دراساتصحيفة البعث

المستقبل لأوراسيا

هيفاء علي

أشار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى نقاط القوة في العلاقات الروسية الصينية المستمرة في الترسيخ والتعزيز، بما في ذلك النهج المشترك للقضايا الدولية. كما تحدث عن تجارة قياسية والعديد من المشاريع الاقتصادية والطاقة والفضاء، وذلك عشية افتتاح الألعاب الأولمبية في بكين، مشيراً إلى تعزيز العلاقات السياسية والاقتصادية والتجارية بين روسيا والصين، وإلى أن حجم التبادل التجاري بين البلدين سيصل إلى 200 مليار دولار سنوياً.

كما وصل البيان الروسي– الصيني المشترك إلى أعتاب أوروبا بصوت عالٍ، مقدماً رؤية للمستقبل تمثلت بإعلان “الاستراتيجية الكبرى” الذي يتوقع بناء مجتمع أوراسيا ليشمل كل مساحة اليابسة في أوراسيا ومياه القطب الشمالي المجاورة لها. وسيكون هذا القلب الأوراسي ذا سيادة ويحكمه إجماع متعدّد الأقطاب. زيادة على ذلك، ينادي هذا الإعلان بالقوميات السيادية المتنوعة، والثقافة المحلية في إطار متعدّد الأقطاب، وبالتالي هو عكس الرؤية لاتحاد أوروبي متجانس، ويعارض بشكل مباشر الثقافة السائدة الخاصة بالاتحاد الأوربي، وإصراره على ثقافة ليبرالية عابرة للحدود.

وبحسب محللين أوربيين، وفي سياق هيستيريا الغزو الأوكراني، لا تمتلك أوروبا أي نفوذ على روسيا، وثبت أن تهديد “العقوبات” ليس سوى جعجعة في الطحين، لأن روسيا بكل بساطة محصّنة بقوة من العقوبات التي قد تضرّ بأوروبا أكثر مما تضرّ بروسيا، إذ تدرك روسيا أن نقاط الضغط الجيوسياسية والجغرافية الاقتصادية التي تسيطر عليها أوروبا قريبة من الصفر، وأن أي تدخل عسكري أوروبي في أوكرانيا سيكون محكوماً بالفشل وبكارثة في مواجهة القدرات العسكرية الروسية.

صحيح أن أوروبا كانت تعتمد على الغاز الروسي في 40٪ من احتياجاتها، لكن بروكسل تجادل بأن هذا يجب أن يُفهم على أنه “اعتماد متبادل”، وليس تبعية، أي أن روسيا بحاجة إلى السوق الأوروبية من أجل غازها بقدر احتياج أوروبا للغاز الروسي. وكالعادة، يتصوّر الاتحاد الأوروبي أن “سوقه” تتمتّع بمغناطيسية لا تقاوم بحيث لا يمكن للدول الأخرى إلا أن تجتمع معاً لقبول ما يصاحب ذلك من “القيم” الأوروبية. ولكن هذا ليس كل شيء، فعلى هامش القمة الروسية الصينية، تمّ الإعلان عن بناء خط أنابيب الغاز “سيبيريا فورس 2″، والذي ستكون سعته أكبر من خط أنابيب الغاز الهائل “سيبيريا فورس 1”. وما يحتاج قادة بروكسل إلى مراعاته هو أن غاز “سيبيريا فورس 2” سيأتي من الحقول نفسها في غرب سيبيريا التي تحصل منها أوروبا حالياً على غازها. بالإضافة إلى ذلك، سيتمّ توصيل خط “سيبيريا فورس2” بخط أنابيب الغاز نفسه الذي يخدم أوروبا. بعبارة أخرى، إذا فعلت بروكسل أي شيء، يمكن لروسيا إعادة توجيه التدفق الأوروبي إلى الشبكة الصينية، لأن روسيا لا تحتاج إلى أوروبا من أجل غازها.

وقد ترى موسكو أيضاً أن الولايات المتحدة لا تريد رفع أسعار الفائدة، لكن عليها أن تفعل ذلك. ويمكن لروسيا أيضاً أن ترى أن لديها القدرة على فرض تضخم أعلى بكثير في أوروبا، وبالتالي إلحاق أضرار اقتصادية كبيرة، فقد يمكن أن يشهد الأوربيون ارتفاعاً حاداً في أسعار المواد الغذائية، مع حظر البوتاس من بيلاروسيا، وحظر روسيا تصدير نترات الأمونيوم. لذلك فإن العواقب على أسعار الأسمدة – وبالتالي أسعار المواد الغذائية في أوروبا- واضحة، وكذلك العواقب على أسعار الطاقة الفورية في أوروبا، إذا تمّ فرض عقوبات على الغاز الروسي ومنعه من الوصول إلى “أوروبا”، سيكون هذا الردّ الروسي.

ويبدو أن الغرب اكتشف متأخراً أنه ليس لديه أي وسيلة للضغط على الإجراءات الروسية والصينية “العسكرية التقنية” التي ستتخذ رداً على “رفض” الولايات المتحدة والناتو مشروع معاهدة الضمانات الأمنية في موسكو، ما يوضح أن موسكو قرّرت بالفعل الانفصال بشكل أساسي عن الغرب، وما يتمّ تحضيره اليوم هو مظهر من مظاهر هذا القرار السابق. ماذا ستفعل أوروبا في هذه الحال، خاصة وأن مشروع التكامل الأوروبي فشل فشلاً ذريعاً، وبعد سقوط كل الجسور؟!.