مجلة البعث الأسبوعية

بعد أكثر من ربع مليون غارة جوية على اليمن برنامج الأمم المتحدة للتنمية يكشف الخسائر البشرية وحجم الدمار في البنى التحتية

البعث الأسبوعية-هيفاء علي

اليمن الذي كان سعيداً ذات يوم، لم يعد سعيداً الآن بل هو أتعس بلد يعيش كارثة إنسانية وصحية واقتصادية هي الأشد فتكاً في العالم جراء عدوان دول التحالف الجائر عليه، والذي دخل عامه السابع مخلفاً آلاف الضحايا، ومجاعة وأمراض، و أوبئة فتكت بأجساد الأطفال والشيوخ والنساء بسبب نقص الأغذية الناجم عن سياسة الحصار الذي طبقته الدول المعتدية على ميناء الحديدة. هذا العدوان الوحشي لم يحقق هدفه بالقضاء على الشعب اليمني والجيش واللجان الشعبية التي بذلت ولا تزال ما بوسعها وبإمكانياتها البسيطة والمتواضعة لدحر العدوان والدفاع عن أرضها. هذا العدوان ليس الوحيد الذي تشنه دول التحالف على اليمن، بل هناك حروب عديدة منذ الثلاثينيات في محاولة للسيطرة على اليمن.

في آذار من عم 2015، أطلق ما يسمى” التحالف العربي” عملياته العسكرية ضد الشعب اليمني بزعم أن الهدف من العدوان هو “استعادة شرعية الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي، الذي هرب حينها الى الرياض بعدما سيطر الجيش اليمني على صنعاء في كانون الثاني من ذلك العام. واليوم يدخل العدوان عامه السابع ولم يحقق هدفه المعلن والمتمثل إلحاق الهزيمة بالجيش اليمني، وإرساء حكومة تابعة لمملكة آل سعود، بل على العكس من ذلك، حققت المقاومة اليمنية بالتعاون مع الجيش اليمني نصراً ميدانياً كبيراً.

تكلفة الحرب الباهظة بالنسبة لليمنيين

قدر برنامج الأمم المتحدة للتنمية أن عدد اليمنيين الذين سقطوا في هذا العدوان بلغ 377 ألف مدني العام الماضي، معظمهم من الأطفال والنساء، ويعد الحصار الاقتصادي لليمن من الأسباب الرئيسية للكارثة الإنسانية، حيث يحرم البلاد من الغذاء والدواء.

وأكد البرنامج الأممي أن إجمالي الشهداء والجرحى خلال سبعة أعوام بلغ 593,43 مواطناً بينهم 17,097 شهيداً، و26,496 جريحاً، مضيفاً أن عدد الشهداء الأطفال خلال الفترة عينها بلغ 4181 طفلاً، 2815 امرأة، و19498رجلاً.

كما تسبب العدوان في تدمير وتضرر 15 مطاراً، و16 ميناءً، و307 محطات ومولدات كهربائية، و551 شبكة ومحطة اتصال، في حين تعمد طيران العدوان تدمير واستهداف 2,228  خزاناً ومحطة مياه، و 1,978 منشأة حكومية، و4,764 طريقاً وجسراً، لافتاً إلى أن المنازل المدنية المدمرة والمتضررة جراء العدوان بلغت 571,190 منزلاً، و178 منشأة جامعية، و1413 مسجداً، و367 منشأة سياحية، و390 مستشفى ومرفقاً صحياً. وأضاف أن العدوان دمر واستهدف 395 مصنعاً، و292 ناقلة وقود، و 11,387 منشأة تجارية، و416 مزرعة دجاج ومواشي، و7495 وسائل نقل، و464 قارب صيد منذ بداية العدوان.

فوق كل ذلك، استهدف العدوان 904 مخزن أغذية، و394 محطة وقود، و680 سوقاً، و815 شاحنة غذاء، و1,102 مدرسة ومرفقاً تعليمياً، و7,191 حقلاً زراعياً، و143 منشأة رياضية، و247 موقعاً أثرياً، و48 منشأة إعلامية.

أكثر من ربع مليون غارة جوية على اليمن

إن إجمالي ما تعرض له اليمن من غارات جوية من قبل تحالف العدوان بلغ أكثر من 266510 غارة منها ما يقارب ألف غارة منذ بداية العام الحالي 2021، فيما بلغ إجمالي عدد الغارات منذ اليوم الأول للعدوان هو ما تم رصده من قبل الجهات المختصة، وأكد برنامج الأمم المتحدة للتنمية إلى أن هناك المئات من الغارات لم ترصد لاسيما خلال سنة 2015 وكذلك سنة 2016.

استهدفت هذه الغارات المواطنين اليمنيين، والقرى والمنازل والمدن والطرقات والمساجد والمنشآت الخاصة والعامة، وأدت الى إستشهاد وإصابة عشرات الآلاف من اليمنيين، لافتاً إلى أن الجهات المختصة ستكشف الاحصائيات المتعلقة بالجرائم والضحايا والتداعيات والاضرار.

بالمقابل، ورداً على العدوان، فقد نفذ الجيش اليمني والمقاومة اليمنية أكثر من 6192 عملية هجومية أدت الى تحرير أراض واسعة وكبدت العدو خسائر بشرية وعسكري، و بلغت الخسائر البشرية في صفوف المرتزقة السودانيين أكثر ممن 8634 قتيل ومصاب، حيث تجاوزت الخسائر البشرية في صفوف المرتزقة والعملاء أكثر من 226615 بين قتيل ومصاب.

التحالف خسر في اليمن

في البداية، شاركت سبع عشرة دولة في التحالف. ومع مرور الوقت، انسحب المغرب، وطُرِدت قطر، فيما أبقى الأردن ومصر مسافة بينهما وبين التحالف. كما تسبب الخلاف مع قطر بتدهور العلاقات السعودية-الإماراتية مع حزب الإصلاح اليمني، وفي السنوات الأربع الأخيرة لم يبق إلى جوار السعودية، سوى الإمارات، على الرغم من ابتعادها إلى حد التناقض في بعض الأحيان عن الاستراتيجية السعودية. وفيما تواصل السعودية، تقديم الدعم إلى حكومة هادي، ساهمت الإمارات في إنشاء كيان منفصل، هو المجلس الانتقالي الجنوبي، ليكون ذراعها العسكري.

التدخل العسكري للتحالف، لم يحقق هدفه المعلن، وبدلاً من ذلك، أصبح التحالف مفككاً بسبب صراعات المصالح بين أعضائه، ما أتاح لليمنيين التقدم على جبهات عدة.

خسرت السعودية الحرب على اليمن خسارة مدوية لا يمكن حجبها، فالسعودية شنت الحرب تحت عنوان كاذب مزعوم هو دعم الشرعية وإجهاض ما أسمته “الانقلاب الحوثي”، وتمكين عبد ربه منصور هادي من حكم اليمن بقيادة سعودية أميركية والقضاء على المقاومة اليمنية المتمثلة باللجان الشعبية.

ومن أجل تحقيق هذا الغرض شكلت السعودية تحالفاً مدعوماً من الغرب الأطلسي، بقيادة أميركية دعماً واسع النطاق إلى حد ظهر كما لو أن الحرب شنت على العدو الاسرائيلي، وأنفقت السعودية مليارات الدولارات على هذه الحرب تسليحاً وخدمات ميدانية، ورغم كل الدمار الذي خلفه العدوان،  تمكن الجيش الوطني اليمني من الصمود ، ثم القيام باستهداف مواقع العدوان في اليمن أو على الحدود السعودية اليمنية، من ثم إلى عمليات الردع الاستراتيجي بقصف أهداف في العمق السعودي وللتأثير من خلالها على حركة النقل الجوي والطيران المدني والعسكري ودورة النفط والأمن والاستقرار في الداخل السعودي، عمليات ترافقت في داخل اليمن مع عمليات عسكرية نوعية قادتها القوات المسلحة اليمنية المتشكلة من الجيش الوطني اليمني واللجان الشعبية ، حيث تمكنت هذه القوى من خلالها توسيع سيطرتها على الأرض اليمنية في الغرب والشمال والعمل باتجاه الشرق والجنوب بشكل يحرم العدوان من بناء قاعدة مستقرة تمكنه من القول بانه حقق نصرا ميدانيا يبنى عليه.

ورغم كل هذا الدمار الذي أحدثه العدوان على اليمن تحت عناوين “الحزم والأمل ودعم شرعية هادي”، إلا أن المراقبون يؤكدون أن الجيش اليمني واللجان الشعبية يحرزون تقدماً مهماً في الميدان، ويسيطرون على محافظات بأكملها، وقد أعلنوا سيطرتهم على أجزاء كبيرة، وبهذه السيطرة تكون الحرب قد دخلت مرحلة الحسم الذي يفرض وقائع تجبر التحالف على تقديم تنازلات لليمن.

وبعد عجر التحالف عن تحقيق أي هدف استراتيجي أو عسكري في الميدان اليمني، وقدرة الجيش اليمني على توجيه ضربات عسكرية أكثر دقة للأهداف ، طرح السعوديون ما أسموه “مبادرة في اليمن” لإنهاء العدوان، تضمنت وقف إطلاق النار مع فتح جزئي محدود ومقيد لمطار صنعاء، وميناء الحديدة، لتظهر بوجه إنساني من خلال التخفيف الجزئي والمحدود للحصار الوحشي الذي تمارسه، ولكسب الوقت ولوقف الانهيارات في البني السعودية العسكرية، في داخل اليمن، والاقتصادية والأمنية في العمق السعودي، كذلك  تجاوز الأثار السلبية لتحلل التحالف، وردت الحكومة الوطنية اليمنية في صنعاء على هذا العرض بالرفض القاطع.

فقد رفضت الحكومة الوطنية اليمنية الطرح السعودي، ورأت فيه مقايضة على المسائل الإنسانية بدلاً من الموضوع الأساس المتصل بالعدوان التدميري، ولما يفّوت على اليمن فرصة رفع الحصار ويبقي اقتصاده رهينة القرار السعودي، معتبرة المبادرة السعودية بأنها خديعة، مشددة على شروطها بإعلان السعودية وقف العدوان بشكل مباشر ورفع الحصار بالكامل، وسحب القوات الأجنبية من اليمن.

واعتبر اليمنيون أن الحصار الجوي والبحري السعودي على اليمن كان سبباً رئيسياً وراء هلاك عشرات الآلاف من المدنيين اليمنين بسبب الحرب وانتشار الأوبئة والمجاعة في أسوأ أزمة إنسانية شهدها العالم، وعليه يصرون على وقف العدوان ورفع الحصار، وخروج المرتزقة من اليمن، قبل البحث في تفاصيل إبرام أي اتفاق سلام.

الكيان الإسرائيلي يشارك في العدوان على اليمن

شارك الكيان الإسرائيلي بشكل غير مباشر في هذا العدوان من خلال المشاركة في عمليات القصف الجوي، خاصة في معارك الساحل الغربي، ولكن بشكل غير مُعلن، وهذه المشاركة أتت بالدرجة الأولى نتيجة خشية الكيان الاسرائيلي من الخبرات العسكرية التراكمية التي اكتسبتها حركة أنصار الله نتيجة شراسة الحرب اليمنية، وقسوتها وطول مدتها وتحالف القوى العسكرية اليمنية بقيادة الحوثيين، مع محور المقاومة أي إيران وسورية والمقاومة اللبنانية، الذي بإمكانه توظيف تلك القدرات العسكرية المتراكمة في مواجهة الكيان الإسرائيلي في لبنان أو في سورية. كما أن مشاركة الكيان الإسرائيلي بالعدوان على اليمن هي محاولة يائسة من أجل منع أنصار الله من السيطرة على مضيق “باب المندب”، لأنهم قادرون على استهداف السفن الإسرائيلية التي تمر عبره، و”إسرائيل” لها تجربة في هذا الشأن عبر قيام أطراف مناهضة لها باستهداف سفنها التي تمر عبر مضيق “باب المندب”، فحركات المقاومة الفلسطينية في التسعينات قامت باستهداف عدد من السفن الإسرائيلية التي تمر عبر المضيق.

كما أن لدى الكيان الاسرائيلي قواعد عسكرية في  أريتريا وهي دولة مطلة على البحر الأحمر وهناك تواجد عسكري إسرائيلي مباشر في ميناء “عصب” الساحلي الذي من الممكن أن تستخدمه “إسرائيل” للمشاركة في حرب اليمن سواء عبر الغارات الجوية أو الطلعات الجوية لتسليم السلاح المتطوّر إلى قوات التحالف على الأرض، خاصةً مع قدرة أنصار الله على استهداف الإمدادات عبر البر، فتكون أفضل وسيلة في تلك الحال هي إيصال “إسرائيل” المساعدات العسكرية لقوات  التحالف، حيث تقول بعض التقارير إن “إسرائيل تنقل المساعدات العسكرية من ميناء عصب الأريتيري إلى قاعدة خميس مشيط في عسير”، وما يجعل تلك التقارير منطقية أن “إسرائيل” ليس لها تواجد عسكري في ميناء “عصب” فقط، بل لها تواجد في ميناء “مصوع” المطل على البحر الأحمر وقامت “إسرائيل” باستئجار بعض الجزر المحيطة بالميناء من أجل التدخل عسكرياً لصالح قوات التحالف في حرب اليمن .

ما هي الخطوة التالية؟.

معركة مأرب هي المرحلة التالية الحرجة للحرب، فقد حققت اللجان الشعبية مكاسب كبيرة على الأرض مؤخراً حول مدينة الحديدة الساحلية، ولا يبدو أنها في عجلة من أمرها لاستكمال تحرير مأرب التي استولت عليها السعودية وعلى أجزاء من اليمن في حرب الثلاثينيات، لذلك قد يطمح الجيش اليمني واللجان الشعبية إلى استعادة هذه الأراضي المفقودة، لكنهم لم يطالبوا علناً بتغيير الحدود. وعلى الرغم من أن إدارة بايدن قدمت السلام في اليمن كأولوية قصوى، إلا أنها لم تفعل شيئاً يذكر لإنهاء القتال، بل تواصل سياسة سابقيها من خلال دعم وبيع الأسلحة لقوات التحالف. في النهاية، الأمر متروك لليمنيين وليس الأمريكيين وبالتأكيد ليس السعوديين.

اليمن اليوم مجتمع منقسم للغاية، وليس من المؤكد أنها ستصبح دولة موحدة مرة أخرى، و قد يكون علي عبد الله صالح اليمني الوحيد الذي حكم يمناً موحداً. اليمن اليوم بحاجة إلى قرار جديد من مجلس الأمن لتوجيه جهود السلام، وليس القرار الحالي، والذي تم تحيزه عمداً تجاه مصالح قوات التحالف. يجب أن يكون المبدأ الأول لهذا القرار هو الدعوة إلى الوقف الفوري والكامل لجميع التدخلات الأجنبية في اليمن، وهذا يعني إنهاء الحصار الاقتصادي، ووقف الضربات الجوية داخل اليمن، كما يجب قطع كل الدعم العسكري لحكومة هادي تماماً،

وفي حال لم توقف قوات التحالف عملياتها العسكرية في اليمن ورفع الحصار، فسوف يتعين على الولايات المتحدة وقف جميع مبيعات الأسلحة والعقود لدوا التحالف، ويجب سحب جميع الأفراد العسكريين الأمريكيين من البلاد، إلى جانب جميع المتعاقدين الأمريكيين، كما فعلت في أفغانستان. وسيشمل ذلك الفنيين الذين يحتفظون بأسطول القوات الجوية الملكية السعودية من الطائرات الأمريكية الصنع بتشغيل وقصف اليمن. سيكون التأثير على الجيش السعودي فورياً ومدمراً، لأنه في المنظور القريب لن تتمكن القوات الجوية الملكية السعودية من إبقاء الطائرات في الجو، ناهيك عن الآلات القتالية التشغيلية، كما سيصاب الجيش السعودي والحرس الوطني بالشلل لأنه لن يكون لديها مصادر الإمداد.