ثقافةصحيفة البعث

“نيسان” من وهران إلى حمص فدمشق

حرصت دار الغانم للثقافة على تعريف جمهور دمشق بالتجربة الروائية الثانية للكاتبة أوجيني رزق، والتي حملت عنوان “نيسان”، من خلال حفل توقيع أقامته مؤخراً في المركز الثقافي العربي (أبو رمانة)، مع ندوة تعريفية عُقدت قبله بإدارة الشاعر غانم أبو حمود ومشاركة أيمن الحسن ورياض طبرة، وسبق لرزق أن وقّعت الرواية في مدينتها حمص، مبيّنة في مداخلة لها أن الكتابة ليست أمراً عادياً، وهي حيوات يعيشها الروائي بتفاصيلها، وقد يتجسّد فيها دون أن يشعر بذلك، مشيرة إلى أن “نيسان” هي روايتها الثانية بعد “شوارع الياسمين” وقد بدأت بها في وهران وانتهت منها في أحضان مدينتها حمص، وأن الرواية لا تخلو من جملة متناقضات كالفشل والانتصار والحزن والمرح، فالبطلة جوليا تخوض حربها الخاصة عن السعادة الحقيقيّة، موضحة أن ما دفعها إلى كتابة هذا العمل الروائي هو شعورها وإيمانها بأن المرأة تحتاج إلى الحب والحنان والاهتمام، ورغبة منها في مناقشة شؤون المرأة في حياتها الاجتماعية وفي العمل وكيف تخرج من أزماتها قبل البحث عن الذات، مشيرة إلى أنها اتبعت لغة سرد واقعية ومكانية من خلال تعدّد الأماكن والتواريخ.

وأوضحت رزق في تصريح لـ “البعث” أن الروائي لا يكتب رواية لمجرد أنه يرغب بذلك، بل لإثارة الأسئلة أمام القارئ حول مجموعة من الأفكار التي يريد إيصالها إليه، مؤكدة أنها انتُقدت لتناولها طبقة من المجتمع، وهذا ليس عيباً بالنسبة لها لأنها تتحدث عن بيئة تعرفها جيداً، ولقناعتها أنها مهما حاولت أن تتحدث عن بيئة لا تعرفها سيغيب عنها الكثير من التفاصيل وستخلو كتابتها من الصدق إن حاولت، منوهة بأنها ذهبت إلى الرواية بالمصادفة، فهي مدرّسة لغة فرنسية ومترجمة، وكان لديها عمل استهلك كلّ وقتها وقد توفر بعد أن ذهبت إلى الجزائر حيث يعمل زوجها، وبسبب وباء كورونا بقيت فيها فترة طويلة قضتها بالكتابة، مشيرة إلى أن روايتها الأولى “شوارع الياسمين” حملت كل معالم التجربة الأولى، إذ تناولت قضايا قريبة من مجتمعنا وواقعنا البسيط، في حين انتقلت إلى خطوة متقدمة في “نيسان” على صعيد الشكل والمضمون، منوهة بأنها وإن ابتعدت في كلتا الروايتين عن الغوص في أجواء الحرب التي عاشتها بشكل شخصي، رافضة أن تعيد أحداثها على الورق لأنها كانت بشعة للغاية، إلا أنها تركت ظلالها على “نيسان”.

غاب الفقر وحضرت الهجرة

وأوضح رياض طبرة في مشاركته أن الرواية تنطلق من دمشق وتعودُ إليها منجزةً على نحوٍ ماتعٍ عذابات امرأة من طبقة ميسورة وتعود بعدما تتوسّع جغرافيّة الرواية لتصل إلى أميركا بعد ألمانيا ثم تتوجّه إلى الصين، فبطلة الرواية من حي أبو رمّانة الدمشقي، وهذا يدلّ – برأيه – على انتماء البطلة إلى طبقة معينة من المجتمع وكذلك معظم شخوص الرواية، وهي الطبقة التي شتّتتها الحرب ونثرتها على بقاع الأرض، ورأى أن عنوان الرواية يشي بالكثير مما تحمله نفوسنا عن نيسان الربيع والهواء الطلق وتفتّح الأزهار، وقد نجحتْ الكاتبة في اختيارها لإعلان ولادة حياة البطلة جوليا البعيدة عن الكثير من تقاليد الولادات، مشيراً إلى رومانسية الرواية التي نفتقدها في الأدب المعاصر بعد أن غدونا مهمومين بتوفير أبسط مقومات الاستمرار، فبتنا متفرّجين على الحدث لا فاعلين فيه، في حين تناولت الكاتبة الحرب بشكل خلفي للأحداث لأنها كانت معنية أكثر بمصائر شخصياتها التي كانت من لحم ودم، حيث في الرواية أكثر من قصة ولكن يبقى الغائب فيها هو الفقر لتتسيّد الهجرة الموضوع الأساس وهو أكثر أنواع الفقر جرحاً للقلب.

كاتبة غير تقليدية

في بداية مداخلته أثنى أيمن الحسن على جهود دار الغانم في الترويج للرواية في حمص بداية، ومن ثم في دمشق، ورأى أن هذا ما يجب أن يقوم به القائمون على إنتاج الكتاب بهدف إشهاره أمام القراء والتعريف به، متوقفاً بدايةً عند عنوان الرواية المستوحى من نيسان الربيع الذي عطّر الرواية من بدايتها حتى نهايتها، مقتطفاً منها ما جاء على لسان رزق عن هذا الشهر:”نيسان لا يترك أثراً للصقيع، ولابد أن يذيب الثلوج المتراكمة في المشاعر ليفيض في الروح ما يليق بالحب”.

وبحديث الحسن عن مقدمة الرواية وبدايتها وطريقة رزق في الخوض في تفاصيل روايتها، أشار إلى اللعب الجميل الذي قامت به رزق ويشي بكاتبة غير تقليدية، تلعب لعبتها الفنية بطريقة تجعلنا نندهش من خلال تنويعها في أسلوب كتابتها، فتارة تتحدث بضمير الغائب “هي”، ولكن عندما يأتي حديثها عن الحب تتحدث بضمير المتكلم “أنا”، وهذا برأي الحسن عكس ما نراه عند كاتباتنا اللواتي يلجأن إلى ضمير الغائب عندما يكون الحديث عن الحب، في حين أن رزق اتخذت موقفاً رآه الحسن أقرب إلى الإنسانية الصريحة: “عندما أحبّ أجد ذاتي لأن الحب هو تحقيق الذات”، في دلالة مهمة تعبّر عن جرأة الكاتبة التي يُحسب لها أيضاً أنها تنقلت في الرواية ما بين دمشق والعقبة وإربد وألمانيا وأميركا والهند والصين، بؤرتها قصة حب جوليا لخالد التي تفرعت عنها حكايات وشخصيات، وختم الحسن كلامه مبيناً أنه قرأ الرواية مرات عدة سابقاً، وقبل أيّام أعاد قراءتها بمتعة وشغف، وفي القراءة الأخيرة خاض عالمها الواسع، فبدت بالنسبة له وكأنها ملحمة حوادث وشخصيات وأماكن وأزمنة متعدّدة.

خطوة جريئة 

وعبّر الشاعر غانم أبو حمود عن سعادته بتبني دار غانم التجربة الثانية لرزق، وهي التي تبنّت روايتها الأولى “شوارع الياسمين”، حيث كانت منذ هذه التجربة تبشّر ببزوغ كاتبة مهمة برأيه، خاصة وأنها مدرّسة أدب فرنسي ولديها تجربة تربوية جميلة، وهي إنسانة مثقفة، وهذا مهمّ برأيه لأن الكاتب المثقف يعرف ماذا يريد أن يقول وكيف، مع الأخذ بعين الاعتبار أن الكاتب يجب أن يكتب ما يقرأ، موضحاً أنه شجّع رزق لأنه كان عندها تخوّف وقلق إبداعي، وكان من الضروري تقديمها للمكتبة السورية والعربية، منوهاً بأن دار الغانم للثقافة تأسّست في صافيتا بهدف استيعاب المواهب الجديدة والجريئة، وكانت خطوة جريئة في هذه المرحلة الصعبة، وأن الدار كان لديها نشاط واسع خلال هذه السنوات بهدف إيصال الكتاب في صافيتا إلى الجميع.

أمينة عباس