مجلة البعث الأسبوعية

أكاذيب وخداع وحروب…. الأمريكيون يفقدون الثقة بساستهم تحت وطأة الضغط.. الكونغرس إلى اللون الأحمر وأهداف بايدن على جهاز الانعاش

البعث الاسبوعية-هيفاء علي

يرفض الأمريكيون ووسائل الإعلام السائدة تصديق مزاعم ادارتهم بشأن غزو روسيا لأوكرانيا، ويطالبون البيت الأبيض بتقديم الإثبات على ذلك، ما يعني فقدان الثقة بها وبساستهم جميعاً.

وبحسب المحللين الأمريكيين، تعود أزمة الثقة وتشوه سمعة الولايات المتحدة إلى الأكاذيب والخداع والأخطاء التي ترتكبها، والحروب التي تشنها على مدى عقود طويلة تحت الغطاء الانساني، وبذريعة ” نشر الديمقراطية”، فضلاً عن الصعوبات التي تواجهها السلطات الأمريكية في العمل مع وكالات المخابرات. ووفقاً لوكالة “أسوشيتيد برس”، فإن الصحفيين الأمريكيين ليسوا مستعدين لتحمل كلام وكذب واشنطن عندما يتعلق الأمر بالشؤون العسكرية والاستخباراتية، وهذا ما تجلى عندما يتعلق الأمر بالبيانات المتعلقة بتحضير روسيا المزعوم لمقطع فيديو يظهر انفجارات وجثث مزيفة، تزعم السلطات الأمريكية إن هذه هي الطريقة التي تريد بها موسكو إيجاد ذريعة لغزو أوكرانيا. ولكن عندما سأل الصحفيون عن أدلة لدعم هذا الادعاء، ردت واشنطن بالقول: “عليكم أن تثقوا بنا في هذا الامر”. وبحسب وكالة الانباء، فقد أدى افتقار الادارات الامريكية المتعاقبة إلى الشفافية إلى إجهاد مخازن واشنطن المستنفدة بالفعل من المصداقية، وهو مورد مهم تضاءل على مدى عقود طويلة بسبب حالات الأكاذيب والخداع والأخطاء. ونتيجة لذلك، كانت هناك تفاعلات مريرة مع المتحدثة باسم البيت البيض “جين باسكي” والمتحدث باسم وزارة الخارجية “نيد برايس” نتيجة العلاقات التصادمية بين الحكومة والصحافة.  فعندما تحدثت جين باسكي أثناء وجودها على متن طائرة الرئاسة وهي في طريقها إلى نيويورك، عن الغارة الأمريكية التي استهدفت مخبأ زعيم تنظيم “داعش” المدعو أبو إبراهيم الهاشمي القريشي في سورية، والتي انتهت بمقتله، علقت صحفية، من محطة “إن بي آر” بالقول: “إنه لم يعد الأمريكيون يصدقون روايات الادارة الامريكية، فالثقة بها مفقودة تماماً”.

الأمريكيون يفقدون الثقة

حقيقة، فقد الأمريكيون ثقتهم بساستهم منذ حرب فيتنام وفضيحة ووترغيت، ورغم أن هؤلاء الساسة وعدوا باستعادة الثقة، إلا أنهم لم يفلحوا. فقد تلطخت صورة بيل كلينتون بعدما كذب بشأن علاقته مع المتدربة في البيت الأبيض مونيكا لوينسكي. وبالتأكيد لم ينس الأمريكيون ولا أي أحد في العالم زجاجة وزير الخارجية كولن باول التي حملها معه الى مجلس الأمن زاعماً وقتها أنها تحوي دليل على امتلاك العراق أسلحة دمار شامل، الذريعة التي استخدمها جورج دبليو بوش عقب هجمات الحادي عشر من أيلول، لتدشين” حربه العالمية على الارهاب” بغزو العراق، حينها رفع كولن باول زجاجته الشهيرة لإظهار كمية أسلحة الدمار الشامل العراقية اللازمة لقتل الآلاف كدليل على شرعية غزو العراق. ولكن بعد عشرة أعوام من غزو العراق وتدميره ثبت بطلان تلك الذريعة، ولم يتم العثور على أي شيء له علاقة بوجود أسلحة دمار شامل.

الخدعة في سورية

يعلم القاصي والداني الضلوع الأمريكي في الحرب الكونية الشرسة على سورية، من خلال دعم واستقطاب المرتزقة الارهابيين من كل أصقاع الأرض وتدريبهم وتسليحهم، لتدمير الدولة السورية. في نيسان 2018، اتهمت منظمة ما تسمى “الخوذ البيضاء”، الممولة من الولايات المتحدة وبريطانيا، الدولة السورية باستخدام أسلحة كيماوية في مدينة دوما السورية. وبعد أسبوع، ودون انتظار استنتاجات منظمة حظر الأسلحة الكيميائية، شنت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا، هجوماً على المناطق والمنشئات الحكومية.  ولكن، كما اثبتت الأدلة التي قدمتها روسيا إلى الأمم المتحدة، فإن جثث الضحايا الذين قُتلوا نتيجة استخدام الحكومة السورية المزعوم للأسلحة الكيميائية كانت في الواقع جثث أشخاص لقوا حتفهم على أيدي الجماعات الإرهابية، وأن الهجوم الكيميائي المزعوم كان خدعة كبيرة لتبرير العدوان. بالإضافة الى ذلك، أدخلت قواتها بطريقة غير شرعية وغير قانونية واحتلت مناطق في شمال سورية حيث توجد آبار النفط، لتقوم يومياً بسرقة النفط السوري وإرساله الى العراق على مرأى العالم أجمع.

الفشل في أفغانستان

في آب 2021، شن سلاح الجو الأمريكي، بناءً على معلومات استخبارية غارة بطائرة بدون طيار على سيارة محملة بالمتفجرات ربما استخدمها مقاتلو “داعش” في خراسان. أسفرت الغارة عن مقتل زيماري أحمدي، وهو مدني أفغاني كان يعمل مهندساً في منظمة التغذية والتعليم الدولية، وهي منظمة إنسانية مقرها الولايات المتحدة. بينما أشارت مفوضة الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان، ميشيل باشليت، في وقت لاحق الى أن ما يقرب من عشرة مدنيين قتلوا في ذلك الهجوم، بينهم سبعة أطفال. وتجدر الإشارة أيضاً إلى أن المخابرات الأمريكية أساءت تقدير القدرات الهجومية لحركة لطالبان، مما أدى إلى فرار الأمريكيين وحلفائهم من كابول بعد سيطرة طالبان عليها، وسرعان ما تناقلت وسائل الاعلام في كافة أنحاء العالم صور الفوضى والذعر في مطار كابول أثناء الانسحاب الاأريكي الذليل.

بايدن لا يفي بوعوده

بعد رحيل ترامب، وعد العجوز بايدن باستعادة ثقة الأمريكيين في تصريحات البيت الأبيض، لكن بعد عام من توليه منصبه، لم يرتفع مستوى الثقة وكانت نقطة التحول هي تصريح جين باسكي بأن السلطات الأمريكية غيرت رأيها بشأن وصف الغزو الروسي الوشيك لأوكرانيا بأنه “حتمي”. ولدعم اتهاماتها لروسيا، لم تغير واشنطن تكتيكاتها، بل زادت التوتر ونشرت تقارير تفيد بأن روسيا تصنع فيديو مزيفاً حول أوكرانيا، وفقاً لمعلومات استخباراتية لدعم الاتهامات التي لا أساس لها، ولكن هذه المعلومات ليست موثوقة لجهة أن وزارة الخارجية تواجه بعض التحديات عند العمل مع وكالات الاستخبارات. وأحياناً لا تستطيع السلطات الأمريكية تأكيد مزاعم الاستخبارات، لأنه سيتعين عليها حينها الكشف عن مصدر المعلومات ومدى عمل أجهزة المخابرات الأمريكية.

ينطبق هذا الأمر على ما جرى في 14 نيسان 2018، عندما شنت الولايات المتحدة هجوماً استهدف أحياء مختلفة في العاصمة السورية دمشق بصواريخ أرض-جو بناء على معلومات كاذبة وصور مفبركة. فغالباً ما يفشل الذكاء نفسه عند تحليل موثوقية المعلومات، على سبيل المثال، لم تكن المخابرات الأمريكية قادرة على التنبؤ بسرعة تقدم طالبان أثناء تواجدهم على الأرض في أفغانستان. ونفس الشيء يمكن قوله عن الضربات الصاروخية الأمريكية على سورية في نيسان 2018. ففي بعض الأحيان، تقدم المخابرات الأمريكية عمداً إلى وزارة الخارجية معلومات مغلوطة أو لم يتم التحقق منها، والمعركة الطويلة الأمد بين المخابرات الأمريكية ووزارة الخارجية لم تختف بعد. وكلاهما يضم مجموعات موجهة نحو خفض التصعيد في عدد من مجالات السياسة الخارجية وخلق توتر، وهذا الأمر له تأثير على مصداقية المعلومات المقدمة.

البيت الأبيض يجتذب وسائل الإعلام الموالية

الانتقاد الكبير من قبل وكالة “أسوشييتد برس” وعدد من وسائل الإعلام الأخرى ضد البيت الأبيض ووزارة الخارجية غير مسبوق تقريباً، لكنه لم يحث  المسؤولين الأمريكيين  على تغيير مبادئ سياستهم،  ولم تهدر واشنطن الكثير من الوقت في التفكير في هذه الاحتجاجات. بل سوف تستمر في نشر الأخبار المزيفة، ولكن من خلال منافذ إخبارية مخلصة مثل” السي إن إن” على الرغم من أنه قد يكون هناك عدد أقل من الاتهامات التي لم يتم التحقق منها. وسبب الانخفاض في مستوى المعلومات هو انخفاض مقاعد البدلاء للإدارة الحالية ونوعية الموظفين، حيث يتألف فريق بايدن إلى حد كبير من رجال دين مهنيين، وليس لأي منهم خلفية في السياسة الخارجية. فمن الواضح أنه لم يعد هناك أحد مثل كيسنجر أو رايس في الولايات المتحدة.  عندما يتعلق الأمر بالفشل الاستخباري، غالباً ما تأخذ السلطات الأمريكية معلومات استخباراتية خام يمكن تشكيلها لتناسب أي أجندة واستخدامها لصالحها في الوقت الذي تراه مناسبا.

عند اتهام روسيا بإنشاء مقاطع فيديو مزيفة عن أوكرانيا، من المحتمل أن يكون المسؤولون الأمريكيون قد أخذوا واحدة من عشرات التوقعات حول كيفية تطور الوضع تلك التي من شأنها أن تحصد أكبر قدر من الضجيج، وربما يكون لها صدى أكبر لدى الرأي العام الأمريكي والعالمي.  سلوك وسائل الإعلام نفسها، الذي بدأ يظهر الحكومة الأمريكية في ضوئها الحقيقي، يغذيه تراجع ثقة الأمريكيين العاديين. ووفقاً لأحدث استطلاع للرأي، فإن 15-20٪ فقط من الأمريكيين يثقون بالكونغرس و20-25٪ يثقون بوسائل الإعلام. وبالطبع، لوسائل الإعلام أيضاً مصلحة في إعادة ترسيخ نفسها كأساس للمعلومات التي كانت عليها قبل خمسين عاماً.

الديمقراطيون يتخلون عن بايدن

من جهة أخرى، يعارض الحكام الديمقراطيون العجوز بايدن وبدؤوا يرفعون القيود المتعلقة بفيروس كورونا وفقاً لاستطلاع أجرته “جامعة مونماوث” مؤخراً، يشير الى أن 70 ٪ من الأمريكيين يقولون إن الوقت قد حان لتخرج البلاد من الوباء، فيما يؤيد عدد متضائل من الأمريكيين القيود والاجراءات، وعليه يبدو أن حركة “طي الصفحة” بشأن الوباء قد تسارعت في الأيام الأخيرة، خاصة بعد الدراسة الجديدة من “جامعة جونز هوبكنز” التي زعمت أن إجراءات الاحتواء لعام 2020 لم تحقق أي نتيجة لتقليل معدل الوفيات المرتبط بفيروس كورونا. ومع ذلك، يواصل بايدن اتباع التوصيات الصادرة عن مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها والتي لا تزال توصي بارتداء القناع الشامل في الداخل وفي المدارس. ووفقاً لبيانات مراكز مكافحة الأمراض والوقاية منها فإن 99.5 ٪ من جميع المقاطعات الأمريكية تعتبر حالياً مناطق انتقال عالية وكبيرة، ومع ذلك يوجه المشرعون الديمقراطيون رسالة إلى الرئيس بايدن مفادها أن الوقت قد حان لتقوم ادارته بإنهاء القيود الوبائية.

 الانتخابات النصفية” قاتلة للديمقراطيين

منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، كان حزب الرئيس يخسر قوته في الكونغرس بشكل شبه دائم خلال “الفترات النصفية”. في هذا السياق، أظهر استطلاع للرأي أجرته “مؤسسة غالوب” أن المكانة العامة لحزب الرئيس جو بايدن قد تراجعت بسرعة خلال العام الماضي. بعد دخوله البيت الأبيض في 20 كانون الثاني 2021، أصبح بايدن، بعد عام، أكثر رؤساء الولايات المتحدة الذين تراجعت شعبيتهم حيث تشير النتائج من فرجينيا ونيوجيرسي في تشرين الثاني الماضي إلى أن موجة حمراء قد تضرب ديمقراطيي بايدن في عام 2022. ويبدو أن الغضب هو محفز قوي في السياسة، وبالتالي فإن أولئك الذين يعارضون الحزب الحاكم يميلون إلى أن يكونوا أكثر حماساً للتقدم والتعبير عن إحباطهم من الوضع الراهن.  وعليه، فإن الإدارة الفوضوية لبايدن بالقيود والالتزامات، جنباً إلى جنب مع الأكاذيب، ستجعل انتخابات التجديد النصفي له بمثابة استفتاء حقيقي على رئاسته في السلطة. وكما فهم الديموقراطيون، هم الذين يشغلون حالياً أغلبية ضئيلة فقط من 10 مقاعد في مجلس الشيوخ. وفي مجلس الشيوخ، يكون الأمر أكثر إحكاماً، حيث يتساوى الديموقراطيون والجمهوريون في 50 مقعداً لكل منهما، ويمكن لنائبة الرئيس كامالا هاريس كسر التعادل لمنح الديمقراطيين الأغلبية.

إذا كان عام 2021 هو عام اللقاح، فإن عام 2022 يتشكل بالفعل ليكون العام الذي يطالب فيه الناخبون الولايات المتحدة بالمضي قدماً، بالإضافة إلى ذلك، تجري العديد من انتخابات حكام الولايات هذا العام في الولايات التي تعتبر حاسمة لاستعادة البيت الأبيض في عام 2024، بما في ذلك ولايات ميشيغان وويسكونسن وبنسلفانيا ومينيسوتا وجورجيا ونيفادا.  إذا تحول الكونغرس إلى اللون الأحمر، فسيتم وضع أهداف بايدن التشريعية المتبقية على جهاز الانعاش، ومع سقوط إدارة بايدن بحرية واستمرار شعبية ترامب، فإن الانتخابات النصفية هذه ستكون متفجرة وصحوة “السياسي” المحسوبة للديمقراطيين والتي تبدو أشبه بقتال لتجميل الصورة وليس من أجل قناعة عميقة.