مجلة البعث الأسبوعية

تجربة اللاعب المغترب ضرورة حتمية للتطور وفق ضوابط منطقية

البعث الأسبوعية-سامر الخيّر

تحولت الرياضة خلال العقدين الأخيرين من وصفها موهبة وشغف ورسالة إلى صناعة تدرّ الأرباح ووسيلة لتلميع صورة البلدان، حتى بات حصد الميداليات وتحقيق الإنجازات هو الغاية مهما كلّفت، وهذا الحديث يطال كل دول العالم، فابتكروا وسائل كثيرةً لتمهيد طرق رياضاتها نحو منصات التتويج، وليست تجربة اللاعب المغترب أولها ولا أخرها، فقد اعتمدت الدول على رعاياها المغتربين للوصول لغاياتها ورفع سوية منتخباتها، وفي منطقتنا العربية تعتبر تجرية اللاعب المغترب حديثةً وتسبب الانقسام والجدل الكثير حول مدى نجاعتها والجدوى من تكلّف عناء متابعة الرياضيين في الخارج واستقدامهم ودمجهم مع زملائهم.

والقضية هنا تخضع لعدّة اعتبارات يجادل فيها المنتقدون والمناصرون، حيث يجمع الكل على أن أهم الاختلافات بين اللاعب المغترب والمحلّي هي في الحياة الاجتماعية والثقافية، فالدول العربية تلعب فيها الحياة الاجتماعية دورا كبيرا في حياة اللاعبين، والمقصود فيها العلاقات مع الآخرين والبيئة المحيطة وحتى نمط التدريب والتغذية ، ويضاف لذلك وسائل الترفيه التي تعد كثيرة في دولنا العربية عكس الدول الغربية، التي تستند بشكل أكبر على نظام يومي عملي، تنتهي فيه الحياة الاجتماعية عند حلول المساء.

وفيما يخصّ الجانب الثقافي العديد من المحترفين يخرجون لأوروبا وهم لم يكملوا تعليمهم، فتكون عليهم الاختلافات الثقافية صعبة التقبل، ما ينعكس على عطائهم في الخارج، ولتوضيح ذلك نأخذ لاعبي كرة القدم كمثال ففي عالمنا العربي، يتأسس اللاعب على اللعب الفردي أي أن يكون لامعاً ومهارياً ما ينعكس على مسيرته، لأن النجاح الكروي يكون مرتبط بالمهارات الفردية، أما في الدول الأوروبية يربطون النجاح الكروي بالجماعية والخطط التكتيكية الصحيحة، فيحصل اللاعب على الإشادة إذا ما أتقن الجماعية، وليس الفردية، والعكس صحيح، فالمشاكل الإدارية المتكررة للمنتخبات العربية، قد تكون عاملاً منفراً للاعبين المغتربين، الذين تعودوا على نظام سلس إدارياً، كما أن المنتخبات العربية لا تتعامل بشكل صحيح مع العوامل النفسية ولا تعترف بالمشاكل النفسية في كرة القدم،  كمشاكل الاندماج والتقبل من زملائه، هذا من جهة ومن جهة أخرى، تعود اللاعب المغترب على أسلوب اللعب الجماعي يجعله يقع في مأزق كبير عند لعبه في منتخب بلاده الذي يفضل الفرديّة، وهذه النقطة بالذات سبب ما وصل إليه منتخبنا مثلا، فالكل يعرف مستوى وتألق لاعبينا في فرقهم والحديث هنا عن المحترفين والمغتربين، لكن فشلهم في تقديم مستوى يليق بأسمائهم على الأقل.

وإذا أردنا أن نضرب أمثلةً واقعية حول التجارب العربية، نجد تجربة المنتخب الجزائري تتصدر المشهد، حيث استخدم مدربه المتألق جمال بلماضي، توليفة ممتزجة بين لاعبين محليين ومغتربين، لتمثيل محاربي الصحراء في البطولات الأخيرة التي شاركوا فيها، فبالرغم من تواجد النجوم المغتربين، مثل رياض محرز وسفيان فيغولي، إلا أن بلماضي قرر كذلك الاعتماد على اللاعبين الذين نشأوا في الجزائر، وأبرزهم بغداد بونجاح ويوسف بلايلي، وهذه التجربة قلّدت في المغرب والعراق ولبنان بدرجات متفاوتة إيماناً من هذه البلدان بأن هذه هي الطريقة الأفضل لنقل العقلية المتقدمة في كرة القدم للعالم العربي.

والحقيقة إن الحديث لا يمس المغتربين من اللاعبين، بل يصل أيضاً الى المحترفين أحياناً وقد شهدنا دعوات متكرّرة باعتماد اللاعب المحلي فقط في نظرة  قديمة جداً لا تواكب ما نحن فيه الآن لأن التشكيلة تلعب برمّتها ولمن يستحق التمثيل فعلاً أياً كان مكانه مع الاعتراف بأن اللاعب الذي ينتظم في دوريات عالمية كبيرة هو الأفضل في الإعداد والخبرة بالتأكيد لأسباب معروفة وتخضع للمقارنة.

والجدال تجاوز طبعاً كرة القدم ليصل إلى بقية الألعاب الفردية والجماعية أيضاً طالما كان من يمثل البلد هو من أصوله المعروفة، وكما هناك أبطال ملاكمة وربّاعين مثّلوا منتخبات فنلندا والولايات المتحدة، ومصارعين في فرنسا والسويد وسويسرا نعرفهم بأسمائهم وانجازاتهم، وسبّاحين، وأبطال ألعاب قوى في استراليا وكندا، هناك أبطال تسعى الاتحادات العربية لضمهم إلى منتخباتها من أجل تحقيق المزيد من الإنجازات، ولنا تجربة يمكن أن تكون أفضل بمراحل من تجربتنا مع كرة القدم، في عدّة رياضات، كالمصارعة والترياثلون وكرة المضرب والرماية، والمضحك أن ما دعانا إلى الاعتماد على رياضيينا المغتربين ليس الاقتداء بالتجارب الناجحة في الدول الشقيقة أو الغربية، وإنما الظروف التي مررنا بها في السنوات العشر الماضية والتي دعت إلى إيجاد حلول جديدة تكفل لنا المشاركة في البطولات الدولية، وهنا أوجدنا حلّاً لمعوقين أساسيين، الأول سهولة السفر باعتبارهم متواجدين خارج البلاد والثاني والذي لا يقلّ أهميةً جاهزية اللاعبين ومثابرتهم على التمرين وتطوير مستواهم على عكس ما كان يحصل محلياً مع لاعبينا الذين عانوا من تقطع التمرين ونقص حاد في التجهيزات نتيجة الأوضاع التي سادت حينها، ونحن نعي أن أي تجربة مهما كانت ناجحة لها جانب سلبي، وتجربتنا مقارنةً بغيرنا تعدّ يافعة لكن يعوّل عليها الكثير وفقاً لخطط الاتحادات طبعاً دون المس بمعنويات لاعبينا المحليين أو تقليص الاهتمام بمواهبنا المميزة، ليكون لدينا في المستقبل القريب منتخبات متلاحمة بين خبرة اللاعب المغترب أو المجنس واندفاع اللاعب المحلي.

والمثير للسخرية أنه في الوقت الذي ينشغل فيه شارعنا الرياضي بقضية لاعبينا المغتربين، نجد أن دول العالم من حولنا استهلكت هذه التجربة ووصلت عصر التجنيس والبحث عن المواهب، وليس مجرد انتظار أبناء البلد الأصلاء المهاجرين، فالساحة الرياضيّة الآن لمن يجتهد ويبدع ويقدّم أكثر للمنتخب.