مجلة البعث الأسبوعية

سقط قناع أوكرانيا أخيراً .. هدف بايدن مواجهة بوتين شخصياً و” نورد ستريم 2 “

البعث الأسبوعية-هيفاء علي

ما هو مؤكد ليس فقط للمحللين والمختصين بعالم السياسة، بل لأي شخص ومتابع عادي هو أن استقلال أوكرانيا، أو أي دولة أخرى، ومصالحها وسيادتها هي آخر هموم واشنطن التي كل ما يعنيها ويهمها هو حشد الكره تجاه روسيا. ومصلحتها الرئيسية في هذه المنطقة هي أنها تقع بجوار روسيا مباشرةً، فيما تكمن مصالحها الأخرى في الموارد والأسواق التي يمكن أن تقدمها أوكرانيا لأمريكا، وهذا ما يفسر تصميم روسيا على عدم السماح للناتو بضم أوكرانيا الى حلفه. وإذا كانت واشنطن مهتمة حقاً باستقلال الشعب الأوكراني، فإن الولايات المتحدة ستدعو إلى قرار يمنح الحكم الذاتي لمنطقة دونباس الشرقية في أوكرانيا، حيث كانت الحرب من أجل انفصال هذه المنطقة عن أوكرانيا مستمرة على الأقل منذ عام 2014 عندما رعت الولايات المتحدة / الناتو التمرد الملون الذي أطاح بالحكومة المنتخبة في كييف.

هكذا يراقب العالم بقلق شديد تصاعد الخلاف بين الولايات المتحدة وروسيا، إذ تقوم روسيا بنقل قواتها إلى أراضيها، في حين تصر واشنطن على أن موسكو ليس لها الحق في نقل هذه القوات بالقرب من الحدود الروسية الأوكرانية. بينما يعمل البنتاغون على تقريب بعض قواته من حدود روسيا في بولندا ولاتفيا وليتوانيا وغيرها. في غضون ذلك، تواصل كييف تلقي أوامرها من واشنطن، الأمر الذي ساعد في خلق الواقع السياسي الحالي هناك عندما تدخلت الولايات المتحدة علانية في العملية الانتخابية في عام 2014 كجزء من توسعها شرقاً من خلال الناتو بعد تفكك الاتحاد السوفييتي السابق، حيث تصر الولايات المتحدة على أن مناطق النفوذ على غرار الحرب الباردة هي من مخلفات الماضي، وأن الدول يجب أن تكون قادرة على اختيار تحالفاتها.

بعبارة أخرى، يجب أن تكون الولايات المتحدة قادرة على توسيع إمبراطورتيها حيثما تريد، بينما ترفض حق روسيا بالدفاع عن حدودها ومواطنيها وحمايتهم، وبالتالي، لا يدور الجدل الحالي حول أوكرانيا حول حرية الشعب الأوكراني، ولكن حول مسألة اعتماد أوروبا على الغاز الروسي بدلاً من الغاز الأمريكي، وخير مثال على هذا الصراع هو خط الغاز الطبيعي ” نورد ستريم 2″ الذي يسمح لشركات الطاقة الروسية بنقل وبيع مواردها إلى ألمانيا ودول أوروبية أخرى بسعر أرخص بكثير من أسعار شركات الطاقة الأمريكية.

ثم هناك الناتو أداة للإمبراطورية الأمريكية، ووسيلة عسكرية لإبقاء دول الحلف تحت سيطرة واشنطن. فالناتو بالنسبة لأوروبا هو ما تمثله عقيدة “مونرو” بشكل غير رسمي بالنسبة لأمريكا اللاتينية، وهدفه الحقيقي هو إشراك الدول الرأسمالية الأخرى في السعي وراء هيمنة واشنطن. وبينما تستمر واشنطن في الادعاء بأن الناتو موجود للدفاع عن الحريات التي لا يمكن لأحد توفيرها إلا هي، يستمر الناتو اليوم في كونه جزءاً من الذراع المسلحة للإمبراطورية الأمريكية أكثر من أي وقت مضى منذ الثمانينيات، عندما نقل البيت الأبيض في عهد الرئيس ريغان صواريخ نووية إلى أوروبا على الرغم من الاحتجاجات الحاشدة.

في عالم السياسة الإمبريالية، تمتلك روسيا نقطتين شرعيتين للغاية: يجب على الناتو إنهاء توسعه، ولروسيا كل الحق في نقل قواتها إلى أراضيها وتنظيم مناورات عسكرية في أي مكان في بلاده. في حين أن الولايات المتحدة لا تنشر فقط جيشها في مئات الدول حول العالم، بل إنها تجري أيضاً تدريبات عسكرية في البلدان المجاورة لخصميها الرئيسيين، روسيا والصين.

سقط القناع: وبوتين هو الهدف

إذا، استغرق الأمر عدة أشهر من التصعيد والتجييش من جانب الناتو والولايات المتحدة حتى سقط القناع أخيراً، وأن هدف بايدن هو بالفعل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين شخصياً. ولكن على الجانب الآخر، فإن الوضع خطير: ” ثأر شخصي حقيقي ضد رئيس روسيا يثيره الرئيس الأمريكي في الظهور”، وعلى الأرجح من قبل “الدولة العميقة” الشهيرة.  وللتذكير، عندما انتهت ولاية باراك أوباما، كان من الواضح أنه سيتم انتخاب هيلاري كلينتون، حينها كان الروس يعلمون أنها ستسير نحو الحرب، وكانوا يعلمون أن كلينتون ليست سوى دمية في يد أولئك الذين يحكمون قبضتم على أمريكا، والذين هدفهم، منذ عهد الرئيس يلتسين، استعباد روسيا. ولكن لم يمنح انتخاب ترامب سوى فترة راحة، ولذا كان بايدن هو من تولى المسؤولية لإزعاج الرئيس الروسي بوتين لأنه سمح لروسيا بالتعاف والنهوض وإعادة التسلح وإعادة إنشاء اقتصاد يسمح بالاستغناء عن جزء كبير من الإنتاج الغربي.  كما أنه استفاد من العقوبات الأمريكية والأوربية التي يعلنها دائماً موظفو الخدمة المدنية بأفواههم، لتقوية الاقتصاد الروسي. زيادة على ذلك، أعاد تكوين احتياطيات هائلة من الذهب والماس، والجريمة الكبرى بنظر واشنطن هو أنه نظّم رفض الدولار في النظام الروسي على غرار ما فعله الرئيس الليبي الراحل معمر القذافي عندما ألغى الدولار من المعاملات الدولية، فكانت العقوبة الغربية بشن العدوان على ليبيا. مثل روسيا اليوم التي تبيع النفط والغاز للهند والصين والعديد من الدول الأخرى بالعملات المحلية، وهذه جريمة كبيرة بنظر واشنطن.

ولجلب السعادة المنشودة للشعب الروسي، يقوم بايدن بتنشيط وتحريض إحدى الدمى زيلينسكي – وصل إلى رئاسة أوكرانيا عن طريق الانقلاب الذي نظمته وكالة المخابرات المركزية- والذي لديه بالفعل دور غير مرغوب فيه في جر روسيا إلى الحرب! لكنه يعرف جيداً تصميم وقوة روسيا، ولهذا السبب سمح لنفسه لبضعة أيام بتناقض التصريحات الأمريكية. على سبيل المثال يؤكد البنتاغون بصوت عالٍ وواضح أن روسيا على وشك مهاجمة أوكرانيا، لكن زيلينسكي يرد على الفور بالقول: “يبدو أن الروس لا يريدون الهجوم، فهم في وضع دفاعي”.

على الرغم من ذلك، يرسل بايدن وحلف شمال الأطلسي تعزيزات ضخمة من المعدات والذخيرة، بينما تستعد وكالة المخابرات المركزية وMI6  لإطلاق بعض لاستفزازات الدموية على الفور. أما زيلينسكي، الذي ينهار تحت ضغط بايدن قد يهاجم منطقتي دونيتسك ولوغانسك في دونباس، هاتان المنطقتان اللتان يسكنهما 80٪ من المواطنين الروس اليوم أعلنتا استقلالهما، سيهاجم تحت ضغط الأمريكيين الذين يأملون في المقابل تدخل روسي.

في المقابل، ورداً على عمليات تسليم الأسلحة الأمريكية إلى أوكرانيا، وبحسب المراقبين فإن روسيا قد تتدخل في دونباس لحماية مواطنيها، وأن هذا التدخل سيكون سريعاً. لكن حتى الآن، لم يتم اتخاذ أي قرار “بالسير” إلى كييف بعد ذلك، وهدف روسيا ليس “أخذ أوكرانيا” ولكن ببساطة الدفاع عن مواطنيها أياً كانت أقوال الدعاية الغربية.  لكن الكم الهائل من الأسلحة التي شحنتها الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي إلى أوكرانيا قد يدفع روسيا أيضاً إلى التصرف أولاً. في بداية شباط سيناقش البرلمان الروسي مسألة الاعتراف بجمهوريتي دونيتسك ولوغانسك المستقلتين. وثمة تأكيد على أن الكرملين سوف يصادق على الاعتراف والذي سيمنح بعد ذلك الضوء الأخضر لهذه الجمهوريات للمطالبة بحماية روسيا.

والسؤال الآن، ماذا ستفعل أوكرانيا بعد ذلك؟ هل ستهاجم القوات الروسية مباشرة؟. الجواب سيكون انتحاراً حقيقياً، لكن تحت الضغط الأمريكي كل شيء ممكن! عندها ستصدر “العقوبات” الأمريكية الشهيرة ضد روسيا وعلى الأرض سيموت الأوكرانيون بالآلاف، وسوف يكونون ضحايا الجنون والكراهية القاتلة لعدد قليل من الأفراد في واشنطن وبروكسل الذين على استعداد لفعل أي شيء لإرضاء غريزتهم الاجرامية والانتقامية. بعد ذلك، سيعود زيلينسكي بدون بايدن إلى قصره وسيتمكن أخيراً من العمل لاستعادة اقتصاد أوكرانيا حيث يتضور الأوكرانيون جوعاً كل يوم. أما بالنسبة للشعب الروسي، وبحسب المحللين الروس، فهو يعلم علم اليقين أن الوقت الذي قصف فيه الناتو يوغسلافيا قد انتهى وولى الى غير رجعة، فالشعب الروسي لن يستسلم ولن يركع سواء في روسيا أو في دونباس.