الصفحة الاخيرةصحيفة البعث

عبد الله عبد والسرّانية الغامضة!

دائماً، وكلما عاودني الحنين لقراءة أهم النصوص القصصية القصيرة في مدونة السرد السورية، أجد نفسي توّاقة لقراءة قصص عبد الله عبد (1928 – 1976)، أحسُّ بي كما لو أنني طير يجوب الفضاء والبساتين القصصية، ليحطّ شوقاً في القرى الأدبية الجميلة التي بناها وأثّث لها قلم عبد الله عبد بالمقدرة الفنية التامة، والإبداع النايف الأتمّ، لأن معرفتها، والجولان فيها، ومجالستها.. تعني تذوق طعوم السّحر الحلال الذي لا تأتي به إلا المواهب العظمية، والنفوس التي اغتنت بالمعارف الثقيلة ذات المعاني الخالدة.

إن قصص عبد الله عبد أشبه بالأنهار الكبيرة ذات العرامة المُهيبة التي حفرت في الأرض عميقاً كي تحفظ الماء وما فيه من أسرار آبادات، وكي تؤثث ضفافها بالبراري الرّاهجة بالجمال، وبالغابات، ومروج العشب، والسواقي، والقرى، وقطعان الماشية التي تمشي على إيقاع النايات والأجراس والأحلام التي يجهر بها الرعاة غناء ومناداة ومناجاة.

قصص عبد الله عبد كتابة لما يجول في النفوس، وقد راحت المواقد الاجتماعية تُسعّر نيرانها، وكتابة للأحلام حين راحت الفضاءات تضيق كما لو أنها الأكواخ، وهي كتابة للجمال الروحي الذي راح يتناقض وينكمش بسبب صلادة ما تطلبته الحياة واستجابت له من بوارق المادية البشعة، وقصصه أيضاً، هي كتابة للنبل الجليل الذي يجعل من النفوس بواشق ذات نباهة وحذر تجاه كل معتم وصديد، كتابة عن أفخاخ الحياة وأشراكها حين تنحني الرقاب لتأخذ القليل مما احتاجت إليه، مثلما تنحني رقاب الطير لتلتقط الحبّ المفخّخ بالكواره الفاجعات، وهي أيضاً كتابة عن المحبة التي لا تصير الحياة حياة من دونها، لا بل أقول، بالتوكيد الثابت، إن قصص عبد الله عبد هي كتابة للمحبة وعنها، وهي كتابة مديدة لم تمل الدوران حول المحبة لأنه عدّها جوهر كلّ شيء، حتى الكراهية جوهرها ليس البغض، وإنما جوهرها المحبة، ولكنها محبة تحتاج إلى الحفر النبيل المؤمن بأن الحجارة تنبض أيضاً بالمحبة، وأنها تقيم العمران من أجلها.

أعاود قراءة قصص عبد الله عبد، وفي نفسي حيرة ضافية لم تبددها أسئلتي الدائمة حول سيرته الحياتية، فهي سيرة وجيزة، وغامضة، وخاطفة، ولا تجعلها من أهل الهناءات كي نقرن سيرة النص بسيرة صاحبه، لنقول إن إحداهما هي مرجعية للأخرى، فنحن لا نعرف الكثير عن عبد الله عبد ابن مدينة اللاذقية، لا نعرف أسرته، ولا الثقافة التي حازها، ومن هم الأصدقاء الذين أحاطوا به فعرفوه، ولم نقع على حوارات صحفية كشفت عن جوانب من حياته وأحلامه، كلّ ما عرفناه لا يتعدى معلومات وجيزة تقولها أسطر قليلة، ومنها أنه شارك في مسابقات أدبية في سورية ولبنان والعراق، وفازت قصصه بالمراتب الأولى مخلّفة وراءها، في حينها، أسماء أدبية عرفت شهرة واسعة فيما بعد، ولهذا أقول: كيف لا نعرف الكثير عن عبد الله عبد  المبدع الذي تقدّم الكثيرين من كتّاب السرد في سورية والعراق ولبنان وفلسطين، في الزمن الذهبي الذي عرفه فن القصة القصيرة، أعني عقد السبعينيات من القرن العشرين المنصرم.

لذلك أسأل الآن: أما من أحد عرف عبد الله عبد فيطلع علينا ليحدثنا عن حياته وثقافته وشواغله وأحلامه، حتى نعي ما قدمته سيرة الحياة لسيرة النص الذهبي الذي كتبه!.

حسن حميد 

Hasanhamid55@yahoo.com