Uncategorizedثقافةصحيفة البعث

فيلم “طعام صلاة حبّ” بين كاميرا الأمكنة المتنقلة

“الابتسامة بالعين والقلب والكبد”، هي سرّ التوازن الداخلي الذي توصّلت إليه الكاتبة “ليزا – جوليا روبرتس” أثناء لجوئها إلى أمكنة تمنحها العلاج الروحي وتطهير الذات، وصولاً إلى المسامحة في الفيلم الشهير “طعام صلاة حبّ” 2010 المأخوذ عن رواية السيرة الذاتية للكاتبة الأمريكية إليزابيث جيليرت بالاسم ذاته، وبتوقيع المخرج ريان ميرفي، سيناريو جينيفرسولت، وقد عُرض في جلسة النادي السينمائي في المركز الثقافي العربي (أبو رمانة) بالتعاون ما بين المؤسّسة العامة للسينما ومؤسّسة أحفاد عشتار.

ورغم أن مدة الفيلم قاربت الساعتين وربع إلا أن هناك خللاً واضحاً بالسيناريو الذي أغفل جوانب من الرواية أضاعت الربط بين الأحداث، بدا هذا واضحاً في بداية الفيلم وانطلاق الأحداث من نيويورك، وبكاء ليزا في مشاهد عدة، لتكتشف فجأة بأنها ليست سعيدة بزواجها، فتتمرّد على حياتها وإحساسها باليأس وتعمل على التغيير بطلبها الطلاق، لتنتقل الكاميرا إلى مواجهة طليقها في أروقة المحكمة دون معرفة الأسباب التي دفعتها للطلاق، ولاسيما أن زوجها كان متمسكاً بها وبكى بحرقة لحظة الانفصال.

الموسيقا في إيطاليا

وينتقل المخرج إلى قرار ليزا السفر لبحثها عن ذاتها ومحاولة ترميم نفسها من آثار الطلاق بعد وقوعها بقصة حب غير متكافئة مع الممثل المسرحي ديفيد، فتجد أن الحلّ بالسفر إلى إيطاليا لتتعلم مفردات اللغة الإيطالية وتتناول الأطعمة التي ارتبطت بإيطاليا مثل البيتزا والمعكرونة، فينعطف الفيلم باتجاه ما دوّنته الرواية ضمن أدب الرحلات، وتركز الكاميرا على روما مدينة الرومانسية السحرية بتصوير أماكنها الأثرية ونوافيرها وتماثيلها وأزقتها الضيّقة وأبنيتها الأثرية، لتدخل المكان الأثري الذي يشبه القلعة “أوغسطيس”، وتستحضر تاريخه وتعاقب الأهوال عليه بالحرب النازية وهجوم العثمانيين، فسُرق وحُرق ودمُر.

كما ترصد الكاميرا ومضات من الحياة الهادئة في إيطاليا مثل مشهد تجول عازف الأوكورديون بين المقاهي المنتشرة في حارات روما، وتترافق المشاهد مع دخول الأغنية إلى سياق الموسيقا التصويرية ومن ثم مقاطع من الغناء الأوبرالي.

بين الأمريكيين والإيطاليين 

ويمرّر المخرج حوارات بين ليزا ومجموعة أصدقاء من الإيطاليين ينقدون حياة الأمريكيين التي يقضونها بساعات العمل الطويلة: “الأمريكيون لا يعرفون السعادة، يعملون حتى تخور قواهم”، وتدار حوارات غنية بالمضامين خاصة في الاحتفال بعيد الشكر حول خصوصية العلاقات الأسرية الدافئة في إيطاليا.

أسرار اليوغا 

وتنتقل الكاميرا إلى الهند فترصد بحرية مدخل المدينة لتصوّر الفقر والقمامة المنتشرة وحركة المارة في الأسواق بالأزياء الهندية، لتعكس بفنية غير مباشرة ملامح من ثقافاتهم مثل مشهد خلفي لاستحمام أشخاص في السوق قرب البقرة التي يسكب عليها الماء أيضاً، لتصل ليزا إلى المعبد الذي تعمل في خدمته بغية التطهير الذاتي والبحث عن الإحساس بالسلام والأمان، فتدخل كهف التأمل وتتعلّم أسرار اليوغا، وتتابع طقوس الصلاة، ويمرّر المخرج خلال ذلك ظاهرة زواج القاصرات بالهند رغم رفضهن، فتصوّر الكاميرا طقوس الزواج وتقليد رش الورد.

في هذه المشاهد تعود ليزا بذاكرتها، فتستحضر بتقنية الفلاش باك مشاهد من حفل زفافها من زوجها الذي أحاطها بالحبّ، ما يثير المتلقي أيضاً لعدم إيضاح أسباب الطلاق.

في المعبد تلتقي ليزا مع ريتشارد –اندرو شيفر- الأمريكي القادم من تكساس والذي يحاول أن يسامح ذاته بالعلاج الروحي، إذ كان السبب بوفاة ابنه حينما كان في الثامنة من عمره، لأنه سمح له بقيادة السيارة فانحرف عن الطريق على مرأى من زوجته التي تراهما من خلف النافذة، فتطلب الطلاق وترفض مسامحته، وبعد عشر سنوات يسامح نفسه ويغادر.

الحب والتوازن 

تسافر ليزا أيضاً إلى بالي في أندونيسيا وتلتقي بالمعالج الروحي كيتو الذي تنبّأ لها بالعودة إلى هذا المكان، فتدور بينهما حوارات حول كيفية تحقيق التوازن “إذا خسرت التوازن تخسرين قوتك”، وتركز الكاميرا على جمالية الطبيعة والمساحات الخضراء والانعطافات التي أوقعت ليزا بالحبّ حينما صدمها فيليب البرازيلي وهي تمضي على دراجتها، تخاف ليزا من الحب كي لا تخسر توازنها، لكنها في نهاية المطاف تهرع إلى قارب فيليب –خافيير باردم- لتمضي معه إلى الجزيرة “الحب يكون جزءاً من التوازن”.

رسالة مبطنة 

وبعيداً عن قصة ليزا، تتضح رسالة الفيلم بقبول الآخر بعيداً عن انتمائه ولونه، من خلال ارتباط ليزا بصداقة قوية مع صديقتها الزنجية، واندماجها في المجتمعات الشرقية في الهند وأندونيسيا، وتقديم المال للعاملة بالمقهى بأندونيسيا لشراء منزل وكسبها حضانة ابنتها “سيكون منزلاً للجميع”.

 لا تتثاقف على المتلقي  

الفيلم الذي اشتُغل بكاميرا واقعية حظي بمناقشة غنية وآراء متنوعة، إذ رأى المخرج عوض قدرو أن الفيلم ينتمي إلى السينما الحقيقية التي تلامس الوجع غير المعلن، الذي لا يمكن البوح به في مجتمعاتنا الشرقية، إضافة إلى الثقافات المتعدّدة، وكان الإخراج على مستوى عالٍ تقنياً، ولاسيما بالمونتاج الحرفي والانتقالات بين الأمكنة دون أن يشعر المتلقي بالقطع من خلال قصة بسيطة، ونحن فعلاً بحاجة إلى هذا النوع من السينما التي لا تتثاقف على المتلقي.

إسقاطات

ووجد المحامي عمر أيوب أن مشهد المعبد في إيطاليا الذي مرّ بأطوار وأصبح ملاذاً للمشردين هو إسقاط على الواقع، وعلى الحالة النفسية، فأحياناً نشعر بأننا أسعد الناس وأحياناً نشعر بأننا أشلاء. أما كاتب السيناريو يوشع يوسف فقد اعترض على الموسيقا التصويرية التي لم تكن مناسبة في مواضع مثل مشاهد “الفلاش باك” ولم تعبّر عن القلق الداخلي.

رحلة من الداخل

كما شرحت د. رندة رزق الله مفهوم التوازن النفسي، وبأن رحلة البحث عن الذات تبدأ من الداخل، من معرفة السلوكيات التي يمارسها الإنسان في حياته، وليس بالضرورة تغيير الأمكنة.

ملده شويكاني