دراساتصحيفة البعث

نجاحات روسية مقابل فشل السياسات الغربية

إعداد: عناية ناصر 

مع استمرار ارتفاع تركيزات ثاني أكسيد الكربون والميثان في الغلاف الجوي، كان العام الماضي واحداً من أكثر الأعوام حرارة، وفقاً لخدمة “كوبرنيكوس” الأوروبية لتغيّر المناخ. فقد بلغت انبعاثات ثاني أكسيد الكربون من حرائق الغابات في جميع أنحاء العالم 1850 ميغا طن، مقارنة بـ1750 ميغا طن في عام 2020. وقال العلماء إن متوسط ​​درجة الحرارة السنوية قد ازداد في عام 2021، 0.3 درجة مئوية مقارنة بالفترة الأساسية 1991-2020. ومع ذلك، كانت السنوات السبع الماضية منذ عام 2015 هي الأكثر دفئاً على الإطلاق، مع بقاء عامي 2016 و2020 “المحطمين للأرقام القياسية”.

ووفقاً للخدمة الصحفية لمعهد فيزياء الغلاف الجوي التابع للأكاديمية الصينية للعلوم، خلص فريق دولي من علماء المناخ إلى أنه خلال العام الماضي زادت كمية الحرارة المخزّنة في أعالي المحيطات إلى مستوى قياسي بلغ 244 زيتاجول، وبزيادة قدرها 14 زيتاجول أكثر من عام 2020. ويؤكد علماء من المركز الوطني لأبحاث الغلاف الجوي في كولورادو أيضاً هذه المعلومات، مشيرين إلى أن عام 2021 سيكون العام السادس على التوالي الذي تحطّم فيه درجات حرارة المحيطات الأرقام القياسية للحرارة.

ووفقاً لعالم المناخ كيفين ترينبيرث من المركز الوطني لأبحاث الغلاف الجوي في كولورادو، فإن المحيطات تمتصّ نحو ثلث ثاني أكسيد الكربون في العالم، مما يؤدي إلى زيادة حموضة المياه وتدهور الشعاب المرجانية، ما يؤدي إلى قتل الحياة البحرية. وتؤدي الزيادة في المحتوى الحراري لمحيطات العالم إلى حدوث المزيد من العواصف والأعاصير والأمطار الشديدة. وقال فريق من العلماء من وزارة الخارجية الأمريكية إنه نظراً لحقيقة أن الماء الدافئ يحتوي كمية أقل من الأكسجين، فمن الواضح أنه لا يكفي لكائنات كبيرة الأحجام، ولهذا السبب إما أن تنقرض أو تتطور للتكيف مع الظروف الجديدة عن طريق تقليل حجمها. وتؤكد وكالة ناسا أيضاً حقيقة استمرار الاحتباس الحراري خلال العام الماضي، إذ تقول في بيان لها: “الاتجاه طويل الأمد للاحتباس الحراري يرجع إلى حدّ كبير للأنشطة البشرية التي أدّت إلى زيادة انبعاثات ثاني أكسيد الكربون وغازات الاحتباس الحراري الأخرى في الغلاف الجوي”.

في قمة مجموعة العشرين-روما في 30 و31 تشرين الأول 2021-، قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال مؤتمر عبر الفيديو: “إن قضية تغيّر المناخ، بالطبع، مهمة للغاية. وأشار إلى أن روسيا تتأثر بشكل خاص بالاحتباس الحراري، إذ أن المناخ في روسيا يزداد احتراراً بشكل أسرع من المتوسط ​​العالمي، كما أن القطب الشمالي يزداد احتراراً بشكل أسرع. وقد ارتفع متوسط ​​درجة الحرارة في روسيا بمقدار نصف درجة في السنوات العشر الماضية، واتسعت مساحة  التصحّر وازداد تآكل التربة وذوبان التربة الصقيعية، التي تمثل مناطق واسعة من الأراضي الروسية”.

روسيا من جانبها تفي بجميع التزاماتها بموجب اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغيّر المناخ واتفاقية باريس. وكجزء من الدفع لمصادر الطاقة النظيفة، تعمل روسيا على توسيع استخدام الطاقة النووية بالإضافة إلى المحطات الكهرومائية وتحول بنشاط المنشآت الصناعية والمنزلية في البلاد إلى الغاز الطبيعي.

وكما اقترح الرئيس الروسي في قمة مجموعة العشرين، يمكن للخبراء تصنيف مثل هذه المشاريع من خلال تأثيرها في الحدّ من غازات الاحتباس الحراري في الغلاف الجوي مقابل كل دولار يتمّ استثماره. لكن، بدلاً من تعزيز التعاون في هذا المجال، يسعى الاتحاد الأوروبي إلى خلق خلفية دفاعية شديدة الخوف من روسيا، ولاسيما من خلال الضغط على روسيا واتهامها بفشل السياسة الخضراء الأوروبية، وشركة غازبروم بزعم التلاعب بالأسعار، وهو الأمر الذي سبق وتمّ دحضه من قبل العديد من الخبراء الدوليين والعديد من مسؤولي الاتحاد الأوروبي أنفسهم. لكن إجراءات الاتحاد الأوروبي لتحرير سوق الغاز الأوروبية، وخلق المنافسة، فشلت حتى الآن في تحقيق النتائج المرجوة.

ولتحقيق صفر انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بحلول عام 2050، تخطّط أوروبا لزيادة الطلب على الكهرباء بشكل كبير، وعلى وجه الخصوص، للحصول على 50٪ منه من طاقة الرياح. ومع ذلك، فقد سجل علماء أوروبيون اليوم قولهم إن سرعة الرياح في المنطقة الأوروبية آخذة في الانخفاض بسبب تغيّر المناخ وستستمر في ذلك. كان العام الماضي مؤشراً، إذ كان الانخفاض في توليد الرياح أحد أسباب أسعار الغاز القياسية. ويحذّر الخبراء من أن جميع المستهلكين الأوروبيين سيضطرون إلى الدفع مقابل مثل هذا التحول في الطاقة، وقد لا تكون النتيجة كما هو متوقع. على سبيل المثال، استخدم أكبر منتجي طاقة الرياح في المملكة المتحدة وألمانيا والدنمارك، في الربع الثالث من عام 2021، 14٪ فقط من طاقتهم المركبة، مقارنة بـ20٪-26٪ قبل عام، وفقاً لبيانات رفينيتيف. ووفقاً للوكالة الفيدرالية “سمارد” انخفض توليد الرياح في ألمانيا بنسبة 13٪ في عام 2021 وفي الخارج بنسبة 10٪. نتيجة لذلك، ارتفعت انبعاثات غازات الاحتباس الحراري الألمانية بنسبة 4.5٪ في عام 2021 وتواجه البلاد احتمال التقصير في تحقيق أهدافها المناخية وخفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بنسبة 65٪ بحلول عام 2030. كذلك حدثت قصة مماثلة في المملكة المتحدة، فانخفاض سرعة الرياح أدى إلى مضاعفة توليد الفحم إلى 1.5 تيراواط ساعة، وبالتالي زيادة انبعاثات ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي.

بالنسبة للكثيرين، إن تحويل الطاقة إلى طاقة الرياح هو مجرد شعار لفظي للسياسيين الغربيين في الوقت الحالي، وليس خطة مدعومة بإمكانيات حقيقية، كما يعتقد عدد كبير من الخبراء الآن. وفي ظل هذه الخلفية، يمكن أن يكون التطوير الذكي للطاقة النووية وزيادة استخدام الغاز الطبيعي كمصدر للطاقة النظيفة الطريقة الأكثر فائدة لمكافحة تغيّر المناخ، حيث تعمل روسيا بنشاط على تعزيز هذين المجالين من مجالات التعاون مع أوروبا، بما تقدّمه تقنياتها لبناء محطات الطاقة النووية، وتوسيع شبكة إمدادات الغاز الروسي، ولاسيما من خلال “نورد ستريم 2”.