ثقافةصحيفة البعث

“وردة عند الغروب”.. تنوع بالشكل السردي والمضامين!!

“وردة عند الغروب” عنوان شائق يجمع بين الحزن والفرح، وهكذا حال المجموعة القصصية للكاتب عبد الله النفاخ الصادرة عن دار سين للثقافة والنشر والإعلام، والتي يبدؤها بتوطئة لتكون مدخلاً إلى عتبة السرد، فتطرح تساؤلاً: “أكل الناس يستشعرون أثر الغروب في النفس؟”.. السؤال الذي أجابت عنه ابنة الشهيد: “لا أصدق أن قاتل أبي عرف شعور التأثر بالغروب يوماً”.

الرمزية والواقعية

حملت المجموعة الكثير من الحالات الإنسانية والمشاعر الوجدانية، بين النهايات السعيدة والحزينة، ويذهب النفاخ إلى أبعد من ذلك بخياره النهايات الرمزية في بعضها الآخر: “وتنقشع غيمة الظلمات، فيتهافت العطشى المالئون ضفتي البركة لينهلوا من مائها”.

الحب والشهيد 

تمضي المجموعة بخطين متوازيين: الحب والشهادة، فيرسم بالكلمات لوحات مختلفة لومضات قصص الحب، ويغرق ببحر الحزن وهو يسرد حكاية الشهيد في قصص عدة مثل القصة القصيرة جداً “زغردة”: “شققتُ عن صدري فوجدتها منه تنبع، لكنني وجدت الكون حولي كله يرددها في آن معاً”، ويقترب من ملامح الحرب الإرهابية بفنية غير مباشرة: “أقبل مجهول غريب، اختلس التفاتة الواقف على الثغر، رمى حصاة في معترك الخضرة”.

الملفت هو التنوع بمستويات اللغة التي تدل على ثرائه بالمفردات والصور تارة، في حين يلجأ إلى اللغة الواقعية في أخرى، لاسيما في القصص العاطفية، ويعتمد على صوت السارد بضمير المتكلم في أغلب القصص لتبدو ذاتية السارد في أكثر من قصة، وينسحب التباين باللغة إلى العناوين المفردة مثل: “انتظار – وحدة – خيبة”، وتأتي أخرى كجملة صغيرة: “صوت من بعيد، أعاده إلى حلمه، بعض الحزن ترف، أو مركبة مثل: من أوراق شاعر”، كما ينسحب إلى شكل القصة التي تأخذ طابع القصة القصيرة والقصة القصيرة جداً مثل قصة “فقد”: “فقد قلبه، فتش عنه كثيراً، فلم يجده، لكنه فوجئ أن عقله ينبض بقوة”.

 جرائم الشرف

ومن خلال المضامين يتطرّق إلى مسائل اجتماعية مازالت شائكة مثل جرائم الشرف في قصة “وشى” عنوانها بفحواها، “أنا مظلومة”: “كثر أولئك الذين يقتلون أخواتهم إن تكلم بعض الناس في شرفهن”، ويصرح بأن كثيرات ظُلمن مثل عفاف بطلة القصة الغائبة.

 حافة اليأس

ويتغلغل بانعطافات وعرة لشدات نفسية تؤدي إلى الانتحار بعد الظلم والكبت والوصول إلى حافة اليأس، كما في قصة “الرقصة الأولى”: “بدأت سمر تدور حول نفسها، ثم تشعل كل ما حولها ناراً، راقصة بحماسة رقصتها الأولى التي لعلّها تكون الأخيرة”، ويتوقف عند تغير المبادئ والقيم، وتنكر الأصدقاء في “أما زال قائماً”.

بين زمنين 

وتسدل الرومانسية ستارتها الوردية الشفافة في قصة “ما زلت ما زلت” التي استخدم فيها نقاطاً متعددة شكّلت خطاً مستقيماً وظّفه الكاتب ليدل على الحاضر بعدما بدأت القصة بالفلاش باك فأعاد خط النقاط القارئ إلى الزمن الحالي إلى مشهد النهاية حينما يسترجع البطل لقاء حبيبته عند المعرض الزجاجي للوائح الكلية، ليكرر المشهد والقول ذاته: “ما زلت في عينيّ الفتاة الحسناء الواقفة إلى جانبي عند نقلنا برنامج الدوام في الكلية، لكن بفارق ستين عاماً من الحب والزواج ليطلق تنهيدة ويغمض عينيه ثم لم يفتحهما أبداً”.

الجانب المظلم

وتحفل الصفحات أيضاً بالجانب المظلم للحب وسكينه التي تطعن القلب وتجعله يئن من النزف الصامت، ففي قصة “انتظار” تبقى الفتاة التي تركها حبيبها وتشاغل بفتاة أخرى على حافة الانتظار في الطريق ذاته رغم مرور الأيام: “بصرها معلّق بالطريق الذي كان يأتي منه”.

وبمفارقة يرد بطل قصة “لم يمر بي” بعنفوان على حبيبته التي هجرته وحاولت أن تعود بعد ارتباطه بفتاة أخرى: “أهلاً وسهلاً بك يا صاحبة الرسالة، لكن من حضرتك لو سمحت؟ فلم يمرّ بي أحد بهذا الاسم يوماً”.

حب في الطفولة

وتتميز صور الحب المختلفة بالاعتراف بالحب في الطفولة، ليستنتج من خلالها أن حال قلوب الأطفال تتغير وتتقلب مثل حال المحبين الكبار، كما في قصة “كما في قصة عشقي الأول”: “غابت أكثر الذكرى.. ولم يلبث في صدر الطفل الصغير الذي أمسى ابن الثلاثين، إلا أنها كانت شعراً أحمر، لم يهتد أهلها فيما يبدو إلى طريقة يصففونه بها، فتركوه أقرب إلى الشعث”.

ومن الوجدانيات التي لمس مفاتيحها قصة “اشتياق” التي تدخل دائرة حزن آلام فقد الأم، وتتقاطع بزاوية ما مع قصة “لعلّها تعود”.

غياب 

غاب الفهرس عن صفحات المجموعة، ربما أراد الكاتب أن يشدّ القارئ إلى عوالم مجموعته، وتحدث عن شخوصه من الناحية النفسية والمحيط الاجتماعي، لاسيما النساء، أكثر من الوقوف عند خصوصية الشخصيات، فكانت قصصه ضمن حالة أو ومضة.

صدرت المجموعة في عام 2021، ووقّعت في معرض الكتاب السوري في جناح دار سين.

ملده شويكاني