ثقافةصحيفة البعث

مهرجان الكاريكاتور الثامن عشر.. دورة نهاد قلعي

لم تكن الجملة الشهيرة التي ردّدها الكاتب والمخرج والممثل نهاد قلعي بأدائه الشخصية التي اشتُهر بها حسني البورظان: “إذا أردنا أن نعرف ماذا في إيطاليا علينا أن نعرف ماذا في البرازيل” بصوته فقط، وإنما بصوت الكورال وبألحان رياض مرعشلي والفرقة الموسيقية بقيادة جميل بيطار، وبمشاركة المايسترو كمال سكيكر بالإعداد والتوزيع للأعمال التي قُدّمت في حفل افتتاح معرض الكاريكاتور الدولي الثامن عشر دورة نهاد قلعي بإشراف الفنان رائد خليل على مسرح الدراما في الأوبرا، والذي جمع بين الرسم والموسيقا والغناء بعلاقة تواشجية متناغمة بين اللوحة والأغنية الكاريكاتورية.

 الثنائي المتناقض

وكانت الدراما شريكة فعلية من خلال فيلم توثيقي يختزل مسيرة الفنان نهاد قلعي في التلفزيون والسينما والمسرح، فأعادت الذاكرة إلى نجوم الدراما السورية في الزمن الجميل نهاد قلعي ودريد لحام ورفيق سبيعي وعبد اللطيف فتحي وناجي جبر ونجاح حفيظ  في “صح النوم– حمام الهنا- مقالب غوار.. وغيرها”.

وشكّل مع الفنان دريد لحام ثنائياً لمتناقضات اجتماعية خلدت في ذاكرة الفنّ العربي، كما تابع الفيلم مسيرته في المسرح والسينما مثل أفلام “لقاء في تدمر، والصعاليك، وعقد اللولو” لتكون آخر وقفة له في مسرحية غربة عام 1976 بشخصية “أبو ريشة”، ثم اشتد عليه المرض واقتصر نشاطه على المشاركة ببعض الأعمال الإذاعية والكتابة للأطفال إلى أن توفي في مشفى الهلال الأحمر عام 1993، ورغم وفاته منذ عقود بقي في ذاكرة الأجيال العربية والسورية لفنّه الذي بُني على الكلمة الهادفة الناقدة والكوميديا السوداء.

التنقل بالغناء

ولم تقتصر الدراما على الفيلم، بل رافقت الفرقة في الأمسية الموسيقية بقيادة جميل بيطار والمؤلفة من آلات التخت الشرقي وبعض الإيقاعيات والوتريات مع دور الأكورديون العازف وسام الشاعر، ومشاركة البيانو العازف إياد جناوي في بعض الأغنيات، وبحضور خاص للبزق، ولاسيما في الأعمال التي جسّدت شخصية غوار الطوشة الفنان الكبير دريد لحام.

وكان بطل الأمسية الفنان رياض مرعشلي الذي قدم مونولوجات للشخصيات التي رافقت نهاد قلعي في مسيرته، فتنقل من شخصية “أبو صياح إلى أبو عنتر إلى أبو كلبشة إلى أبو كاسم وأبو رياح” راسماً بأدائه الدرامي التعبيري وبزيّ الشخصيات وإكسسواراتها المونولوجات الساخرة التي ترسم بالكلمة واللحن مضمون اللوحة، كما قدم بشخصية معاصرة مونولوجات من تأليفه.

وبعد غناء الكورال جملة حسني البورظان الشهيرة عزفت الفرقة شارة صح النوم، وعلى وقع توليفة الفرقة تنقلت الأغنيات بين “فطوم فطوم فطومة، ويامو، واشرح لها، وأبو فهمي، ودزاني”، لتصل الفرقة مع الكورال إلى شخصية عبد اللطيف فتحي بكلمته الشهيرة “ياساتر” ثم أغنية “راح يجننوني” التي وصفت واقع الحال المعيشي الصعب “راح اللي ادين مني قرشين يوعدني يعطيني بعد يومين”، كما حظيت وصلة للفنان رفيق سبيعي بتفاعل الجمهور، منها أغنية طاسة ترن طاسة “بالجمعيات وقفنا تلت ساعات، ورجعنا تيتي تيتي”، وتميزت بلحنها الإيقاعي الراقص، تبعتها “الحب تلت ألوان حلو وحامض ولفان” على وقع نغمات البزق والمرافقة الإيقاعية، وأثرت نغمات البيانو والامتدادات الوترية شارة حمام الهنا.

إسكتشات

كما قدمت إسكتشات مشهدية مثل أغنية المسحراتي “قوموا قوموا يلا يا نيام” التي جسّدت شخصية صباح الجزائري مرح سيجري مع دريد لحام وناجي جبر، كما قدم أحمد باكير فقرة إفرادية لشخصية غوار الطوشة بالطربوش مبتدئاً بموال “ياميمتي” ثم الأغنية الشهيرة مع الفرقة “لولا لو”.

أغنية لفنان الكاريكاتور

وفي منحى آخر غنّى مرعشلي بشخصية معاصرة أغنيات عدة، منها “صرنا ناس فوق وناس تحت”، وقدم أغنية خاصة لفنان الكاريكاتور عامة “ماشي عكس السير حامل ع كتافه همه وأحلام الفقير”، ثم غنى للشام مونولوجات عدة من تأليفه، منها “الشام بالنور بتتوضا، ركاع وصلي وبوس أرضها”.

وتخللت الأمسية فقرات للموسيقا الآلية، منها مقطوعة تحميل نهاوند وهي قالب موسيقي من جملتين تحمل عليها التقاسيم من مؤلفات المايسترو كمال سكيكر، وتتسم بروح سورية مناسبة للمهرجان، وقد اتخذ فيها الكونترباص لحن الصولو بالعزف بالقوس تارة وبالعزف بالأصابع تارة ثم صولو الأكورديون، مع الفرقة.

نهاد قلعي والسينما

وبعد الأمسية تجول الحاضرون في صالة البهو وشغلت لوحات البورتريه للفنان نهاد قلعي الحيّز الأكبر، وفق رؤى مختلفة للشخصية من زوايا كوميدية وتراجيدية، فجسد الفنان محمد الميري من سورية شخصية “أبو ريشة”، في حين صوّره حزيناً الفنان علي نوروزي من إيران، وتقاطع فنانون عدة برسمه مع أدوات السينما والشريط الفيلمي، كما تباينت الألوان والخلفية، وفي منحى آخر تضمن المعرض موضوعات أخرى منها التسلق والعين والطعام.

الجوائز

قدّم الحفل الإعلامي علي الدندح، وتمّ التكريم وتوزيع الجوائز من قبل الفنان رائد خليل، فحصل على الجائزة الأولى الفنان إحسان شراعي إيزانشاهي إيران، والجائزة الثانية محمد حسين أكيري إيران، تسلمهما المستشار الثقافي الإيراني في دمشق حميد عصمتي، أما الجائزة التشجيعية فكانت للفنان السوري محمد العلي، كما تمّ تكريم أعضاء لجنة التحكيم الفنان الكبير دريد لحام والفنان موفق مخول والفنان حسن إسماعيل والتشكيليتين سهى غانم وبشرى الحكيم، وقدم درع المهرجان للفنان رياض مرعشلي، والمايسترو كمال سكيكر والموسيقي جميل البيطار والفرقة الموسيقية.

ووجهت الجائزة الخاصة، كما ورد في البروشور، لعدة فنانين منهم شيماء جمال مصر، والجائزة الثالثة كانت للفنان داركو الجبل الأسود.

أيقونة في الكوميديا

وعلى هامش المعرض تحدث الفنان والمشرف على المعرض رائد خليل عن نهاد قلعي الأيقونة في الكوميديا والذي فتح لنا الأبواب من خلال الحالات الرصدية للكاركتر العام ومن حكايات قدمها لنا عبْر أعماله، وتكريمه واجب أخلاقي، وتابع بأن المهرجان يرمي إلى تعميق ثقافة المتلقي بهذا الفن، وفتح باب الحوار والتلاقي مع الآخر لكسر الحصار على سورية.

كما تحدث رياض مرعشلي عن بحثه عن التيمة الموسيقية والأغنيات التي أدرجت ضمن أعمال نهاد قلعي، وعبّرت عن الأغنية السورية الأصيلة والعمل على الدمج بين الدراما والغناء.

المايسترو كمال سكيكر أوضح أن موسيقا هذه الأعمال من تراثنا السوري الجميل، واستمد فكرة التوزيع من روح المقطوعة الأصلية، والإضافة بشكل لا يمسّ بأصالتها.

الفنان موفق مخول تطرق إلى أهمية فنّ الكاريكاتور كلغة عالمية للتواصل مع كل دول العالم، وسورية اشتهرت بهذا الفن منذ عام 1910، وهذا المهرجان مهمّ جداً كونه يكرم الفنانين من خلال الشخصيات، والفنان نهاد قلعي أدخل فن الكاريكاتور إلى الدراما، وأشار إلى ضرورة أن يأخذ المهرجان دوره بانتقاله إلى أكثر من محافظة.

الفنان محمد العلي أعرب عن سعادته بالجائزة وبلوحته التي جسّدت نهاد قلعي الذي أضحك وأبكى بأسلوبه الساخر بالكوميديا السوداء.

ملده شويكاني