مجلة البعث الأسبوعية

تشويه الذائقة الطفلية

البعث الأسبوعية- رامز حاج حسين

كيف ينظر أهل الاختصاص والعاملين في مجال الثقافة الطفولية إلى ما يقدم عبر الشاشات ووسائط التقانات الحديثة لأبنائنا الصغار؟

كنا سابقاً ولوقت قريب نقول إن هناك الكثير من محاولات دسّ السم في العسل، على مدار الأيام قائمة وبشكل مضطرد داخل ما يقدم لأطفالنا من كتب ومجلات وبرامج متلفزة، أما اليوم فأننا بتنا نلحظ والكثيرين من أهل الاختصاص أن دس السم بات أمراً من الماضي، فاليوم أقل ما يقال أن هناك مطابخ ومصانع مختصة بصناعة جرعات كاملة من السم كلمة وليس مجرد قطرات متوارية وراء طعم العسل المقدم لأطفالنا.

بعض القنوات الكارتونية باتت تقدم وجبات مكثفة من فن العنف، تقطيع الأوصال اجتثاث رقاب وفقؤ أعين وكل ذلك بقالب يغلفه الضحك والتندر وكأن الأمر من المسلمات البديهية.

علم النفس الخاص بالفنون والمرافق لنقد أدب الطفل ومراميه وإسقاطاته كان يقول دائماً بأن كل صورة مجسدة بشكل بصري أمام الطفل هي لبنة تتموضع عميقاً في وجدانه ويبقى أثرها لفترات طويلة قد تنسى لو أنها مرت بشكل عابر ولكن الإصرار والإلحاح على تكرارها يعني أن هناك عملاً ممنهجاً لجعلها تبقى طويلاً وطويلاً جداً –وربما ليتم استثمارها لاحقاً في أفعال مادية يقوم بها اليافع بعد أن يشب عن الطوق-

في محيطنا نسب الظروف والتربية وما آلت إليه حال الجيل اليافع الذي ينتمي لبيوتنا وحوارينا ومدننا السورية، والسؤال الأهم هو كيف ترك هؤلاء اليافعين في فترة النمو والفطرة السليمة لينشؤوا على التفلت من مقومات المجتمع وأخلاقياته النبيلة.

الجواب هو أن هناك ترهل وضعف في التثقيف والتربية المقدمة لهم، ضعف يصل لحد الوهن، فمنذ عشرة أعوام لم ينتج لطفلنا السوري أي برنامج توعوي أو مسلسل ينتمي لبيئتنا ويشعر الطفل بأنه يعنيه ويستهدفه.

ترك أطفالنا لقنوات خارجية لتصب في وجدانه ومخيلته كل هذا السواد والظلام والتشتت واللا انتماء، اليوم بالإمكان وبشكل واضح إنقاذ الكثير من الأطفال واليافعين، والتأسيس المنهجي لبناء منظومة واعية سورية لثقافة أطفالنا.

فنلندة ومعجزة التعليم

إذا أردت ان تضرب مثالاً عن واقعية القيام بثورة في مجال الثقافة والتربية والتعليم فعليك أن تقرأ عبر الشابكة ووسائل التواصل الاجتماعي عن المعجزة الفنلندية والضجة التي أثيرت في الإعلام عن التجربة الفنلندية كانت لأن فنلندا ليست بريطانيا أو ألمانيا أو فرنسا أو روسيا أو أمريكا… فنلندا مجرد جمهورية صغيرة في شمال أوروبا كانت بلداً زراعياً يعتمد على الزراعة ومنتجات الريف بشكل كبير ثم تحولت إلى بلد ذو اقتصاد كبير يعتمد في جله على الاقتصاد المعرفي والمعلوماتي والتربوي من خلال ابتكار برامج توعوية وتنموية فكرية عالية المستوى، نعم فنلندة ثامن أكبر بلد أوروبي من حيث المساحة، وأقل بلدان الاتحاد الأوروبي كثافة سكانية، حيث يبلغ تعداد سكانها 5.5 مليون نسمة، رغم كل المعوقات المعرقلة لطريقها فقد تمكنت فنلندا من تجاوز كل الصعاب واستطاعت في هذه الفترة بالذات من رسم طريقها نحو التقدم بالاعتماد على التعليم.

قال نيلسون مانديلا: التعليم هو أقوى سلاح يمكنك استخدامه لتغيير العالم.

ريادة العالم بقصص الأطفال والرسوم المتحركة

دائما وأبداً نعود لنقدم التجربة اليابانية الفريدة على أنها من أهم التجارب بالنهوض بثقافة أطفالها من الواقع المتردي إلى السباق والرهان العالمي على المراتب الأولى في الأعمال الفنية المقدمة للطفل، يقول خبير الأنيمي في جامعة “ميجي” بطوكيو (كيشيرو موريكاوا) في مقابلة له: “اقتصرت الصورة النمطية لليابان في الغرب في الثمانينيات وأوائل التسعينيات على صورتين: صورة اليابان الشرقية والإقطاعية التي تنحصر في أفلام الساموراي والتي تتضمن معارك السيف بين مقاتلي النينجا، وصورة اليابان العصرية التي تقتصر على القطارات المزدحمة وسيارات تويوتا”.

ويضيف موريكاوا: “نجحت شعبية الأنيمي اليابانية في غرس صور أكثر إنسانية لليابان”، انتشرت ورش عمل المانغا التي بنت ثقافتها على كاهل مجاميع من الشباب الموهوب في الكتابة والفن لتصب كل تلك الأعمال لاحقاً في قنوات صناعة الأنيمي الياباني، وبعد 7 سنوات من نموها المتصاعد، سجلت صناعة الأنيمي رقماً قياسياً جديداً في المبيعات في عام 2017 بلغ 2.15 تريليون ين ياباني، أي ما يعادل 19.8 مليار دولار، وذلك يرجع إلى الطلب الكبير للفن الياباني من الخارج، إذ تضاعفت صادرات اليابان من مسلسلات وأفلام الانيمي ثلاثة أضعاف قياساً بحصيلتها في العام 2014م.

كل من يغرق بتفاصيل هويته المحلية وينطلق من رغبة عارمة في صنع الذات بطريقة سوية، سيحقق نجاحاً يلتفت له العالم كله باحترام، بل وينحني.