مجلة البعث الأسبوعية

المطلوب دعمها .. “البحوث الزراعية” تكثف طرق مكافحة الجفاف واستخدام البدائل الطبيعية في الغذائيات

البعث الأسبوعية- بشار محي الدين المحمد

في ظل المتغيرات المناخية ذات الآثار المتشعبة ليس فقط على القطاع الزراعي بل تشمل القطاع الصحي وقطاعات حيوية أخرى كالطاقة، تستعد الهيئة العامة للبحوث الزراعية لدق ناقوس الخطر لإدارة أزمات الجفاف، خصوصاً مع تزايد أخطار المواد الحافظة والصناعية التجارية على الجسم، الأمر الذي دفع الهيئة  لخوض غمار تجربة وإنتاج العديد من البدائل الصحية والطبيعية ذات المنشأ المحلي.

إدارة مخاطر

الدكتور منهل الزعبي مدير الموارد في الهيئة العامة للبحوث العلمية الزراعية السورية أشار إلى أن التغيرات المناخية أدت إلى تناقص كبير بكميات المياه المتاحة وظهور عجز مائي سنوي قدر/3.1/ مليار متر مكعب، بالإضافة إلى تناقص المساحات الزراعية، وتضرر المحاصيل في مناطق الاستقرار الزراعي، محذراً من أن آثار الجفاف لن  تقتصر على قطاع المياه، بل ستمتد لتشمل القطاع الزراعي من خلال انخفاض المحاصيل الزراعية بسبب نقص الهطول المطري وسوء توزيعه، كما ستشمل أيضاً القطاع الصحي حيث ستؤثر بشكل مباشر وغير مباشر على الصحة العامة بسبب استخدام مصادر مياه ذات جودة متدنية، أو مياه تفتقر التعقيم والتطهير.

وبرأي الزعبي “حان الوقت للتحرك قدماً بالانتقال من إدارة الأزمة إلى إدارة المخاطر لتحسين قدرة القطر على الصمود في مواجهة الجفاف وعلى التأقلم معه”، وحسب توقعاته فإن الآثار المترتبة على تغيُّر المناخ سوف تتفاقم لتتسبَّب في مزيد من الأحوال الجوية البالغة الشدَّة مثل حالات الجفاف والفيضانات والموجات الحارة وتوزيع الأمطار على نحو لا يمكن التنبؤ به، وكلُّ ذلك سيشكِّل تهديداً على الأمن الغذائي ويمكن أن يجعل الإنتاج الزراعي أمراً صعباً، إن لم يكن مستحيلاً، كما يمكن أن يزداد الوضع تفاقماً بفعل تسارع وتيرة إطلاق غازات الدفيئة في الجو من التربة .

إجهاد زراعي!

إن أبرز مؤشرات الجفاف -والكلام للدكتور الزعبي- هو الإجهاد الزراعي  الذي يمتاز بسرعة النظرة للتحديد المبكر لمناطق الأراضي المزروعة ذات الاحتمالية العالية للإجهاد المائي أو الجفاف، ومؤشر صحة النبات  الذي يسمح بتقييم شدة الجفاف الإجمالية لموسم نمو كامل وفحص صحة الغطاء النباتي وتأثير درجة الحرارة على ظروف النبات، ومؤشر الغطاء النباتي NDVI المشتق من بيانات الاستشعار عن بعد، ولفت الدكتور الزعبي إلى ما تقوم به الهيئة  في هذا المضمار كإجراء دراسات للتغيرات المناخية في سورية بهدف تقييم الموارد الطبيعية في ظل الأزمة والتغيرات المناخية، ووضع إجراءات التكيف المناسبة معها من خلال استعمال تقنيات الري الفعال كتقنية الري السطحي المطور باستعمال التسوية بالليزر وآلة الري بالمصاطب من خلال رفع كفاءة استهلاك المياه وتوفير 25% من مياه الري، كما تساهم في التخلص من مشكلة الملوحة في حوض الفرات، مشيراً لاستعمال المياه غير التقليدية في إنتاج محاصيل علفية مقاومة للجفاف والملوحة كمياه الصرف الزراعي ومياه الصرف الصحي المعالجة، والمياه الرمادية، واستنباط أصناف مقاومة للجفاف مثل أصناف القمح والشعير والحمص بالإضافة للمحاصيل العلفية، ونشر نظام الزراعة الحافظة بهدف المحافظة على خصوبة التربة و رطوبة التربة وتقلل من استهلاك المحروقات، بالإضافة لزيادة الإنتاج خصوصاً في سنوات الجفاف.

 

لاقت نجاحاً

في ذات السياق تحدث الدكتور محمد الشهابي رئيس قسم الصناعات الغذائية في الهيئة عن أهم ما تم التوصل إليه في عدد من المجالات المتنوعة والمنعكسة بالفوائد الصحية والاقتصادية في مجالات التصنيع الغذائي الصحي، ففي مجال حفظ المنتجات الغذائية المصنعة تم التوصل لاستعمال المستخلصات الطبيعية النباتية كالمستخلص المائي لنبات إكليل الجبل والشاي الأخضر في عملية حفظ اللحوم المصنعة، مشيراً إلى أن المستخلصات أظهرت  تأثيراً حافظاً من التغيرات الكيميائية والميكروبية للنقانق المصنعة والمحفوظة بالتبريد والتجميد  وتحسين خصائص الجبنة القابلة للمد باستخدام بعض المستخلصات النباتية.

وأشار الشهابي إلى أهمية تخفيض مادة الباتولين وهي نوع من السموم الفطرية المفرزة من العفن الأزرق الذي يصيب ثمار التفاح، والتي لوحظ وجودها بتراكيز عالية في المنتجات المصنعة من التفاح كالعصير التفاح وأغذية الأطفال، وهي للأسف معروضة في السوق المحلية، وتؤثر سلباً على الصحة و خصوصاً لدى الأطفال.

كما نجحت عملية استخلاص الصمغ من ثمار العناب البري المزروع في المناطق الساحلية واستعماله في التصنيع الغذائي، وتفوق هذا الصمغ على الصمغ العربي المستورد من حيث اللزوجة .

 

الاستفادة من المخلفات

وبيّن الشهابي أنه تم العمل على الاستفادة من عدة مخلفات غذائية كانت بلا استعمال بهدف الحصول على منتجات طبيعية مفيدة في التصنيع الغذائي كبديل محلي عن المستوردات الصناعية، حيث اُستخلصت صبغة الأنثوسيانين الطبيعية من قشور الباذنجان كمضاد للتأكسد يمكن تطبيقها في الصناعات الغذائية و الصيدلانية، كما تم استخلاص صبغة الكاروتينويدات الطبيعية والمركبات الفينولية لإطالة فترة حفظ الأغذية وتحسن قيمتها الغذائية والصحية، واستخدام قشور البرتقال وتفل التفاح وقشور الرمان كمصدر للبكتين الطبيعي المستعمل بكثرة في التصنيع الغذائي.

كما أشار رئيس القسم إلى أهمية الستيفيا كمحلي طبيعي لعدم احتوائه على أي سعرات حرارية أو الكربوهيدرات أو المكونات صناعية، إضافةً إلى أن حلاوته أعلى من السكروز بـ30مرة، وتمت الموافقة عليه من قبل منظمة الغذاء والدواء الأمريكية FDA لاعتباره آمن صحياً، ويتم حالياً بحث إمكانية استعماله لمرضى السكري، كما طبق في تصنيع بعض المنتجات الغذائية الصحية.

قيد الدراسة

ووفقاً للشهابي هناك مواد طبيعية هامة تتم دراسة آثار استخدامها كالملفوف الأحمر الذي من الخضار الشتوية الغنية بصبغة الأنثوسيانين التي تعد من مضادات الأكسدة الطبيعية، مشيراً إلى أنه يجري بحث استخلاص هذه الصبغة منه لتطبيقها في بعض المنتجات الغذائية.

وبيّن الشهابي أن المستخلصات النباتية تتميز بتأثيرها المثبط للعديد من الأحياء الدقيقة التي تسبب فساداً للأغذية لذلك يقومون بدراسة التأثير التثبيطي لمستخلصي الزنجبيل والثوم على بعض العزلات ونمو بعض الأنواع البكترية والفطرية من الأحياء الدقيقة التي تساهم في فساد الأغذية والمسببة للعديد من الأمراض للإنسان.

ولفت رئيس القسم لأهمية نبات الصبار الذي يحتوي على العديد من المركبات المضادة للتأكسد والمثبطة لنمو عدة أنواع من البكتريا الممرضة حيث تتم دراسة الحصول على مستخلص طبيعي وفعال من نبات الأوليفيرا، واختبار فعاليته في تثبيط بعض الأحياء الدقيقة المسببة لفساد الأغذية و الضارة بصحة الإنسان.

وفي إطار التوجهات الحديثة بالإضافات الطبيعية للغذاء والتي لا تترك أثراً ضاراً كالأنزيمات بين الشهابي أنه يتم في الوقت الراهن توجيه الاهتمام لإضافة بعض الأنزيمات إلى العجين كأنزيم اللاكيز الهام لنمو وتطور شبكة الجلوتين أثناء مرحلة العجن وزيادة قوتها، بما ينعكس إيجاباً على تحسين جودة الخبز الناتج وخاصة عند استعمال دقيق قمح ضعيف، أو خلطه مع دقيق الحبوب الأخرى خالية المحتوى من الجلوتين، ويجري بحث إمكانية الحصول على الأنزيم من مصدر نباتي محلي مثل إكليل الجبل منخفض الثمن ويغني عن المادة المستوردة.

جهود كبيرة تبذلها الهيئة نأمل أن يتم دعم جهودها كي تكلل بالنجاح قريباً بعيداً عن أي منغصات!.