ثقافةصحيفة البعث

د. العطار في تأبين خالد أبو خالد: كتب في حبّ الشّام ما لا يكتبه إلّا الأوفياء

مكللاً بأمجاد النّضال الشّريف ليبحر نحو “المصير النبيل” الذي خطّ طريقه برمحه وقلمه، رحل على هودج الشهداء وقد حرر “القصائد المسجونة في الورق” مبتهلاً لفلسطين تحت قباب الشآم..

وتكريماً لمسيرته النّضالية، أقامت وزارة الثّقافة بالتعاون مع اتّحاد الكتّاب العرب والاتّحاد العام للكتّاب والأدباء الفلسطينيين حفل تأبين للشاعر والفنان التشكيلي، المناضل الشّاعر، خالد أبو خالد الذي غيّبه الموت عن عمر يناهز الأربعة والثّمانين عاماً، احتل خلالها مرتبة الفرسان وأمسى أمثولة يحتذي بها الأدباء والمقاومون وقامة يفخر بها كل عربي.
استُهل الحفل بكلمة للدكتورة نجاح العطار، نائب رئيس الجمهورية، ألقاها الدّكتور طلال ناجي الأمين العام للجبهة الشّعبية لتحرير فلسطين، إذ قالت: “هو الفارس والفتى الكنعاني وقامة النخيل ووردة الياسمين الدمشقية الرهيفة.. هو أبو خالد.. خالد شعراً وموقفاً وثباتاً.. هو الفدائي الحارس لحكايات البلاد ورواية جده الفلسطيني الأوّل، هو المتجذّر حقيقة وحلماً وواقعاً من النّهر الى البحر.. قصيدةُ خالد أبو خالد تشبه قامته العالية، وحضوره المؤثّر في السّياسة والثّقافة.. قصيدة خالد أبو خالد تشبهنا.. هي القصيدة الملحمية التي لم تتغرب رموزها ودلالاتها في سراديب الحداثة المعلبة.. هو المثل في معنى اللغة والموقف، ما بين مقلاع فتى فلسطيني وسيف دمشقي يصنع ملحمة النّصر، ويهزم وجه الإرهاب والاحتلال”.
وأضافت: “إنّ تكريمنا لشاعرنا الكبير هو تكريم لفلسطين ولجبل البندقية والقلم.. جبل القواعد والميادين، جبل الثّورة التي لم يكل أو يمل ولم تلن له قناة… جبل تحرير كامل تراب فلسطين… كان عاشقاً للشّام، بقي مقيماً في دمشق رافضاً خيانتها، ومغادرتها في عزّ أزمتها: كتب في حبّ الشّام ما لا يكتبه إلّا الأوفياء… وبعث تحية لسيادة الرئيس بشار الأسد ولشعبها المقاوم ولجيشها المقدام ولتضحيات أهل الشام”.
بدوره خاطب الدّكتور طلال ناجي الرّاحل: “يا قمراً قرمزياً يشيخ قليلاً في “سلة الظهر” في جنين القسّام، كي يعطر ذاك الشريط من الدم وهو ينبت من روح فلسطين”، وأضاف: “نقرأ “نداء الجنوب” و”فرس لكنعان الفتى” و”رمح غرناطة” وغيرها لغة جديدة، حروف تقفز حيوية قصوى، موسيقا هي للحرب، هي ليوم المعركة، هي لبندقية مثلى، فيها رائحة التّراب ولون الدّم الأحمر، فيها الغوطتان وزهر الرّمان، وفيها تقاسيم عصرية على مكابدة المعري، وتفصيل آخر عن لوحة الصّعود إلى العراق”.
وختم ناجي كلمته بالقول: “بوفاة خالد أبو خالد تفقد الثّورة الفلسطينية والحركة الثّقافية الوطنية علماً من أعلامها، ورمزاً من رموزها، وفارساً من فرسانها، استطاع هذا الشاعر العبقري أن يحفر اسمه في سجل الخالدين”.
أمّا كلمة وزارة الثّقافة، فألقاها الدّكتور ثائر زين الدّين المدير العام للهيئة السّورية للكتاب، قال فيها: “تنبسط أمام قارئ “العوديسا” فضاءات التراث العربي، أحداثاً ومدناً وشخصيات وشعراً ونثراً، فقد استلهم خالد أبو خالد هذه المكونات بذكاء وفطنة، واستنطقها بصورة لا قسر فيها كي تعبر عن حاضر الأمة العربية، كما استرفد التراث الشعبي العربي، ولا سيما الفلسطيني منه فحضرت في شعره القصائد الشعبية المختلفة، والحكايات والأغنيات والأمثال والتعابير الشفوية الشعبية”.
من جهته، قال الدّكتور محمد الحوراني رئيس اتّحاد الكتّاب العرب: ليست “سيلة الظهر” وحدها من أطلقت جناحيها في رحلة معراج خالد أبو خالد الى سماوات مجده وكبريائه، ولكن نرى فلسطين ذاك المقاوم الشّرس كان عليه أن يشارك في رحلة المعراج تلك.. ليثبت لكون الأبد.. أنّ رموز المقاومة والنّضال لا تموت، بل تمضي واقفة كأشجار الزّيتون والبرتقال… حتى يوم النّصر والعودة.. كان من رعيل الأوائل الذين تسلسلوا رمزاً تلو الآخر في ساحات المصير ومعاركه من فلسطين إلى عمان فالكويت ثم دمشق مربط الفارس الأقرب إلى فلسطين، ومربط الثّبات على الفعل المقاوم الرّافض للتّطبيع.. خالد أبو خالد صوت ضمير الأمّة، ورفيق درب الأحرار الذين زحزحوا عن كاهل الأمّة وفلسطين مفردات النّكبة والمأساة وأحلّوا مكانها فلسطين الدّار والنّار ورصاص الكلمة والخندق… ستبقى سماوات المجد تصدح بصوتك بأدبك وشعرك المقاوم، فمثلك لا يموت ابدا، وسنبقى مثلك وأخلاقك النبيلة حاضرة في كل ركن ثقافي في وطننا.
بدوره، قال الأمين العام للكتّاب والأدباء الفلسطينيين مراد السّوداني: كان المقرر أن تغيب فلم تغب، وكان المقرر أن تموت فلم تمت، كان المقرر أن يغيّبك الرّحيل فلم تغب، كان المقرر أن تكون كشاخص الإسفلت منسياً، لتنسى وتنسى، لكننا دائماً نقول إنّ الشّاعر الحقيقي والمبدع الحقيقي لا يموت إلّا في نفوس ميتة أصلاً، في نفوس صدئة، لكنّك الباقي في الحياة التي منحتها لفلسطين ولدمشق والأمّة أبا خالد الخيرَ والشعرَ، يا والدنا الذي أورثتنا الكلمة البندقية من أجل هذه الفلسطين… يا من صوّبت في الأغوار قلبك كرصاصة أخيرة ضدّ هذا النّقيض الاحتلالي، وبقيت ثابتاً على ثابتها، لا تحوّل ولا تزول ممسكاً بغرة الكلام وبالكلمة البندقية طريقاً للكلمة الشّريفة ولمعنى فلسطين الأجلّ.
من جهته، قال عبد الفتاح إدريس عضو الأمانة العامّة للكتاب والأدباء الفلسطينيين: سلام عليك أبا خالد وارث الشّهادة والعطاء والمقاومة.. وأنت اليوم تبعثها من جيل إلى آخر كلمة حق وحياة ونشيداً وطنياً جامعاً وإبداعاً ثرّاً سوف يخلّده الأبناء والأحفاد.. وقد نسجته في شعرك عطاءً وطنياً وروحاً وثابةً عابرة للانعطافات والانزياحات المشبوهة فكنت متوائماً مع قيم الإنسان وصرخة المظلومين والمشردين في كلّ مكان.. اسمحوا لي أيّها الأصدقاء أن نعلن اليوم ونحن في وداعه الأخير أن نسجّل وفاءً وإخلاصاً واقتداراً بحمل العبء الثذقافي والوطني الذي حمله خالد أبو خالد.. إنّنا على العهد متابعون..
وفي كلمة أصدقاء الرّاحل، قال إبراهيم علوش: كي نعرف خالد ابو خالد يجب أن نتعرّف على شخصيات في حياته، هي محمد صالح الحمد أبو خالد أحد قادة ثورة عام 1936 في فلسطيين الذي استشهد فيها وابنه في ربيعه الأوّل، رحل فشبّ أبو خالد في كنف جدّه على حبّ فلسطين وحمل خالد أبو خالد اسم ابيه وفلسطين ثمّ انطلق، أمّا الاسم الثاني فهو عبد الرّحيم محمود الذي قارن القول بالفعل واستشهد في معركة الشّجرة وممن تتلمذ على يديه شاعرنا المقاتل خالد أبو خالد فنعم المعلم والتّلميذ والشّعر المقاوم.. الاسم الثالث هو والدي ناجي العلي رفيق السّلاح والعمل والتّجربة الشّعرية والحياة، تعارفا في الكويت قبل أن تنبت المكيفات في رمال الصّحراء، ويذكر أبو خالد ان ناجي علوش كان عرّابه وكان يحبّ شعره الشّذعبي، وذات مرّة وأنا صغير السّن سمعته يردد شعراً شعبياً وعلقت برأسي ولم أنساها أبداً، وبعد الكويت ذهب خالد أبو خالد إلى سورية وناجي علوش إلى لبنان ثمّ خاضا معارك الثّورة الفلسطينية مع غيرهم من المناضلين.
وفي ختام حفل التّأبين، نوهت ابنة الرّاحل، الدّكتورة بيسان، بأنّها وجدت مذكّرات لوالدها صدفة وهي ترتّب المنزل، وأنّها ستنشرها في الوقت المناسب.

علاء العطار – نجوى صليبه