مجلة البعث الأسبوعية

تراجع التنمية الزراعية  في الريف يحد من إنخفاض الأسعار في السوق المحلية

البعث الأسبوعية- ذكاء أسعد

يؤكد خبراء الإقتصاد والتنمية الزراعية على حتمية التلازم بين وفرة الإنتاج وإنخفاض الأسعار في السوق وهذه المعادلة تعتبر صحيحة بطرفيها مع ملاحظة مجهول واحد بالطرف الأول المرتبط بتكاليف الإنتاج فإذا كانت تكاليف إنتاج أي مادة زراعية أو سلعة صناعية مرتفعة فهذا لا يعني إنخفاض سعرها بالسوق حتى لو كانت متوفرة ، وبما أن الريف هو المصدر الأساسي لإنتاج السلع الغذائية والحيوانية وجب دراسة العوائق التي تحد من زيادة الإنتاج بتكاليف منخفضة ليسهم في انخفاض الأسعار بالسوق

 

أسعار مرتفعة

حسب نشرة حماية المستهلك فإن أسعار الخضار والفواكه في السوق المحلية مرتفعة جدا قياسا بالدخل و الوضع المعيشي لغالبية الأسر السورية فكيلو غرام البطاطا تجاوز 1700 ليرة والبندورة 2000 ليرة والبصل 1100  ، أما أسعار الفواكه فتعتبر مقبولة نوعا ما قياسا بأسعار الخضار وباقي السلع الغذائية الأخرى كالبرغل والرز والسكر والحمص والفول التي ازدادت أسعارها في الفترة الماضية بحدود 30 % ،  و في هذا الصدد  ذكر الخبير الزراعي علي رمضان أن السبب الأساسي لإرتفاع الأسعار في السوق هو غلاء المواد الأولية كالمازوت الذي تجاوز سعر اللتر منه  2500 ليرة وذلك  لعدم كفاية الكمية المقدمة من الزراعة ليوم أو اثنين إضافة إلى ارتفاع أسعار الأدوية والبذار بأنواعها ،  فمن البديهي عند دعم المستلزمات الأولية وتوفرها بكميات كافية سيتم انخفاض التكاليف وبالتالي انخفاض الأسعار و يعتبر العكس صحيحا فما يحصل الآن من لجوء المزارع إلى تأمين مستلزماته من السوق السوداء يؤثر حتما وبشكل سلبي على أسعار المنتجات الزراعية  وارتفاعها .

 

معاناة مشتركة

لاتقتصر المعاناة على المنتج فقط بل يبدو جليا ان المنتج والمستهلك يدا بيد فيها ، فالمنتج يشكو من ارتفاع تكاليف الإنتاج من جهة وعدم تأمين تصريف المنتج  بالسعر المناسب من جهة ثانية ،  أما المستهلك فيشكو من ارتفاع أسعار كافة السلع الغذائية مقارنة بدخله الشهري ويرى الخبير التنموي أكرم عفيف أن عدم وجود مؤسسات حكومية متخصصة لإستجرار المحاصيل الزراعية للفلاحين والمنتجات الحيوانية للمربين بإستثناء السورية للتجارة التي لاتقوم عمليا بشراء هذه المحاصيل ، جعل المزارع يقع فريسة بين يدي التجار الذين يتحكمون بالأسعار حسب أهوائهم فيشترون من المنتج بأسعار لاتناسب تكاليف الإنتاج ، أما المستهلك فتصل إليه السلع الغذائية بأسعار مرتفعة جدا قياسا بدخله الشهري والسبب الرئيسي لذلك- إضافة الى ارتفاع تكاليف الانتاج – تحكم التجار بالأسعار فنجد المنتج يشكو والمستهلك يشكو .

 

تراجع

في الآونة الأخيرة تراجع الإنتاج الزراعي في الأرياف بشكل كبير لأسباب متعددة أهمها اعتماد المنتجين والفلاحين على السوق السوداء في تأمين مستلزماتهم الضرورية للإنتاج وبسبب ارتفاع التكاليف للإنتاج بات الفلاح يقتصد في الزراعة بكميات محدودة مما أدى إلى  تراجع الإنتاج بشكل كبير  ، وبالنسبة للمربين فمعاناتهم تشابه معاناة الفلاح وذلك لإرتفاع أسعار الأعلاف والأدوية البيطرية وأجور الطبابة وكثرة الأمراض حيث اعتبر  “عفيف” أن ظاهرة نفوق الأبقار -على سبيل المثال – بسبب الأمراض هي من أهم أسباب انهيار هذا القطاع فعندما أصيبت الأبقار بداء الكتل الجلدي ، تم تشكيل لجان على اعلى مستوى لدراسة الأبقار المريضة والسليمة والنافقة متناسين الأبقار المريضة المقادة إلى الذبح فلم يتم رصدها ودراستها وبالتالي وقعوا بسوء التخطيط .

 

الأيدي الناعمة

والملاحظ أن عادات أهل الريف وسكانه الأساسيين قد تغيرت كثيرا في السنوات الاخيرة ولايمكن مقارنتهم بأهل الريف الأقدمين الذين كانوا يقضون يومهم كاملا في الأراضي والمزارع من بزوغ الشمس ليقوموا بجميع الأعمال الواجبة عليهم” رجال ، نساء واولاد”   على حد سواء وحتى الغروب ،  مرتبطين بأرضهم متجذرين فيها  فيقومون تقريبا بجميع الأعمال فترى الوفرة الكبيرة في الإنتاج وبتكاليف قليلة ، أما اليوم فباتوا يلجأون لإتباع الأساليب السهلة سواء في الزراعة أو  في تربية الحيوانات فلم نعد نرى النساء والأولاد في الحقول والمزارع إلا ما ندر وبات لزاما بهذه الحالة أن يعتمدوا على اليد العاملة باهظة التكاليف والتي تحد بشكل كبير من مردودية الانتاج “رحم الله أيام الايدي الخشنة “التي كنا نراها في الأرياف وهنا يؤكد ” عفيف ” ان الأسرة الريفية يمكنها في الوقت الحالي الإعتماد على نفسها في الحصول على الكثير من المنتجات وبأقل التكاليف عن طريق تربية الدجاج مثلا أو ماعز واحدة أو زراعة بعض “المساكب” الصغيرة في البيت للحصول على الكثير من الخضراوات فهذه المشاريع الصغيرة  لاتحتاج لكلف عالية  لكن الكثير من أهل الريف باتوا ينأون بأنفسهم عن هذه الأعمال و يعتبرونها خشنة فكثرت الأيدي الناعمة في الريف وقل الإنتاج

 

 

بدائل

 

وفي ظل الواقع الزراعي السيء الذي نتج عن عدة عوامل أبرزها العقوبات والحرب الاقتصادية الشرسة ، كان لزاما علينا أن نسعى للإعتماد على بدائل وفي هذا السياق يؤكد عفيف أن الإعتماد على المستوردات من أسمدة وبذار وغيرها يشكل خطرا كبيرا على عدة مستويات متسائلا عن أسباب عدم وجود شركات سورية تنتج  وتنمي الأسمدة والبذار وخاصة الاسمدة العضوية ، معتبرا أنه لابد من انتاج سماد عضوي وانتاج خضار دون أثر متبقي خاصة وأن سورية تتمتع بمناخ يؤمن إنتاج جيد لكافة الزراعات  ، فعندما نتيح للفلاح كافة مقومات الزراعة وتقوم هذه الشركات بشراء منتجاته سيتم بشكل طبيعي انخفاض الأسعار عن طريق هذا المنتج المحلي وبالتالي تنشيط السوق إلى جانب الحفاظ على القطع الاجنبي الذي يتم هدره بسبب السماد الكيميائي  ويرى عفيف ان المعنيين بالأمر لايحسنون إدارة الموارد فقد كانوا يقفون ضد فكرة البدائل العلفية لأسباب غير مفهومة كأعلاف الدواجن وأعلاف الأسماك ” الأزولا وعدس الماء” وبعتبرونها نباتات غازية وذلك لأنه لم يتم دراستها بشكل جيد .

 

تأمين

ومع زيادة هذه المعاناة سواء للمربي أم للمزارع ، لابد أن يتوفر نظام لتأمين المحاصيل الزراعية من الجوائح خاصة مع غلاء التكاليف الدونم الواحد من حراثة وأجور الفلاحة والمستلزمات وغيرها

وهنا نجد المزارع غير قادر على تمويل أرضه وإن استطاع ، وكان الإنتاج خاسرا فسيصاب بضائقة كبيرة قد تؤدي به إلى بيع أرضه والتخلي عنها وبالتالي لابد من إيجاد طريقة لتمويل المحاصيل وصولا للإنتاج ،  ونوه عفيف إلى ضرورة تأمين المحاصيل والمواشي كما يتم التأمين للسيارة .