ثقافةصحيفة البعث

التصوير الشعبي وتوثيقه للتاريخ والتراث

فارس الفرسان عنترة بن شداد وسفينة نوح ورسومات الرقص الشعبي والأساطير القديمة والأيقونات والحرف التراثية والبيوت، مكوّنات جسّدها التصوير الشعبي، فكانت لوحات التيناوي وبرهان كركوتلي وناجي عبيد والسباعي حاضرة، ضمن سياق المحاضرة التي ألقتها د. نجلاء الخضراء في “النافذة الثقافية” في ضاحية قدسيا عن اللوحات التصويرية في التراث الشعبي.

البطل الفارس 

وقد جمعت فيها بين العصور الأدبية والتراث، فبدأت باستحضار صور الفارس البطل عنترة بن شداد الذي غدا أسطورة في التراث الشعبي تبارى الفنانون برسمه، مستحضرة القصص والحكايات والأمثال التي حفل بها التراث الشعبي، فمن عنترة وعبلة إلى قيس وليلى والزير سالم وحكايات شهرزاد وشهريار وغيرها، فاستلهم الفنان من رموزها ودلالاتها وربطها بما خزنته ذاكرته من خيال وممارسات وعادات وتقاليد وحرف ومهارات وبيوت وسهرات، لينقلها إلى لوحته.

ذاكرة قديمة 

ويخضع التصوير الشعبي لتقاليد متوارثة اعتمدت على التشخيص بصورة خاصة، واستخدام الخطوط والأشكال والرموز والدلالات بالتطرق إلى ذاكرة موغلة بالقدم تختصر تاريخ أمة، من خلال أبطال وشخصيات يعكسون روح الجماعة.

وأشارت الخضراء إلى أن التصوير الشعبي كغيره من الفنون الشعبية مجهول الهوية والتاريخ لأنه ملك الجماعة، وهو فن وظيفي بغية تزيين البيوت والحوانيت، أو العلاج لطرد الأرواح الشريرة وتجنّب الإصابة بالعين، أو دينية للعبادة، وتدور موضوعاته حول السير الشعبية والدين والتاريخ والحرف والحياة اليومية.

ويصعب تحديد تاريخ التصوير الشعبي بدقة لإهمال الرسام الشعبي للتاريخ، فمعظم الأعمال غير مؤرّخة، والرسومات الموجودة قليلة لأنها لم تحفظ في المقابر أو المعابد أو المتاحف، وزال معظمها لأنها لم تصنع من خامات تقاوم عوامل الطبيعة.

التصوير الشعبي في سورية 

ثم انتقلت إلى تاريخ التصوير الشعبي في سورية التي اشتُهرت بالفنّ العربي زخرفة ورقش وخطوط، فظهرت رسوماً تتضمن موضوعات من التاريخ وقصص التراث برموزها وأساطيرها. ومع التعاقب الزمني أصبح الفنان يتمتّع بثقافة متنوعة ويعتمد على العقل في تفسير مظاهر الطبيعة مبتعداً عن المعتقدات والعادات القديمة التي قامت على أساسها الفنون الشعبية.

وتصل المحاضرة إلى نهاية القرن التاسع عشر والتأثر بالفنون الغربية التي غزت البلاد العربية بما فيها سورية، إذ أدخلت بعض الأسس الأكاديمية على اللوحة فاهتمّ الفنان السوري بهذه الأسس التي عبّرت عن فن مدروس وابتعد عن الفن الشعبي الموروث البعيد عن قواعد العمق والمنظور، ووجد في الألواح والجدران والخشب والزجاج خامات لاستخدامها واستخرج من الطبيعة مواد لتثبيت الألوان. وفي العصر الحديث استخدم الفنانون الألوان الزيتية والطلاء النافر واللون الأبيض والفضي والذهبي بشكل خاص كونه أحد عناصر فن الزخرفة، فدخل التذهيب إلى انحناءات وانعطافات خطوطهم وأشكالهم.

مراحل انتشاره 

ثم توقفت عند مراحل انتشار هذا الفن ابتداء من الرسم على الجدران بحفر الخطوط الرئيسية على الجدار ليساعد على تثبيت اللون بين الأحجار مدة طويلة، ولم يكن الهدف منها تزيين البيوت، وإنما الحماية من العين والتبريكات ولاسيما من خلال الكتابات الإسلامية من القرآن الكريم والأحاديث الشريفة.

التصوير على الزجاج 

كما انتشر التصوير على الزجاج الذي اشتهرت به سورية بشكل خاص في مدينتي حلب ودمشق، والتصوير على الخشب الذي عُرف في عهد المماليك واستمر في المهن الشعبية التي أصبحت من التراث والمزدانة بالأشكال الهندسية والرموز والزخارف النباتية والكتابية مثل صندوق العروس ومحمل الحج وزينات المنزل. ومع بداية هذا القرن انتشر التصوير على الورق وغدت تتشابه الرسومات المطبوعة على مستوى البلاد العربية مع فارق بسيط بالتشكيل والتلوين وتناولت الموضوعات الدينية المقدسة وغيرها.

مصادر منوعة 

أما عن مصادر الثقافة الشعبية فاستمدت من القرآن الكريم والأحاديث الشريفة والأدب الشعبي، وتضمن الشعر الشعبي والغناء والأمثال والنوادر والقصص والحكايات الشعبية والأساطير، والأعمال التي قدمها التيناوي وبرهان كركوتلي والسباعي حملت هذا الفن، كما كان للحكواتي دور في تناقل القصص الشعبية. لتخلص الخضراء إلى أن الفنان الشعبي صوّر الكثير من الطقوس الصوفية ورحلات الحج وأيقونات من الدين المسيحي.

كتابات 

وعلّقت على بعض العبارات التي ترتبط برسومات الفرسان والأساطير كما كتب على لوحات عنترة بن شداد (أبو الفوارس) والأسماء التي تدلّ على الشخصيات مثل أبو زيد الهلالي والظاهر بيبرس وهارون الرشيد، إضافة إلى كتابات عن الحروب الصليبية.

الفضاء المسرحي 

الأمر الملفت ارتباط هذا الفن بعصرنا الحالي بتصوير الممارسات اليومية والحرف الشعبية، فنقل صورة عن الشارع والحارات والمنازل يوثق فيها الزخرفيات والأرضيات والموزاييك والخزف والأقواس والأحجار والأعمدة والتيجان والأواني وأعمال المرأة في المنزل بزيها الشعبي، وصور الكتّاب والشيخ والباعة المتجولين والمهن وتطرق إلى الطقوس الاجتماعية.

ويتميّز الفن الشعبي بعدم التقيّد بقواعد المنظور وعلم التشريح، ويعتمد على الحركات الاستعراضية  فتبدو اللوحة أقرب للفضاء المسرحي.

ملده شويكاني