الرياضة واتجهوا نحو أعمال حرة متنوعة، وزاد من هذه الهجرة الداخلية سياسة الكيل بمكيالين والتعامل مع الرياضيين على مبدأ (خيار وفقوس) فالمرضي عنه نال ما تمنى وغيره عاش في الحسرة والندامة على عمر ضاع هباء.

وللأسف لا نجد أي ضوابط للإمكانيات فهناك اتحادات مرضي عنها، ففتحت لها الأبواب على مصراعيها، واتحادات غير ذلك يتم التضييق عليها، ومقياس الرضا والقبول ليس له علاقة بالتفوق الرياضي والخبرة والكفاءة، بل هو نتيجة العلاقات الشخصية ومقدار الولاء لأصحاب القرار، ولكم أن نتخيل أن اتحاداً رياضياً تم تغييره بالكامل من أجل كلمة نقلت عن رئيس هذا الاتحاد، كلمة واحدة نقلت لم ترق لأصحاب القرار فكان الحل هو الحل، ولنتصور أن الناقل لهذه الكلمة لم يكن أميناً، والمدهش أن يتم تخريب اتحاد بالكامل من أجل كلمة بغض النظر عن مشروعيه الاتحاد وعن مستواه وأدائه ونتائجه، فأي إحباط يلحق برياضينا جراء هذه القرارات المتهورة والمجحفة التي لا تستند إلى منطق، ومنها كثير.

خلل إداري

التعامل بمثل هذه المبادئ وسوء الإمكانيات المالية ساهمت بخلل كبير سواء على صعيد الاتحادات الرياضية أو الأندية، والملاحظ أن القرارات الصادرة من المكتب التنفيذي بشان حل وترميم وتشكيل الإدارات تصدرت قائمة القرارات الصادرة، وهذا يجعل رياضتنا مضطربة وغير مستقرة على الدوام، فأي اتحاد مهدد بالحل، وكل اتحاد جديد يبدأ من الصفر وضمن هذه الدوامة لن تستطيع رياضتنا سلوك طريق التقدم والنجاح والبطولات.

وإذا ألقينا نظرة على واقع مؤسساتنا الرياضية لوجدناها تعج بالمشاكل والخلافات والاضطرابات وبعضها يعيش صراعاً كبيراً وبعضها الآخر يعيش على فوهة بركان.

والمقياس في هذه النظرة يخص الاتحادات الرياضية الفاعلة والأندية الكبيرة فقط أما بقية الأندية فهي بعيدة عن الاهتمام لأنها بعيدة عن العين والقلب.

لا نتحدث عن أندية النبك ولا عرطوز ولا الشعلة ولا التضامن أو اليرموك رغم أنها تعج بالمشاكل والصراع المستمرين وتعاني من الفقر الشديد والإفلاس، إنما الحديث عن أندية تقوم عليها الرياضة السورية كالوحدة وحطين والاتحاد والحرية والكرامة والساحل وبردى .

فهل من المعقول ألا يتم إيجاد إدارة لنادي بردى منذ عام، وهل من المنطق أن يتم اقتصار إدارة نادي الوحدة على خمسة أعضاء، ومشاكل الاتحاد والحرية وغيرها من الأندية ما زالت متفاقمة بسبب المنشآت والاستثمارات دون أن نرى الحلول الكفيلة بإنهاء هذه المشاكل ووضع حد لكل تجاوز للقوانين وقد أضر هذا التسويف والتأجيل الرياضة وأفقدها الكثير من الوقت والمال.

وهناك الكثير من الأندية التي تعيش على الدعم الفردي من أشخاص أو محبين دون أن يكون لهذا الدعم قاعدة ثابتة تعيش من خلال مواردها الدائمة أندتينا بكفاف دون أن تلجأ للاستدانة والاستجداء من الآخرين لتبقى هذه الأندية قائمة تمارس نشاطاتها الرياضية.

وكم من ناد يعيش على عكاز واحد فإن رفع الداعمون يدهم انهار هذا النادي وحدث هذا الأمر مراراً وتكراراً والأمثلة الشاهدة كثيرة منها نجده في أندية الاتحاد والحرية وحطين وتشرين وجبلة والساحل والكرامة والطليعة والنواعير وغيرهم.

وألم نلاحظ أن نادي تشرين يقاوم الأمواج العاتية ومثله جبلة منذ أكثر من عام، وهمّ الإدارتين ينحصر بتوفير المال حتى تبقى أبواب الناديين مفتوحة.

فإذا كانت أنديتنا وهي مصانع الإنتاج الرياضي تئن تحت شكوى المال، وغاية أملها أن تبقى على قيد الحياة، فمتى نصل إلى رياضة تبحث عن البناء والتطوير؟.

والمشاكل في الاتحادات الرياضية أكثر من أن تحصى، وفي كل اتحاد رياضي هناك مشكلة بعضها طفح على السطح مثل اتحاد اليد والطاولة وكرة السلة وليست كرة القدم ببعيدة عن هذه المشاكل وهو تختصرها وتتصدرها.

وهناك مشاكل كثيرة لا حصر لها في اتحادات لم تفتح هذه المشاكل أبوابها بعد، خصوصاً أمام صراع موجود داخل كل اتحاد بين أعضاء داخل الاتحاد وأشخاص خارجه تبحث عن معقد ولو في لجنة من لجانه.

لذلك فإن الاتحادات مشغولة بهذا الصراع، فمن جهة تحاول الحفاظ على موقعها، ومن جهة أخرى تنشغل في صد الهجمات الخارجية.

وبمثل هذه الصورة كيف لألعابنا الرياضية أن تتقدم؟

الحديث هنا في شكله العام عن العثرات الإدارية والمشاكل اليومية التي تعتريها الكثير من التصرفات غير الأخلاقية بسلوك يؤمن بالتبعية والولاء وصولاً إلى المصالح الفردية الضيقة.

ولم نفتح الباب في هذا الاستعراض إلى منافذ الفساد الواسعة في اتحاداتنا الرياضية وأنديتنا التي قضت على كل بارقة أمل فيها واكتفينا بعرض سوء الإدارة والتصرف.

تحديث القوانين

أهم خلل مرتكب في الرياضة يكمن في حل وتشكيل الاتحادات الرياضية والأندية والابتعاد عن القوانين والأنظمة، فحسب القانون لا يتم حل أي ناد أو اتحاد رياضي إلا ضمن شروط بموافقة الجمعية العمومية لهذا الاتحاد أو النادي، لكن للأسف فإن المكتب التنفيذي للاتحاد الرياضي العام تولى المهام عن هذه الجمعيات العمومية للاتحادات الرياضية والأندية، وبات يحل ويختار حسب نظرته، والمشكلة الأكبر أن البعض رأى أن مثل هذا الأمر يأتي من باب اختيار الأشخاص التابعين فقط بغض النظر عن الكفاءة والخبرة والنزاهة.

ولو أن الأمور بقيت على شكلها القانوني لما وجدنا أي خلل إداري في هذه المؤسسات الرياضية ولما وصلنا إلى حالة تصادم وجهاً لوجه مع الاتحاد الدولي لكرة اليد.

والملاحظات في هذا الموضوع كثيرة جداً ومتعددة الاتجاهات، ونلمس هنا تقصيراً واضحاً من القيادة الرياضية في عملية تحديث القوانين والأنظمة التي تساهم برفع مستوى الأداء الرياضي وتزيح الكثير من العقبات التي ترهق كاهل رياضتنا.

ومن  أول هذه القوانين، قانون الاحتراف، فمنذ أكثر من عام ونصف العام سمعنا عن قانون احتراف جديد، وحتى الآن لم نسمع عنه شيئاً، ونتساءل: كم الوقت عندنا رخيص؟ .

وإذا كانت كرتا القدم والسلة محترفتين وقد أكلتا أخضر رياضتنا ويابسها ولم تحقق أي شيء؟ فعلى أي أساس نطلب من بقية الرياضات الإنجاز والبطولات وهي أقل من هاوية، فكيف لرياضة المصارعة أن تتفوق وما زالت تبحث عن البساط؟ وكيف للاعب التايكواندو أن يصل للعالمية وما زال يبحث عن تعويض يكفيه أجر مواصلات؟ وكيف لمدرب أن يخرّج لنا أبطالاً وهو يعيل أسرته كسائق تكسي أو نادل في مطعم؟.

رياضتنا إن لم نقدم لها الإمكانيات الجيدة لن تتطور، ولن تستطيع التقدم خطوة واحدة إن لم نحسّن واقع القوانين والأنظمة المالية من أجور ومكافآت وإذن سفر.

منذ ولادة المكتب التنفيذي للاتحاد الرياضي العام لم نسمع عن أي تحرك بهذا الخصوص، صار ثمن الحذاء الرياضي أكثر من مئة ألف ليرة والتعويض الشهري لا يتجاوز ربع هذا المبلغ.

إذا كان القائمون على الرياضة يجدون في الأزمة والعقوبات العذر لتراجع الرياضة، فإن هذه كلها ليست له علاقة بتطبيق القوانين واللوائح ولا تتعارض مع فكرة تحديث اللوائح والقوانين.

هذا غيض من فيض ولدنيا الكثير من الكلام لنتحدث به عن سوء رياضتنا ونختصرها بكلمتين: رياضتنا تراجعت في عامين ولم تحقق أي تطور منشود والفساد ينهش جسدها.