تحقيقاتصحيفة البعث

بانتظار رحمة السماء لسد العجز المائي.. الجفاف يهدد الأراضي الزراعية

رغم كل ما نسمعه من نحيب وشكوى تنذر بالجفاف والعجز المائي في العديد من مناطق سورية، إلا أن العديد من الخبراء أشاروا في دراساتهم إلى أن نسبة الفائدة من الموارد المائية في سورية سواء كانت سطحية أم جوفية لا تتعدى الـ 9%، وعلى سبيل المثال في منطقة تمتاز بمياهها ومعدلات الهطل المطري المرتفعة كالغاب تنخفض نسبة الفائدة المائية إلى مستويات مخيفة وتتفاقم خلال الأزمة، فهل من حلول قابلة للتطبيق ولو مرحلياً لإنقاذ بعض المناطق من الجفاف والنهوض بواقعها الزراعي بشكل يساهم بسد العجز المائي، وزيادة الإنتاجية الزراعية.

إهمال متفاقم

الخبير المهندس المدني إبراهيم خضرة، مديرية الخدمات الفنية في حماة بين أن سهل الغاب كان يُروى بشكل أساسي من مياه نبع الطاقة، وبقية الينابيع المنتشرة على السفوح الشرقية للجبال الساحلية والسفوح الغربية لجبل الزاوية، بالإضافة إلى ما توفره معدلات هطول الأمطار العالية التي تصل إلى 1750مم في شطحة و 1250 مم في عين الكروم، والكميات الداعمة من مياه سدي الرستن ومحردة، مع صيانة دورية لشبكات الري، وبذلك كنا نحصل على مياه الري الكافية لري جميع المحاصيل الزراعية التي كانت سمتها الدائمة الوفرة.

وأشار خضرة إلى بعض العوامل المؤثرة سلباً على الوضع المائي في الغاب كالزيادات الهائلة في السكان، وتصريف مياه الصرف الصحي لكل البلديات في الغاب نحو عدد من المصارف الفرعية والرئيسية مما أنتج تلوث خطير في المياه التي يستخدمها الفلاح في ري مزروعاته مجبراً بسبب شح مصادر المياه الصالحة للري، وعلاوة عن ذلك فقد تم غض النظر عن ظاهرة الحفر العشوائي للآبار الارتوازية في منطقة سهل طار العلا التي انتشرت كالنار في الهشيم، وهي ممنوعة قانوناً ضمن السهل كونه تم توزيع أراضيه على أنها بعلية، مما أدى إلى جفاف كبير في الينابيع التي تروي سهل الغاب، وتم تقليص حصة السهل من مياه سدي الرستن ومحردة مما أدى إلى تحويل هذا السهل الخصب لما يشبه الصحراء أثناء الصيف ومستنقعات متناثرة خلال الشتاء تذهب مياهها سدى إلى تركيا وبالتالي لا نستفد منها رغم معدلات الهطول المطري الغزيرة، وفيما يتعلق بالسدود في القسم الشرقي من السهل (سد زيزون وسد قسطون وأفاميا) فقد كان إنشاؤها بارقة أمل لفلاحي الغاب لكن اختيار أماكن السدود وطريقة تنفيذها سبب فشلها لاحقا.

لا بوادر للتنفيذ

وذكر خضرة أنه تقدم في العام 1996 إلى محافظ حماه بدراسة لإنشاء مجموعة من السدود في المنطقة الغربية من سهل الغاب، وتم تلزيم الدراسة إلى شركة إيرانية في العام 1999، وقد استغرقت تلك الشركة حوالي عشر سنوات في الدراسة ورفعتها إلى هيئة تخطيط الدولة، ومن ثم اندلعت الأزمة وتوقف المشروع، ويرى خضرة أن المشروع لن ينفذ غالباً ويتم نشر إشاعات بين الفينة والأخرى كنفوذية التربة رغم أنها  صالحة لإقامة السدود بدليل وجود مزرعة أسماك شطحة القريبة جداً من مواقع المشروع، أو عدم وجود المال الكافي لاستملاك أراضي مواقع هذه السدود مع العلم أن هناك موقع لسدين في مرداش وناعور شطحة واقعان ضمن أملاك الدولة، من جهة أخرى أشار إلى ما تقوم به المديرية العامة لحوض العاصي حالياً  بإنشاء سدات على مجرى قناة الألمان بحجج واهية _حسب رأي المهندس_ كون هذه السدات وبمواقعها الحالية تضر أكثر مما تنفع وخصوصاً للأراضي الممتدة من مرداش وحتى نهاية الغاب شمالاً، في حين ستنحصر فائدتها بمساحات ضيقة جداً، وكان الأجدى أن يتم البدء بإنشاء سدود في موقع مرداش وناعور شطحة.

تعزيل وتوسيع

واقترح خضرة للنهوض بواقع سهل الغاب أن يتم فيما يتعلق بالجزء الغربي من الغاب وهو الأكثر حرماناً من الموارد المائية، أن يتم توسيع شبكة المصارف القائمة حالياً لتستوعب تدفقات السيول والأمطار الهاطلة، والتي تصل أحياناً إلى 2000 مم سنوياً في شطحة، و1250 مم في عين الكروم، فكل هذه المياه تذهب سدى وتستفيد منها تركيا للأسف!.

بحاجة خزانات

وفي هذا الصدد اقترح العضو المقرر في لجنة دراسة واقع سهل الغاب الدكتور بسام إبراهيم السيد أن يتم العمل بأقصى ما يمكن لتأمين الاحتياج من المياه، حيث يقدر الانخفاض في نسبة استثمار الموارد المائية مقارنة مع المتاح إلى حوالي 2%، وبرأيه فإن ذلك لو حصل سيساهم في سد العجز المائي والتكثيف الزراعي، كما سيساعد في توفر الخضراوات وانخفاض سعرها الذي أخذ بالارتفاع الجنوني مؤخراً، وهذا ممكن وخاصة أن تضاريس منطقة الغاب تساعد إلى حد كبير في نجاح مشاريع حصاد المياه، لافتاً إلى ضرورة  الإسراع في إعادة تأهيل محطات الضخ والمضخات لسدود أفاميا، والتي يمكن خلال سبعة أشهر تجهيزها وإملاء السد A وبذلك نحصل على مورد مائي يكفي لإرواء بحدود7500 هكتار، ومن الضروري أيضاً –حسب قول السيد- إعادة تأهيل مشروعي الري والصرف، وإصلاح الأعطال ضمن شبكتي التطوير3000-3564 هكتار، كما طالب بتنفيذ ما تضمنه الكتاب رقم كتاب 1760/ص تاريخ 21/11/2019 من قبل وزارة الموارد المائية لإقامة خزانات للمياه يتم ملؤها من واردات مياه الأمطار الهاطلة على جبال وهضاب المنطقة الغربية من الغاب وهي: خزان السوس الذي تبلغ سعته التخزينية 2 مليون م3، وخزان الخطيب بسعة 6 مليون م3، وخزان ناعور جورين بسعة14,10 مليون م3، وخزان نهر البارد السعة التخزينية  19,70 مليون م3،إضافة لتعزيل مجرى العاصي القديم واستخدامه كخزان مائي كونه وللأسف قد تم التعدي عليه وردمه في معظم المناطق، وتعزيل المصرفين A وB وبذلك تزداد سعة استيعابهما للمياه الواردة من الجبال والهضاب المجاورة ومن المجرى الأساسي لنهر العاصي.

كما طرح السيد فكرة جمع المياه من أسطح المنازل في المناطق الريفية ودمج هذه التقنية مع تقنيات أخرى لجمع مياه الأمطار في المناطق الحضرية والريفية بما يوفر كميات كبيرة من المياه، واستخدام طرق الري الحديث لتخفيض الهدر في استهلاك المياه، والسماح بزراعة الأشجار في المناطق المرتفعة في الجهة الشرقية من الغاب، وتسريع تنفيذ مشاريع التحول إلى الري الحديث مما يساهم بعودة الينابيع للجريان.

نعمل ما بوسعنا

المدير العام  لهيئة الموارد المائية المهندس عمر محمد الكناني ورداً على تساؤلات “البعث” حول خطة عملهم لإنشاء وإصلاح السدود والخزانات المائية في الغاب، وخاصة فيما يتعلق بالنقاط والآراء التي أثارها العضو المقرر في لجنة تطوير واقع سهل الغاب، فقد بين أن انخفاض استثمار المتاح من الموارد المائية إلى 2% وأنه يتم استثمار الموارد المائية المتاحة ضمن مديرية الموارد المائية في حماة، مشيراً إلى أنه تم في الموسم الماضي إطلاق كمية المياه من سد الرستن لري الأراضي الزراعية في شبكتي طار العلا والعشارنة، ولكن خروج سد أفاميا A  وسد قسطون من الخدمة بسبب عدم إمكانية التخزين فيهما بعد تخريب وسرقة التجهيزات من محطات الضخ والمنشآت الملحقة بها كان له أكبر الأثر على حجم المتاح المائي اللازم لري مشاريع الاستصلاح، ويضاف إلى ذلك قلة الهطولات المطرية التي كانت تؤمن جزء من المياه اللازمة للري عن طريق المصرف الرئيسي والقناتين  G1 –G2 والتي تم البدء بصيانتها وإعادة تأهيلها، إضافة لتعزيل المصارف في الغاب.

وأشار الكناني إلى أنه تم إيلاء مشاريع حصاد المياه الاهتمام الكبير من خلال دراسة كافة المواقع التي يمكن الاستفادة منها في تنفيذ حفائر، وسدات، أو سدود لتخزين المياه، كما تم تنفيذ التحريكات لإقامة سدة في قرية عوج، وأبدى الكناني تأسفه لأن الدراسات أثبتت أن تربتها نفوذة وغير مناسبة لإقامة السدة، وبيّن أنه يتم حالياً تنفيذ خزان كفر عقيد ووصل الإنجاز فيه إلى نسبة 78%، ويبلغ حجمه التخزيني 100 ألف م3 ، وتم إعداد الأضابير الفنية لتنفيذ خزانات مائية في كل من المواقع: نهر البارد، ونبل الخطيب، والسوس، وناعور جورين، في الطرف الغربي للسهل وبحجم تخزيني إجمالي 41 مليون م3، والمشروع مدرج ضمن خطة المديرية وفقاً لتوفر الإمكانات المتاحة.

وبخصوص تأهيل محطات الضخ وإمكانية إملاء سد أفاميا A وإعادة تأهيل مشاريع الاستصلاح بيّن حجم التخريب الذي لحق بمحطات الضخ والمنشآت الملحقة بها  كان كبيراً جداً، ومع ذلك فإن إعادة تأهيل المحطات والسدود يعد من أولويات وزارة الموارد المائية والهيئة، إلا أنه لا يمكن إملاء السد المذكور إلا بعد إعادة محطات الضخ للخدمة، وقد تم البدء بذلك.

وبالنسبة لإعادة تأهيل مشاريع الري 3000- 3564 هكتار فالمصدر المائي لتلك المشاريع، وفقاً للكناني، هو سد أفاميا A، وعلى اعتبار أن هذه الشبكات مضغوطة ومغطاة فلا يمكن الكشف عليها وبيان الأعطال إلا بعد إملاء السد المذكور وإطلاق المياه باتجاه تلك المشاريع.

أما فيما يتعلق بتنفيذ الكتاب رقم 1760/ص لإقامة خزانات مائية لتزين واردات الأمطار على الجبال في المنطقة الغربية من سهل الغاب فقد تم إعداد الأضابير الفنية لتنفيذ الخزانات المائية في المواقع: نهر البارد، ونبل الخطيب، وناعور جورين، والمشروع مدرج ضمن خطة الهيئة حسب الأولوية وضمن الإمكانات المتاحة، وأكد المدير العام أنه يتم تعزيل مجرى نهر العاصي القديم حسب الحاجة ووفقاً للإمكانيات المتاحة يتم التخزين سنوياً في قطعاته، واستخدامها كخزانات مائية في حال كون منسوب المياه في المصرف أعلى من منسوبها في المجرى، كما تم البدء بتعزيل المصارف الرئيسية A- B في الغاب والانتهاء من تعزيل المصرف الرئيسي من بوابات العشارنة وحتى جسر حورات عمورين بطول 7 كم، وحالياً تم إدارج مشروع تعزيل جزء آخر من المصرف من جسر حورات عمورين وحتى جسر “تل كمبتري” بطول 4,5 كم ضمن خطة عمل العام الحالي، إضافة لمتابعة تعزيل باقي المجرى بواسطة آليات وكوادر الهيئة حسب الإمكانيات المتاحة.

وبخصوص فكرة مشروع جمع مياه الأمطار من أسطح المنازل بين الكناني أن مجال عمل الهيئة يقع خارج المخططات التنظيمية، والتجمعات السكانية، ويرى أن مثل تلك المشاريع يمكن أن تنفذ للاستخدامات المنزلية فقط.

استناداً على ما تقدم نرى أن مياهنا في خطر، والعمل يجب ان يكون أكثر جدية للحفاظ عليها من الهدر في جوف التربة أو بالذهاب للأراضي التركية!.

بشار محي الدين المحمد