ثقافةصحيفة البعث

مع وضع الصّداقة جانباً.. ندوة نقدية حوارية حول الأدب السّردي عند حسام الدّين خضّور

ليس من السّهل أن يقدّم أديب قراءةً في أديب مثله ولاسيّما إن كانت تجمعهما علاقة صداقة متينة اجتماعياً ومهنياً، كالتي تجمع كلّا من عبد الله شاهر ونذير جعفر مع حسام الدّين خضّور.. مهمّة بدأت صعبة لكنّها أصبحت أكثر سلاسةً مع بدء النّدوة النّقدية الحوارية التي أقامها اتّحاد الكتّاب العرب حول الأدب السّردي للأديب خضّور.. ندوة استهلّها عبد الله الشّاهر بالتّعبير عن الحزن الذي ألّم به أثناء قراءته للمجموعة القصصية “ليس في الجنّة قبور”، يقول: وكأنّ القاصّ أيقظ فينا جرحاً لم يندمل بعد على الرّغم من أنّه وثّق حالاتٍ من مفردات الحرب، لكن ما الذي أيقظ فيه كلّ هذا النّواح؟ هل هو الوعي أم الألم؟، متابعاً: جاء الغلاف عصيّاً على القراءة الواضحة، وكأنّ الفنان طبّق حرفية الحديث الشربف أنّ في الجنّة “ما لم تراه عينٌ أو سمعته أذنٌ”، لذا أقرّ بأنّني عجزت عن قراءته على الرّغم من ادّعائي امتلاك أرضيةٍ لا بأس فيها بالّلون وأثره في تشكيل الّلوحة، أمّا العنوان فقد بُني على معرفة غيبية وحالة سرمدية أبدية، ويقدّم المجموعة بالتّعريف بالقصّة القصيرة ولا أرى حاجةً لذلك.

بعدها يوضح الشّاهر: المجموعة مؤّلفة من خمس عشرة قصّة على مدى مائة وثمان عشرة صفحة من القطع الوسط صادرة عن الهيئة العامّة السّورية للكتاب، ويتحدّث فيها القاصّ جميعاً عن حالات خلقتها الحرب ومشاهد دمار نفسي واجتماعي وأخلاقي، مثل قصّة “ليس في الجنّة قبور”، و”انتقام”، و”حفرتان”، وقصّة “إسماعيل” الذي ذهب لاستلام تابوت ابنه حسّن ولم يميّز بين التّوابيت وقال: “كلّهم أبنائي”.. واللافت في هذه القصّة أنّها جاءت في ست صفحات وتكرّر فيها اسم إسماعيل أربعاً وعشرين مرّة.. لماذا؟.. تتّسم المجموعة بالخط العام للبناء الفنّي وجملة السّردية الحكائية التي انسحبت على كامل القصص وبالأسلوب نفسه، وكانت جميع القصص أقرب إلى التّوثيقية كما غلب عليها الطّابع الانتقادي لبعض المواقف وتخلو المجموعة من حالات الحبّ بل إّنها انعدمت، أمّا اللغة فبسيطة ومناسبة للحدث القصصي.

بدوره، وقبل البدء بقراءته، صرّح الأديب نذير جعفر بأنّه سينحّي قدر الإمكان علاقته بأخيه حسام، ليتحدّث بموضوعية عن روايته “العودة من الأبدية”، ليبدأ قراءته بالتّنويه بأن الرّواية تنتمي إلى أدب السّجون، السّجن الجنائي والسّجن السّياسي بالوقت ذاته، ومن هنا تأتي فرادتها.. أبدأ بالغلاف الذي يوحي بالعنوان، وبأنّ هناك إنسانا كان في عداد الموتى ويحلم بالعودة إلى الحياة، أمّا العتبة الثّانية – وهي العنوان – فنحن لا نعرف عن أي نوع من الأبدية يتحدث، وهذا أيضاً إغراء للقراءة، وفي العتبة الثّالثة – الإهداء – يقول “إلى أبي في السّماء”، أي الرّواية تتحدث عن الأرض، ونقرأ في العتبة الرّابعة – وهي التّصدير الذي يـأتي في أوّل فصل – فهو خبر ورد في صحيفة محلية عام 1987، عن القبض على مجموعة من الفاسدين، وأنا كنت معاصراً لتلك الفترة، وقرأت ذاك الخبر، ومن هنا تبدأ الرّواية مع صحفي بجريدة يريد معرفة تفاصيل هذه القضية، وهنا غواية أيضاً، وتأتي لاحقاً كلمة الغلاف، وهي – برأيي – مصادرةً لرأي القارئ، أو شكلا من أشكال توجيه مسار القراءة، وفي هذه الرّواية الكاتب نفسه كتبها، وهي مستلة من المتن.

ويضيف جعفر: في الأدب هناك تجربة ذاتية للكاتب وهناك مخيلة. في هذه الرّواية غلب الجانب الواقعي على التّخييل، فقد قسّم برنامجه السّردي إلى أربع أقسام: الأولّ “المحشر”، وهو تصوير لحالة السّجن الأوّل الذي يدخله المتّهمون والثّاني: “المعتقل”، والثّالث: “محكمة الأمن الاقتصادي”، ويحتوي وثائق متعددة، أمّا الفصل الأخير فهو “كولاج التّعاسة”، وهي يوميات عاشها السّجين وقناع ليبثّ تجربته الخاصّة في هذا العمل.. السّجين هو المحور الأساس واسمه جمال، ويروي السّارد بصيغة المتكلّم، وهذه الصيغة توهم بمصداقية ما يحدث، وبصدقية التّجربة وبالمطابقة بين الكاتب وبطل نصّه، وهذه المطابقة لا تصحّ دائماً.. الأقسام جميعاً جاءت بلسان سارد واحد، وتمنّيت لو أنّه نوّع في ضمائر السّرد لأنّ الرّواية تقع في 240 صفحة يسردها شخص واحد.. الرّاوي الوحيد هو مقتل كبير للكاتب في السّرد، ويُشعر القارئ بالملل والرّتابة على الرّغم من التّشويق، فمن يبدأ بها لا يتركها حتّى يعرف نهايتها.

وبالحديث عن الشّخصيات، يقول جعفر: هناك نحو خمسين شخصية، منها اثنتان أساسيتان، هما جمال وسالم الغسّاني، وكلّ شخصية تصلح لأن تكون بطلاً لرواية، إنّه يتحدّث عن تنوّع بشري هائل وانتماءات مختلفة وواضحة بالإيحاء وبما تشي به خطاباتها لو أعطيت الفرصة لها للتّعبير بلسانها عن نفسها وحياتها ومعاناتها وتحوّلاتها خلال سنوات عشر، في هذا المكان المتنوّع بين الانتماء المناطقي للسّجناء والفضاء المركزي، كما أنّ هناك ثغرة في رسم فضاءات مكانية متعددة غير فضاء السّجن وكان هذا ممكناً.

ويشيد جعفر باستثمار اللهجة الدّارجة، يقول: جميل هذا الاستثمار ولديه معجم غني بكلّ مكان يتحدّث عنه، وهذه ميزة للرّوائي لأنّه معنيٌ باللغة التي يتحدّثها النّاس، مضيفاً: نهاية الرّواية مفتوحة، والسّؤال الأخير الذي يُوجّه للبطل هو: ماذا ستفعل حين تخرج من السّجن، يقول: مثل عائد من منفى بعيد سأقبّل الأرض عن حدود السّجن، وأتمرغ على التّراب مثل حمار.. سأطلق زفيراً مثل حوت، وأعبّ نفساً عميقاً من الهواء الحرّ، وأمشي مثل جقلٍ تحت ضوء القمر، وأنام في العراء مثل عصفور، وفي البيت لن أغلق باب غرفتي.. حسام الدّين خضور صاحب مشروع في الرّواية  أكثر منه في القصّة القصيرة.. إنّه هو في كلّ شخصياته، وهو ليس أيّ واحد منها، وهذه ميزة أخرى يتمتّع بها.

نجوى صليبه