صحيفة البعثمحليات

ما بين “الانفضاض والانقضاض”؟

دمشق – بشير فرزان
قدّمت الجلسة الاستثنائية المصغّرة التي عُقدت في رئاسة مجلس الوزراء، تحت عنوان الاستجابة للتطورات الحاصلة في ملف الأزمة الأوكرانية، فرصة جديدة وسريعة لرفع الأسعار، وما يؤكد ذلك تفاقم الفوضى في الأسواق المحلية والتسعير الكيفي. فما طُرح داخل الجلسة جاء بنتائج عكسية، والتقلبات الاقتصادية كانت أسرع وتفعل فعلها في الأسواق قبل انفضاض الجلسة وبعدها بشكل آنيّ، وباتت البضائع الموجودة أكثر تبعية للتغيّرات التي أصابت السوق العالمية، وخاصة في مجال الطاقة والغذاء والنقل العالمي قبل أن تتحرك بورصتها العالمية، وبشكل أحبط محاولة التخطيط المسبق لإدارة التداعيات المحتملة ودراسة سيناريوهات التعامل معها لتفاديها أو تقليل انعكاسها على الوضع الاقتصادي والخدمي!.
ورغم إقرارنا بسلامة الخطوة التي تمّت وما تمخض عنها من قرارات ضمن خطة العمل الطارئة، للتعامل مع المستجدات في حال التنفيذ الصحيح، إلا أن ما يقلقنا أنها كانت أكثر بعداً عن التعامل الجديّ السريع مع الوقائع، وتحريك الأجهزة المختصة لتضبط إيقاع الحركة، سواء في الأسواق أو في العمل المؤسساتي الحكومي الخاص بقطاع النفط والمواد الغذائية، واستصدار قرارات جديدة تجرّم المحتكر والمتلاعب بالأسعار كـ “مجرم حرب”، فلا يكفي التهديد والوعيد دون أي فعل حقيقي، ولا يكفي التلويح بأخطار المستجدات الأخيرة وانعكاساتها على الواقع الاقتصادي المحلي، كالارتفاع المتسارع لأسعار النفط والمؤثر في توريدات المشتقات النفطية، وارتفاع تكاليف أجور النقل العالمي وأسعار المعادن، وما يصاحبه من ارتفاع في أسعار الصناعات ومنتجاتها بشكل كبير على المستوى العالمي، وهذا كله سيؤثر في زيادة أسعار المواد الغذائية ومكونات السلة الاستهلاكية للمستهلكين، وهذا ماحدث بشكل متسارع ومخيف.
وليس من باب الانتقاد بل من بوابة التنبيه إلى أن الأيام القادمة، بما فيها التعاطي مع المستجدات والمخاطر التي تفرضها على الحياة المعيشية، تستلزم قوة الحضور وتعاوناً استثنائياً من جميع فعاليات المجتمع، وخاصة المواطن الذي سيكون نقطة الارتكاز الأساسية في عملية إنجاح الإجراءات التي تمّ إقرارها، كونه سيتلقى مباشرة انعكاسات الواقع الجديد فيما يتعلق بإدارة المخازين المتوفرة من المواد الأساسية (القمح، السكر، الزيت، الرز، ومادة البطاطا) خلال الشهرين المقبلين والتي تعاني من الشح والقلة.
بالمختصر.. أثبتت الأيام القليلة الماضية أن الخطاب الحكومي لم يحقق النتائج المطلوبة منه، وأن الرسائل التحذيرية تصل بالمقلوب وتحفز علمية الانقضاض على المصلحة العامة، والدليل أن السوق المحلية تلقفت ذلك بسرعة وبدأ مؤشر الأسعار بالارتفاع مباشرة لتصدق معها التنبؤات العمياء لتلك الجلسة التي كنا نتمنّى من الجهات الحاضرة فيها أن تبادر وبسرعة لحشد إمكاناتها بحيث تكون حاضرة بأذرعها الرقابية في السوق قبل أن ترمي بمسؤولياتها في قلب الأزمة الأوكرانية، كما يُرمى نرد الطاولة لتظفر بـ”الدوشيش”.
والأكثر غرابة محاولة الاستثمار الحكومي بالمستجدات التي اعتبرتها فرصة للإسراع في تنفيذ قرار استبعاد الشرائح من الدعم وفق ما تمّ إقراره، للاستفادة من منعكساته الإيجابية على مستوى الوفر في استهلاك المواد المدعومة، أي أن الحلول ستكون وكالعادة على حساب المجتمع والمواطن الذي أنهكته الحرب على كافة الجبهات. وهنا لابدّ من السؤال والبحث عن فاعلية تلك الجلسة وغيرها من الاجتماعات على أرض الواقع، خاصة وأنها أتت بصيغة “إجراءات لتفادي أي مخاطر اقتصادية قد تؤثر في السوق المحلية بشكل مباشر”؟!!