Uncategorizedثقافةصحيفة البعث

الإنسان والوطن في أعمال الرحابنة وفيروز

لم يخفِ الباحث د. شوقي المعري في محاضرته التي ألقاها مؤخراً في المنتدى الاجتماعي، وجاءت تحت عنوان “الإنسان والوطن في أعمال الرحابنة وفيروز” أن ما قدّمه هو قسم مما يرد في كتاب يعمل على إنجازه منذ فترة طويلة، ومن المنتظر أن يصدر خلال الصيف، مؤكداً أن ما أخّره في إصداره أنه في كل يوم يكتشف شيئاً جديداً في مسيرة فيروز والرحابنة، وهو اليوم وصل إلى نهاية كتابه، مع إشارته إلى أنه تحاشى التطرق للحياة الشخصية لفيروز والرحابنة.

رسالة فنية سامية

وأشار المعري في بداية محاضرته إلى أن من أهم ما يميّز العمل أياً كان أن يكون في خدمة المجتمع والإنسان لأنها رسالته السامية، مؤكداً أن قلة قليلة تعمل على ذلك، حيث كانت النظرة التجارية هي التي تتغلب، لكن الرحابنة خالفوا ذلك، وكانوا أول من قدّم هذه الرسالة في أعمالهم بعيداً عن النظرة التجارية التي كانت سائدة في عالم الفن، فقدّموا رسالتهم الفنية السامية عبر أعمالهم المتنوّعة ما بين مسرح وسينما وأوبريتات وأغانٍ، وقد قدّموا من خلالها أدباً راقياً لامس الإنسان والمجتمع في كل مفاصله، مبيناً أن الرحابنة لم يُقدّموا أفلاماً سينمائية كثيرة: “بياع الخواتم” و”بنت الحارس” و”سفر برلك”، لكن هذا لا يعني أنهم لم يجيدوا هذا الفن، وهم الذين لم يعتادوا أن يقدموا أعمالهم لمجرد تقديمها، وإلّا لما حققوا ما حققوه من شهرة وصلت إلى العالمية، منوهاً بأن الرحابنة كان همّهم الفني هو الهم الاجتماعي والإنساني وما يعانيه الإنسان والمجتمع العربي، لذلك ليس مصادفة برأيه أن تشترك جميع أعمال الرحابنة في تناول الوطن من خلال تناول الإنسان، فلا فصل عندهم ما بين الإنسان والوطن.

البساطة في الطرح والعمق في الفكرة

ورأى المعري أن مسرح الرحابنة امتاز عن غيره وحاول أن يتفوّق، فنجح وقدّموا للمواطن فنّاً راقياً ورصيناً هدف منه الرحابنة أشياء كثيرة، أبرزها الابتسامة والفكر والأدب والنقد الذي يصلح المجتمع ولا يهدمه، ومن يدقق في النص المسرحي عندهم برأيه يلقَ ما بين السطور صفحات وما بين الحروف كلمات وما بين الأغنيات من سحر وجمال، وأن الرحابنة لم يكتبوا للمسرح كلمات بسيطة، فكل كلمة في مسرحياتهم رمز، وفي كل جملة حكاية أو قصة. وبيّن المعري أن ما جعل مسرح الرحابنة خالداً هو البساطة في الطرح والعمق في الفكرة، مؤكداً أنه لن يصل أحد إلى ما وصل إليه الرحابنة في الكلمة والعبارة والفكرة التي أرادوا إيصالها، وقد كانت فيروز في كل هذه الأعمال ترمز للإنسان والوطن، فهي البنت المسحورة التي أرادت أن تضيء الدرب للناس في “جسر القمر” كما منتورة في “الليل والقنديل”، وهي ريما التي تنتظر الخاتم من “بياع الخواتم” لتفرح كما كلّ الفتيات، وهي عدلة التي فعلتْ ما فعله الرجال في “سفر برلك”، وهي نجمة “بنت الحارس” التي اختصرت الرجولة في زمن الخيانة وغربة اسماً لكنها وطن في “جبال الصوان” وهيفا البنت البسيطة الذكية التي اكتشفت قبل الآخرين: الوالي الهارب في “يعيش يعيش” وهي زاد الخير لما هاجر كل الناس وبقيت وحدها في “ناطورة المفاتيح” تنتظر عودة الناس، وهي قرنفل صاحبة الصوت العالي التي تأخذ حقها من الوالي في “صح النوم” ووردة الكاذبة بنظر المجتمع في “المحطة” والصادقة بقرارة نفسها والتي تركها الكل وهاجروا إلى ليالي الشمال الحزينة، وهي التي ظلمها الناس والوطن 15 عاماً في “لولو” وزيون التي أوقف سيارتها باعةُ الأوطان في “الشخص”، وبالتالي كانت فيروز في أعمال الرحابنة هي الإنسان والوطن.

من جسر القمر إلى بيترا

وتحدث المعري بإسهاب عن الأعمال المسرحية التي قدّمتها فيروز مع الرحابنة، بدءاً من “جسر القمر” 1962 وبحثها عن الحب ليخلصها من السحر ومن واقع تعيشه فيه الحزن والألم و”الليل والقنديل” 1963 واقتراحها حاجة الضيعة لقنديل كبير ينير الدرب لكشف اللصوص، مروراً بمسرحية “أيام فخر الدين” التي عدّها المعري من أهم أعمال الرحابنة، حيث تتحدث عن حب الوطن والإخلاص والدفاع عنه، والتي تمثل مرحلة من مراحل تاريخ لبنان وتاريخ بعض الدول العربية خلال فترة الاحتلال العثماني المستبد و”بياع الخواتم” 1964 التي تحكي عن ضيعة من نسج الخيال كتبها الرحابنة على الورق، وتتناول قصة المختار الذي يحاول أن يدافع عن منصبه باختلاق شخصية وهمية يدّعي أنها تريد أن تنال من الضيعة و”سفر برلك” 1967 التي وصفها المعري بأنها عمل لطيف، لكنه عميق سهل ويخاطب عقل وتفكير المُشاهد ويتحدث الرحابنة فيها عن الجوع الذي خلقه العثماني مع قصة حب عبدو وعدلة التي تمثلها فيروز، وقد فرّقهما الظالم المستبد، و”بنت الحارس” 1967 التي تتحدث عن فكرة ظلم الإنسان المُخلص الذي ضحّى لصالح مجتمعه ووطنه، ليصور الرحابنة في هذا العمل حالة المجتمع العربي الفاسد والظالم، متطرقاً كذلك لمسرحيات “الشخص/ بياعة البندورة، جبال الصوان، يعيش يعيش، صح النوم، ناس من ورق، ناطورة المفاتيح، المحطة، لولو، ميس الريم، بيترا” 1976 وهي آخر مسرحية لفيروز مع الرحابنة، وأحداثها مقتبسة من مملكة بيترا التاريخية، إلا أن الرحابنة برأي المعري أجادوا توظيفها في أحداث عديدة، فكانت كما بيّن ليست مسرحية ولا إعادة تاريخ بل ملحمة في كلماتها وعبرها وموسيقاها وفي أثرها على الناس.

قدمت للمحاضرة أ. حنان عاصي التي اختارت بالتعاون مع شوقي المعري أجمل ما غنت فيروز في مسرحياتها.

أمينة عباس