الصفحة الاخيرةصحيفة البعث

تصميم جمالي لبطاقات أمُّ الحضارات

غالية خوجة

لماذا لا تكون صورة قلعة حلب مثلاً أو الجامع الأموي أو أية كنيسة فيما يخصّ حلب هي الصورة المناسبة لبطاقات صرافاتنا الآلية؟ ولماذا لا تكون صورة لمعلم أثري لكل محافظة وبطاقات تلك المحافظة مع خلفية لآثار سورية وبانوراما عنها وخارطة؟ وصورة للشهداء؟ صورة ليوسف العظمة مثلاً؟ أو صورة للجندي العربي السوري؟ صورة لجريح الوطن؟ ولماذا لا تكون صورة لأديبة أو أديب؟ لعالمة أو عالم؟ لمخترعة أو مخترع؟ أو صورة لشخصية تأريخية؟ أو سيرة مكثفة لمعلم أثري مع صورته؟ أو أبيات شعر تتناسب مع الصورة التي قد تكون لوحة تشكيلية إبداعية أو صورة للشاعر ذاته، أو صورة للمكان الذي كتبتْ له هذه الأبيات سواء مدينة، أو أثر، أو جامعة، أو مدرسة، أو كلية؟ ولماذا لا تكون صورة لمكتبة من المكتبات الأثرية مثل إيبلا وأوغاريت، أو لمكتبة عامة تأريخية أو معاصرة؟ أو صورة للثروة المادية مثل القطن ومهرجان القطن بحلب؟ صورة للسنابل والحقول وندعمها بلوح أوغاريتي عن أول رسالة للإله بعل “حطم سيفك وتناول معولك”؟ أو صورة للرقيمات الطينية التي احتضنت أول أبجدية حروفية عرفها الإنسان؟ وأول نوتة موسيقية مدونة عرفها العالم؟ ولربما تكون صورة مختزلة عن الواقع الظلامي الذي عشناه في العشرية من خلال صورة لصور الانتصار وإعادة الإعمار؟ أو صورة للمعلم الأثري قبل الإرهاب وأثناءه وبعده؟ ولماذا لا تكون صورة للفلكلور السوري ومحافظاته بأزيائه وطريقة حياته وأدواته الموسيقية والمعرفية والحرفية التراثية وأغانيه الجميلة؟ ومن الممكن أن تكون كلمات من الحكمة المعزّزة للقيم الأخلاقية الإنسانية على مرّ العصور، مثل الصدق، الأمانة، برّ الوالدين، الرحمة، الحضّ على العلم والمعرفة والإبداع؟ أو أن تكون قصة تراثية قصيرة مختزلة تعزّز تلك القيم؟ أو لوحة ترسم خصيصاً لحكمة بفنية وجمالية؟ ومن الممكن الإعلان عن مسابقات شعرية وقصصية ولوحات وأعمال فنية من نحت ورسم وخطّ ومجسمات خاصة من أجل هذه البطاقات.

كلّ ذلك ممكن، مع إمكانية تطبيق هذا الاقتراح والفكرة ذاتها، على الكثير من البطاقات الأخرى مثل بطاقات العضوية للاتحادات والنقابات والجمعيات والمؤسّسات والجامعات والمعاهد والمدارس الحكومية والخاصة، والبطاقة الذكية، والمعاملات والأوراق والوثائق، خصوصاً وأن سوريتنا الحبيبة أمّ الحضارات، وكنوزها التراثية المادية واللا مادية تشعّ على العالم محلياً، وعربياً، ودولياً. ومن الملفت أن تصمّم هذه البطاقات والوثائق بطريقة فنية جمالية لا مجرد أن نضع الصورة على البطاقة فقط بشكل فجّ ومباشر، ومن الممكن أن تعلن الجهات المعنية عن مسابقة لأفضل تصميم إبداعي للبطاقة، وتكون جوائزها المعنوية والمادية قيّمة ومغرية.

لماذا أطرح هذا الموضوع؟ وهذه الفكرة؟ لأسباب كثيرة، منها ضرورة أن تكون معالمنا الأثرية ضمن تعاملاتنا اليومية، مما يجعل الوعي يستذكر عراقتها، ويفكّر بطريقة متأصلة في كيفية البناء الجواني والمكاني من خلال البنيان الكلي الزماني، مما يجعل آثارنا دائمة الحضور والمعاصرة والتشويق لزيارتها للاستزادة من الإصرار على الاستمرار بإبداعية حياتية شاملة، وتحدي كافة الظروف الصعبة الاستثنائية والطبيعية، ومن أجل متابعة العمل الحضاري. ولا ننسى أن حضور المعالم الأثرية على البطاقات المختلفة والمتنوعة، الموجّهة لكافة الأعمار والأجيال والفئات والشرائح المجتمعية، عامل جذب لمعرفتها أكثر، والسؤال عنها تأريخاً، وبناةً، وعمراناً، وهندسة، وعلوماً، ومعارف، وثقافة، وموسيقا، وكيفية تفكير، وطريقة طعام، وتبادلات تجارية، وبنية صناعية واقتصادية، ونسيجاً اجتماعياً، وفلكلوراً، وبيئة طبيعية وإنسانية، تدفع الإنسان للتعامل مع الحياة بأسلوب فني ومعرفي وجمالي وحياتي، فهل تقرأنا وتسمعنا الجهات المعنية؟.