مجلة البعث الأسبوعية

الخوذ الزرقاء غطاء للأنشطة غير القانونية…  ليبيا المثال الحي وليس الأخير

البعث الأسبوعية- عناية ناصر

تأسست الأمم المتحدة بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، ووضعت لنفسها هدفاً أساسياً يتمثل  في الدفاع عن السلام والعدالة في جميع البلدان، و تعزيزاً لهذا الهدف أرسلت الأمم المتحدة قوات إلى مناطق النزاعات المسلحة من جميع الأنواع، وشكلت حوالي 70 بعثة من بعثات حفظ سلام منذ عام 1945، ويسعى حوالي 100000 عسكري معروفين باسم الخوذ الزرقاء،  بالإضافة إلى 95000 موظف مدني للحفاظ على  القانون والنظام في 16 منطقة عمليات تابعة  للأمم المتحدة في أربع قارات.

ووفقاً للأمين العام للأمم المتحدة انطونيو غوتيريش، غالباً ما يعاني أصحاب الخوذ الزرق من الخسائر أثناء أداء واجباتهم كقوات حفظ سلام في مناطق الصراع حول العالم، حيث وقعت أكبر الخسائر في السنوات الأخيرة في مالي وجمهورية إفريقيا الوسطى وجنوب السودان وكلها في خضم حروب أهلية طاحنة.

ومع ذلك فإن الخوذ الزرق وعمليات حفظ السلام التي تقودها الأمم المتحدة تشكل في كثير من الأحيان تهديداً للسكان المدنيين المحليين، على سبيل المثال، كثيراً ما اتهم أفراد حفظ السلام على مدار الثلاثين عاماً الماضية، بارتكاب اعتداءات جنسية والتورط في الفساد والفشل في أداء واجبهم.

أظهرت التقارير الأولى عن مثل هذا النشاط الإجرامي لأعضاء الخوذ الزرق في التسعينيات في  البوسنة وغينيا وموزامبيق وليبريا وسيراليون عن تورط أفراد عسكريين تابعين للأمم المتحدة بتهم الإهمال والاغتصاب والتورط في الاتجار بالجنس وبيع المساعدات الإنسانية أو مقايضتها بمصالح جنسية . كما أشار الأمين العام للأمم المتحدة انطونيو غوتيريش، في عام 2015 كان هناك 99 ادعاء بارتكاب أعمال عنف جنسي من قبل الخوذ الزرق، بينما في عام 2017 كان هناك 145 ادعاء من هذا القبيل، ولم يقدم أياً من المتهمين إلى العدالة.

كما أنشأت الأمم المتحدة صندوقاً خاصاً  لدعم ضحايا الأعمال غير القانونية التي تقوم بها قوات حفظ السلام ، والتي بلغت قرابة 500 ألف دولار في عام 2016 منها 436 ألف دولار ساهمت بها اليابان والنرويح والهند وبوتان وقبرص، و49 ألف دولار من قبل البلدان المشتبه جنودها بارتكاب الجرائم.

من الناحية القانونية، يجب التحقيق بدقة في كل حادث من هذا القبيل، ومعاقبة الأفراد العسكريين المسؤولين عن ارتكابها. ومع ذلك لا توجد آلية دولية لتقديم المشاركين في مهمات حفظ  السلام إلى العدالة، إذ يتمتع حفظة السلام، مثل الدبلوماسيين بالحصانة، من الملاحقة الجنائية في البلد الذي يخدمون فيه، والإجراء الوحيد الذي يمكن للأمم المتحدة أن تتخذه هو إعادة الجنود المذنبين إلى بلادهم وتقديم معلومات عن الجرائم التي ارتكبوها إلى السلطات المحلية ، ثم الأمر متروك للسلطات الوطنية في البلدان الأصلية للجنود لتقرير الإجراءات الإضافية التي يجب اتخاذها.

لسوء الحظ، أظهرت التجربة أن الحصانة تؤدي إلى ثقافة الإفلات من العقاب، ونتيجة لذلك، زيادة النشاط غير القانوني، كجرائم العنف والجرائم الاقتصادية والتدخل في شؤون الدول ذات السيادة، فعلى سبيل المثال، اتهمت مجموعة من قوات حفظ السلام الفرنسية في عام 2013  بالاعتداء الجنسي على الأطفال في جمهورية إفريقيا الوسطى. علاوة على ذلك، فإن حفظة السلام الموفدين في مهام في إفريقيا لم يتورعوا عن نهب الموارد الطبيعية. و كدليل على إحدى حوادث الطرق العديدة التي تعرضت لها عربة  تابعة للأمم المتحدة لحفظ السلام في جمهورية إفريقيا الوسطى ، قام شهود بنشر صورة  التقطت في مكان الحادث يظهر فيها أكياس خضراء تحتوي على الكوبالت، وهو معدن ثمين، سقطت من عربة حفظ السلام . قام زملاء الأمين العام أيضاً من البرتغاليين  بعمل جيد خارج بعثات الأمم المتحدة ، فوفقاً لتقرير نشر في صحيفة “الغارديان” قامت مجموعة من المشاركين البرتغاليين في  قوات حفظ السلام التابعة لبعثة الأمم المتحدة في جمهورية إفريقيا الوسطى(مينوسكا)  بتنظيم نقل الذهب والماس والمخدرات غير المشروعة من جمهورية إفريقيا الوسطى إلى البرتغال باستخدام طائرات النقل العسكرية.

في حين أن الهدف الرسمي المنوط بقوات حفظ السلام  هو حماية السكان المدنيين من هجمات الإرهابيين والمسلحين، إلا أن قوات حفظ السلام المتورطة في أنشطة إجرامية تعمل في كثير من الأحيان مع الجماعات التي من المفترض أن تعارضها، بل وتقوم حتى بتزودهم بالسلاح. على سبيل المثال شن المتمردون من “تحالف الوطنيين من أجل التغيير” هجوماً مفبركاً في كانون الأول من العام الماضي على قافلة مينوسكا في قرية تاجبار، في جمهورية إفريقيا الوسطى ، على أمل الاستيلاء على الأسلحة. لم يقاتل جنود حفظ السلام المسلحين بل قاموا ببساطة بتسليم أسلحتهم وذخائرهم إليهم. هذه هي الإستراتيجية الجديدة التي تستخدمها بعثة الأمم المتحدة “مينوسكا”  لتزويد المسلحين بالأسلحة. لقد وجد حفظة السلام والمسلحون الأبعاد لتحقيق الاستقرار في جمهورية إفريقيا الوسطى طريقة سهلة لنقل الأسلحة من خلال تنظيم هجمات وهمية ضد قوات الأمم المتحدة، كما جاء في تقرير إعلامي لجمهورية إفريقيا الوسطى.

أفاد ياو اغبيتسي الخبير المستقل الذي يعمل في مجلس حقوق الإنسان أن 14000 جندي من قوات حفظ السلام يتمركزون في جمهورية إفريقيا الوسطى وحدها، مما يكلف المجتمع الدولي حوالي مليار دولار سنوياً. لكن خلال السنوات العديدة من وجودهم هناك لم يتمكنوا من الحفاظ على السلام في البلاد. وعلى الرغم من المطالبات المتكررة من قبل مواطني وسياسيي جمهورية إفريقيا الوسطى لسحب قوات مينوسكا من البلاد إلا أنه  لم يتغير شيء.

ازداد عدد الشكاوى حول سلوك حفظة السلام المتمركزين في إفريقيا في السنوات القليلة الماضية، لكن توضح الأمم المتحدة أنه في كثير من الحالات يأتي جنود حفظ السلام من البلدان النامية القريبة جغرافياً من مناطق الصراع. وتأمل القوات في كسب أموال إضافية من خلال العمل مع المنظمة الدولية.

استُخدمت الأمم المتحدة أيضاً كغطاء لنوع مختلف من النشاط الإجرامي ، فمع تزايد الغطرسة  تتدخل الدول الغربية في شؤون الدول ذات السيادة، بدعم من ممثلي مختلف المنظمات الدولية. ومن الأمثلة اللافتة للنظر مؤخراً على هذا الاتجاه تعيين الأمريكية ستيفاني وليامز كمستشارة خاصة للأمين العام للأمم المتحدة حول  ليبيا. وباستغلال منصبها كموظفة دولية رفيعة المستوى، تولت السيطرة على نهب الموارد الطبيعية من البلاد وكانت تملي سياسة موالية للولايات المتحدة على الحكومة الليبية.

بعد حصولها على درجة الماجستير في الأمن القومي من الكلية الحربية الوطنية في عام 2008، بدأت التخصص في قطاع النفط في الشرق الأوسط. ووصفها بعض الخبراء والمراقبين “بصاحبة سمو صناعة النفط العربية”. عملت في قطاع النفط في البحرين، وتم تعيينها من قبل وزارة الخارجية الأمريكية في عام 2010، ومن ثم عملت في الأردن والعراق  قبل تعيينها في منصب القائم بأعمال البيت لابيض في ليبيا في عام 2018. عملت في ليبيا عن كثب مع حكومة الوفاق الوطني التي تدعمها الولايات المتحدة وتتخذ من طرابلس مقراً لها، بشأن قضايا من بينها تنظيم حصار على المنشآت النفطية في البلاد. وفي عام 2018 عين الأمين العام للأمم المتحدة انطونيو غوتيريش، ستيفاني ويليامز نائبة لرئيس بعثة الأمم المتحدة في ليبيا. وكما أشارت بعض المنافذ الإعلامية في ذلك الوقت،  ضغطت الولايات المتحدة من أجل هذا التعيين من أجل الحد من نفوذ فرنسا في ليبيا. وخلال مهمتها في ليبيا، اتبعت ويليامز بشكل منهجي سياسة واشنطن لإعادة صناعة النفط في البلاد تحت السيطرة الكاملة لشركة النفط الوطنية.

واعتماداً على ما كشفته  وسائل الإعلام الليبية  في ذلك الوقت ـجمع صحفيون روس تقريراً مفصلاً عن نشاطات  الولايات المتحدة  وستيفاني وليامز الفاسدة فيما يتعلق بقطاع النفط الليبي ومحاولاتها لتأسيس وجود أمريكي استخباراتي خارجي في ليبيا تحت غطاء منصبها كمسوؤل في الأمم المتحدة.

وعلى ضوء ما تضمنه ذلك التقرير عقدت الخارجية الروسية اجتماعاً مع ويليامز في 18 كانون الثاني 2022  أبلغتها فيه أن التدخل في شؤون ليبيا لن يكون مقبولاً وأكدت على أهمية احترام حق الليبيين في إدارة عمليتهم السياسية في جميع المجالات بدعم من  الأمم المتحدة، ووفقاً لتفويض مجلس الأمن.