دراساتصحيفة البعث

المهاجرون.. مأساة وابتزاز وغياب للمنظمات الإنسانية

سمر سامي السمارة 

هرباً من الحروب والنزاعات المسلّحة وأنشطة الجماعات الإرهابية، يواصل المهاجرون من أفريقيا وآسيا محاولاتهم المحفوفة بالمخاطر لدخول أوروبا بأي وسيلة كانت. في كانون الأول الماضي وحده، أفادت وكالة “يورونيوز” أنه تمّ إنقاذ أكثر من 270 مهاجراً غير شرعي في وسط البحر الأبيض المتوسط، وذلك من خلال قيام منظمة ألمانية غير حكومية بثلاث عمليات إنقاذ. وكان قد وصل أكثر من 300 مهاجر ممن تمّ إنقاذهم سابقاً، إلى الشواطئ في موانئ صقلية.

في الوقت نفسه، لقي أكثر من 30 شخصاً مصرعهم في المياه اليونانية في أواخر كانون الأول الماضي. وبدورها، تلقي السلطات المحلية اللوم في حدوث هذه المأساة على المهربين الذين يفضّلون إرسال المهاجرين على طول الطريق الخطر من تركيا إلى إيطاليا لتجنّب الدوريات!.

وفي عام 2021، أصبح “طريق بيلاروسيا” “مفضلاً” بشكل غير متوقع للمهاجرين غير الشرعيين، لكن حرس الحدود البولنديين والليتوانيين وجيشهما وقفا في طريق أولئك الذين يرغبون في الاستقرار في أوروبا، ما تسبّب بخسائر بشرية كبيرة بسبب هذه الإجراءات.

وفيما يتعلق بظروف احتجاز اللاجئين في هذه البلدان، أصدر خبراء حقوق الإنسان الليتوانيون وثيقة تبيّن أن هذه الظروف ترقى إلى حدّ “المعاملة اللا إنسانية أو المهينة” في مركز تسجيل الأجانب الليتواني في كيبارتاي.

وهذا ما صرّح به أمناء المظالم الليتوانيون، في تقرير نشره موقع “دلفي. ات”، حيث أشار التقرير إلى أن مركز تسجيل الأجانب الليتواني لم يضمن بشكل كافٍ حق المهاجرين في تعريفهم بالتزاماتهم وحقوقهم. وقد وجد أمناء المظالم أن هذه الظروف غير مرضية وغير إنسانية ومهينة للاجئين، ولاسيما في مركز كيبارتاي لتسجيل الأجانب الذي هو في الأصل سجن. وفي مخيمات ليتوانيا تتكرّر احتجاجات اللاجئين، بسبب العنف وسوء المعاملة، حيث يطالب المحتجزون بالطعام والماء والملابس الدافئة وفرصة للتواصل مع أقاربهم.

وفي بولندا، فإن وضع اللاجئين ليس أفضل، فقد قتلت قوات الأمن البولندية أكثر من 240 مهاجراً حاولوا عبور الحدود من بيلاروسيا، وهذا ما صرّح به إميل شيشكو، الجندي الذي فرّ من بولندا إلى بيلاروسيا. وبحسب شيشكو الذي شارك في البداية، كجزء من قوات الأمن البولندية، في قتل المهاجرين في 8 حزيران 2021 بالقرب من  قرية سيميانوفكا، فإن جثث المهاجرين دُفنت في حفر معدّة في الغابة، مضيفاً أنه كان على علم بأعمال قتل لاجئين أخرى.

وفي السياق نفسه، يعتبر وضع اللاجئين في ليبيا أيضاً من ضمن مجموعة الكوارث الإنسانية، فقد تمّ اعتراض نحو مائة ألف مهاجر ونقلهم إلى ليبيا على مدى السنوات الخمس الماضية منذ أن بدأ الاتحاد الأوروبي العمل مع سلطات طرابلس لمنع الأفارقة من الوصول إلى الشواطئ الأوروبية. وهناك تمّ احتجاز العديد ممن أُعيدوا إلى ليبيا، بمن فيهم النساء والأطفال في مراكز احتجاز يتعرّضون فيها للانتهاكات والتعذيب والابتزاز. كل ذلك، جعل منظمة العفو الدولية التي سجّلت انتهاكات متعددة في مخيمات اللاجئين الليبيين، تدعو الاتحاد الأوروبي لتغيير سياسته المتعلقة بالهجرة تجاه الليبيين.

كما انضمّ أكثر من 170 مواطناً ومنظمة إلى هذه الانتقادات بسب الوضع المروّع هناك، ودعوا الحكومة الإيطالية إلى تمزيق اتفاقها مع ليبيا بشأن مكافحة الهجرة. وجاء في بيان موقّع من قبل نشطاء حقوقيين أوروبيين وليبيين أن النظام الذي تمّ إنشاؤه بدعم مالي وسياسي من الاتحاد الأوروبي، لا يمنع بأي حال من الأحوال انتهاك حقوق المهاجرين في ليبيا. بل يخلق جواً بشكل غير مباشر لمزيد من الممارسات اللا إنسانية، وقد ثبت عدم جدواه في توفير الحماية الفعالة للاجئين الذين يجدون أنفسهم في دولة شمال أفريقيا.

ومع ذلك، على الرغم من تقارير المنظمات الدولية ودعوات المدافعين عن حقوق الإنسان، تواصل إيطاليا والاتحاد الأوروبي بشكل عام، غضّ الطرف عن الجرائم وأوضاع اللاجئين في ليبيا، ووفقاً للأمم المتحدة،  يحُتجز آلاف اللاجئين والمهاجرين في نحو 20 مركز احتجاز رسمي في ليبيا، ويخضع بعضها لسيطرة الجماعات المسلحة، بالإضافة إلى عدد آخر غير معروف من الأشخاص في مراكز غير خاضعة للرقابة تماماً، يديرها فعلياً تجار البشر. وبحسب منظمات حقوق الإنسان الدولية فإن الانتهاكات والجرائم على نطاق واسع، بما في ذلك الضرب والعمل القسري، منتشرة في مثل هذه الأماكن.

جدير بالذكر، أن الغالبية العظمى من اللاجئين في ليبيا هم من إريتريا ونيجيريا والصومال والسودان وغامبيا ودول أفريقية أخرى، حيث تمرّ طرق الهجرة الرئيسية عبر جنوب البلاد، وتخضع جميع الطرق المؤدية إلى الساحل لسيطرة الجماعات المسلحة، ويمكن أن تصل تكلفة العبور إلى 10000 دولار للفرد بحسب جنسيته.

ثمة أدلة كثيرة على تجارة الرقيق، واحتجاز المهاجرين في السجون للحصول على فدية، واستخدام المساعدات الدولية لأغراضهم الخاصة، وكانت هناك تقارير تفيد بأنه تمّ تجنيد أفراد حرس السواحل من قبل المجموعات المشاركة في أعمال اللصوصية والتهريب وتجارة الرقيق، وأن أنشطتها لا تخضع للمراقبة أو التدخل من قبل الاتحاد الأوروبي.

وقد وصف تقرير صادر عن وكالة أمن الحدود الخارجية التابعة للاتحاد الأوروبي تورط العديد من المنظمات غير الربحية في التهريب، الأمر الذي أدى إلى تكثيف الانتقادات المتزايدة لسياسة الهجرة في أوروبا. وقد تمّ تقديم ما لا يقلّ عن ثلاثة طلبات إلى المحكمة الجنائية الدولية للتحقيق مع بعض المسؤولين الليبيين والأوروبيين، وبعض المتاجرين بالبشر، والمسؤولين عن إنفاذ القانون وغيرهم بتهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية.