مجلة البعث الأسبوعية

صبحي سعيد: نحتاج إلى قفزة نوعية في مجال أدب الأطفال والفتيان

البعث الأسبوعية- أمينة عباس

ينشغل كاتبُ أدب الأطفال صبحي سعيد في هذه المرحلة بالبحث عن طريقة يستطيع فيها إعادة طباعة أعماله التي بدأ بها مسيرته الأدبية وهي سلسلة حكايات شعبية تأثر فيها بحكايات “ألف ليلة وليلة” بعد أن أصبحت ظروف الطباعة والنشر تحتاج إلى إمكانيات مالية كبيرة أعلى من إمكانياته، مبيناً سعيد في حواره مع مجلة “البعث” أنه وفي الوقت ذاته يعمل على رواية بعنوان “الاغتصاب” يحاول أن يتناول فيها مواضيع تمس كرتنا الأرضية التي تتعرض لأخطار تهدد مصيرنا البشري.

*عن اتحاد الكتّاب العرب صدرت لك حديثاً رواية الفتيان “أطفال السماء”.. حبذا لو تحدثنا عن هذه الرواية وعن الخصوصية التي تحملها على صعيد المضمون والشكل الفني . 

**تتحدث الرواية عن الواقع الأليم والقاسي الذي يعيشه الطفل الفلسطيني في الأرض المحتلة، وتسلط الضوء على عدد من الأطفال يعيشون في دار للأيتام، ولكل منهم قصة وحكاية يعيشها في ظروف مريرة، سببها الاحتلال الصهيوني لفلسطين، وتتكون الرواية من عدة قصص تبدأ بقصة “شدّة وتزول” التي تتحدث عن طفل فلسطيني في دار أبناء الشهداء، حيث يكون والده قد أوصاه ألا يهمل دروسه ليكون من المتفوقين بين زملائه، فيعيش هذا الطفل مع ذكرياته عن أهله الذين لا يغيبون عن باله وتفكيره، ونتابع قصة هذا الطفل الذي لا ينسى وصية والده ويبقى محافظاً على تفوقه على الرغم من الآلام التي يعاني منها، وتربط هذه الرواية بين حياة ومستقبل الأطفال والبطل عز الدين القسّام الذي يصبح مثلَهم الأعلى، فهم البراعم التي تحلم بأن تكمل الطريق الذي بدأه القسام من أجل تحرير فلسطين من الاحتلال الصهيوني، وفي هذه القصة وغيرها تلعب الأحلام والذكريات دوراً مهماً في الارتقاء بثقة الأطفال بأنفسهم وبمستقبلهم الذي يسيرون إليه بإيمانهم بحقهم الذي يستعدون لنيله، كما تسلط الرواية الضوء على روح المحبة التي تربط الأطفال ببعضهم وتربطهم بمدرستهم وبوطنهم فلسطين ليبقى عز الدين القسام منارة حلمهم، يشجعهم وينشط قدراتهم كي يكونوا فرساناً أقوياء وقادرين على تحقيق ما يصبون إليه، ولا ينسى بطل هذه القصة كلمات أمه التي تؤكد له : “تؤخذ الدنيا غلابا” كي تشحن قواه وتزرع في روحه شعلة الإصرار والحزم والإيمان بقدرته على تحقيق الهدف الأسمى الذي يجب أن يستعد لتحقيقه في المستقبل الذي يسير إليه، وتركز الرواية كذلك على أهمية الآباء ودورهم في تربية أبنائهم، وهذا ما يجعل الحب هو الذي يحافظ على التآلف بين الأبناء وآبائهم، وهو الحب الأهم الذي يؤكد أهمية الجذور في احترام المستقبل وتقديره والإخلاص والوفاء لهذا المستقبل الذي يحافظ على وحدة الأمة وقدراتها في مواجهة نوائب الدهر وظروفه القاسية.

*ما هو تفسيرك لقلة الأعمال الأدبية الموجهة للفتيان؟

**لا أنظر إلى الكمّ بل إلى النوع في الأعمال الأدبية الموجهة للأطفال أو الفتيان، وأرى أنها تشكل علامات بارزة في حركتنا الأدبية التي نخاطب المستقبل من خلالها، ولدينا أعمال أدبية لا بأس بها، وهي أعمال جيدة ومهمة، ولكن ما زلنا نحتاج إلى قفزة نوعية في مجال أدب الأطفال والفتيان وثقافتهم، حيث ما زلنا نعاني من مسألة التكرار والتقليد، ونحلم أن يكون لدينا أعمال متميزة تنطلق من هموم الواقع وأحلامه، الواقع الذي نسير معه إلى مستقبل يلبي طموحاتنا الحضارية التي يجب أن تعيد الأمة العربية إلى قمم المجد والتطور الاجتماعي والفكري.

*إلى ماذا تحتاج الكتابة للفتيان؟ وهل يستطيع أي كاتب أن يتوجه إليهم؟

**الفتيان فرسان المستقبل، وهنا أتذكر بيت شعر للشاعر الكبير إيليا أبو ماضي يقول فيه: “إنني كلما تأملت طفلاً خلت أني أرى ملاكاً سوياً” ولو فهمنا هذا البيت بعمق لرأينا في الطفولة أسمى وأهم المعاني والأهداف التي يجب أن تحرك طاقاتنا وقدراتنا العقلية والروحية والاجتماعية، وعندما ندرك بأن الفتيان هم المرحلة المتقدمة للطفولة سنقدم لهؤلاء كل ما نملك من جهود مدروسة بدقة كي نصل إلى ما يرضينا في المستقبل، ولا تحتاج الكتابة للفتيان إلا أن نعشق أصحاب هذه المرحلة بعمق ووعي عميق، ونعرف ما يفيدهم ونقدمه لهم، ونعرف ما يضرهم ونبعدهم عنه، وأول ما يحتاجونه هو الغذاء الفكري والروحي والأخلاقي وحب الوطن الذي هو أول وأهم درجات الحب في حياة الإنسان، فمن لا يحب وطنه حبّاً حقيقياً وعميقاً لا يمكن أن يكون إنساناً سوياً، وهنا تلعب التربية دوراً مهماً وأساسياً حيث أن الأدب أهم وسيلة فعالة في التربية، وأرى أننا مقصرون في هذه الناحية، حيث الأدب يعني أولاً اللغة العربية السليمة التي يجب أن نعمل على زرعها في قلوب أطفالنا وفتياننا إلى جانب حضّهم على القراءة.

*أيّ مطبّات يقع فيها كتّاب هذه المرحلة؟

**لا أريد أن أدخل إلى عالم النقد وملابساته، ومن ثم الخوض في مطبات النقد، لكنني أقول ما دمنا نفتقر إلى حركة نقدية متطورة لا نستطيع أن نحكم على حركة أدبية واسعة فيها الجيد وغير الجيد، فهذا يحتاج إلى تفصيلات نقدية طويلة كي لا يكون رأيي مزاجي، لكنني أقول بصراحة إن الطريق ما زال أمامنا طويلاً وشاقاً حتى نصل إلى مستوى إبداعي متميز يرضي طموحاتنا التربوية والفكرية والأخلاقية، فأدب الأطفال والفتيان والشعر الموجه إليهم جزء لا يتجزأ من الواقع الثقافي والإبداعي الذي نعيشه ونعمل من أجل الارتقاء به، وليس كلنا يعرف ما هو إيجابي وما هو سلبي في إنتاجنا الأدبي والثقافي بصورة عامة لأننا نفتقر إلى حركة نقدية واعية ومتطورة، أما المطبات التي يقع فيها بعض من يعمل في الساحة الأدبية فهي غير قليلة وتحتاج إلى مقالات ودراسات تهتم بالأدب ومدى علاقته بالحياة وما فيها من آلام وأحلام وقيم فنية وفكرية راقية وتسليط الضوء على الشوائب التي تسيء إلى الأدب وأهدافه السامية.

*وما أهم ما يعانيه أدب الطفل وكاتبه اليوم؟

**معاناة أديب الأطفال من معاناة الواقع الاجتماعي الذي يعيشه المجتمع وأطفاله، فإما أن تكون خطاه واثقة ومتزنة أو مرتبكة وتعاني من هموم مزمنة، وأرى أن علاقتنا باللغة العربية من أهم المواضيع التي ما زلنا نعاني منها بسبب سوء علاقتنا بالكتاب الذي أرى أنه لم يشكل مكانة مرموقة ومتميزة في حياتنا الاجتماعية والروحية والأخلاقية، ومن هنا تنبع مشاكل ومعاناة كثيرة لا حصر لها لأن العمل في حقول الأدب وحقول الإبداع بصورة عامة هو تعبير عن معاناة عميقة يعيشها الأديب ويحاول تفريغها في أعماله التي يكتبها والتي مهما بلغت من التطور يحلم الأديب ويسعى إلى المزيد، في الوقت الذي هو بحاجة ماسة فيه إلى من يقرأ أعماله قراءة واعية وعميقة في ظل سيادة القراءات المزاجية، إلى جانب أن دور النشر أصبحت أسيرة التفكير بالربح والخوف أن يدخل الأدب وأدب الأطفال بصورة خاصة إلى عالم التجارة، فيتحول الأدب إلى تسلية فارغة من الأهداف النبيلة وبعيدة عن جوهر الأدب، لذلك فإن طباعة كتب الأطفال تحتاج إلى قفزة متميزة باتجاه الأفضل شكلاً ومضموناً، مع الاعتراف بوجود عقبات تكنولوجية وتقنية ومالية يواجهها هذا التطور في ظروفنا القاسية.. من هنا فإن أدب الأطفال مرتبط بمستوى تطور الشعوب وقدرتها على تقديم كل ما تحتاجه الطفولة كي يصبح هذا الأدب جزءاً أساسياً من مكونات حياتنا.

  • كيف تقييم دور جمعية أدب الأطفال في تقديم أدب يليق بطفلنا؟

**أذكر قول المتنبي: “أريك الرضا لو أخفت النفس خافياً ولا أنا عن نفسي ولا عنك راضيا”.. أشعر أننا كلنا مقصرون أمام هذه الظروف الاستثنائية الصعبة، لذلك علينا أن نضاعف جهودنا من أجل أن نكون أكثر قدرة على التغلب على ما يواجهنا من عقبات تمنعنا من الوصول إلى مستوى تصبح القراءة فيه هي التي توجه سلوكنا وأهدافنا إلى مستقبل يلبي طموحاتنا الحضارية.

*ماذا عن تجربتك كرئيس تحرير لمجلة “شام الطفولة”؟

**مجلة “شام الطفولة” الإلكترونية منبر من منابر أدباء الأطفال، ونسعى أن تكون من المنابر الفعالة في تنشيط أدب الأطفال وتعميق الأسس والمبادئ التي يستند إليها، ونسعى من خلالها إلى تنشيط مواهب الأطفال في ظروف تقل فيه الدوريات المطبوعة ورقياً في ظل عصر تحول الكتب والمجلات من مطبوعات ورقية إلى دوريات ألكترونية، وهي مرحلة انعطاف صعب وشاق وتحتاج إلى جهود وفترة زمنية طويلة كي تصبح كل المطبوعات متاحة للجميع في وقت ندرك فيه أن عدداً قليلاً يستطيع الوصول إليها، وبذلك نشعر نحن الأدباء بنقص كبير في دورنا في عالم الأدب ونحلم بأن نتغلب على هذا النقص وتعويضه من خلال بذل المزيد من الجهد في ظروف كثيرة تحاصرنا نأمل أن تزول مع الأيام القريبة..
أحلامنا كبيرة جداً ولن تتحقق إلا بتعاون وثيق بين وزارة التربية واتحاد الكتّاب العرب ووزارة الثقافة ووزارة الإعلام، ونأمل أن يكون هذا التعاون ضمن برنامج وطني شامل وخطة وطنية دقيقة ومفصّلة.

*باعتبار أن المجلة تخصص قسماً لإبداعات الأطفال فما رأيك بمساهماتهم؟ وهل تبشّر بجيل يشكل استمراراً لجيل كتّاب اليوم؟

**لكل جيل معطياته الإبداعية وإنجازاته النابعة من همومه وأحلامه وتعبّر عن تطلعاته، ونحن الأدباء نخاطب الأطفال وندخل إلى عالمهم ونتعرف إلى أهم وأدق التفاصيل التي يعيشونها في الواقع، والطفل خلية نشطة وحيوية وفاعلة إذا وضِع في المكان المناسب الذي يساعده على التعبير عن نفسه وهمومه، والطفولة كنز لا يُقدر بثمن، ولا يحتاج الطفل إلا لمن يفهمه ويقدّره ويثق به ويشجعه على الإقدام ليكون فاعلاً في الحياة، فالطفولة طاقات تنتظر الغيث كي تتفتح وتزهر وتبث عطرها في قلوبنا كي تلهمنا وتفعّل طاقاتنا من أجل إفساح المجال للطفولة بأن تأخذ دورها في الحياة، حيث يؤكد التاريخ أن كبار العباقرة بدأ عطاؤهم وهم ما زالوا أطفالاً، منهم الشاعر العبقري محمد مهدي الجواهري والشاعر الروسي بوشكين، فالإبداع يظهر في الطفولة التي يجب الاهتمام بها لرعاية المواهب وتقديرها وعدم الإساءة إليها، وهذا يحتاج منا إلى أن ندرك قيمها ونفهم ماهيتها وما تكنزه من ثراء لا يُقدر بثمن، وهذا التقدير هو الشمس التي تحتاجها الطفولة من أجل أن تورق، والأدباء والشعراء هم الذين يقدّرون الطفولة وهم المعنيون باكتشاف كنوزها التي ينتظرها المستقبل، ولا مستقبل دون اهتمام راقٍ بالطفولة من خلال الارتقاء بلغتنا مع الأطفال لترتقي لغتهم في التعبير عن أنفسهم وهمومهم وأحلامهم وتطلعاتهم المستقبلية، وأنا أستبشر خيراً بأطفالنا بما في أعماقهم من مواهب آمل أن تجد طريقها إلى أعلى درجات النجاح والتفوق.