رأيصحيفة البعث

القوة والضعف.. على هامش الحرب الأوكرانية

أحمد حسن

بغض النظر عن مآلاتها النهائية إلا أن الحرب في أوكرانيا، وعلى غرار كل الحروب السابقة، بدأت تفرز علامات القوة والضعف – كما إشارات المرارة وبعض المفارقات الغريبة أيضاً – لعالم اليوم، وتلك، بطبيعتها، دلائل صادقة على اهتزازات جيوسياسية تتغير مفاعيلها كل لحظة في اتجاه بناء عالم الغد القادم.

وإذا كان الرهان الغربي، كما يبدو حتى الآن، يتمثّل بمحاولة “أفغنة” أوكرانيا، أي تحويلها إلى مستنقع شبيه بذلك الذي غرقت فيه موسكو في أفغانستان في ثمانينيات القرن الماضي، فإن بعض ما يحصل على هامش هذه المحاولة يدعو للنظر في دروس، كما في تحولات، عالمنا المعاصر.

فعلى سبيل المثال، يبدو قبول الرئيس الأوكراني، فلاديمير زيلينسكي، بالتفاوض مع الجانب الروسي، بعد تمنّع سابق ودون تحقيق شروطه، دليلا بّينا على ميزان القوة والضعف، فيما يبدو تعبيره علناً “عن الشعور باليتم والتخلي والخيانة من الحلفاء الذين بنت حكومته سياساتها على فرضيات مواقف منتظرة منهم”، كـ “سرقة”، أو استعارة أدبية، لعبارة رئاسية عربية شهيرة تقول: “المتغطي بالأمريكي عريان”، إلا أنه أيضاً – أي كلام زيلينسكي – دليل بيّن على عدم اعتبار أحد من الدروس السابقة، فبعد أن أوصل الغرب – وزيلينسكي أيضاً – أوكرانيا إلى هذا المكان حين قرر الذهاب حتى النهاية في حصار روسيا، اتضح أنه يريدها حرباً حتى آخر أوكراني وليس أكثر من ذلك، أما قواته فلن تتدخل في هذا الصراع، وأكثر ما قدمه، ويقدمه، بعض من الأسلحة – دُمّر معظمها من اليوم الأول – وعقوبات اقتصادية متوقعة روسياً منذ ما قبل اليوم الأول للحرب، وأيضاً.. البحث في أروقة “الكونغرس” عن إمكانية حضّ “مجلس الأمن الدولي على إصدار قرار يدعو إلى طرد روسيا من المجلس، بسبب غزوها أوكرانيا”، وتلك إحدى أهم مفارقات – ودلائل الضعف و”قلة الحيلة” – في هذه الحرب، ليس لنتيجتها المعروفة سلفاً، بل لمجرد بحث هذا الأمر بين “مشرّعي” الدولة الأعظم الذين يعلمون جيداً “أن ميثاق الأمم المتحدة، يوجب على جميع الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن التوقيع على أيّ تعديلات، ممّا يمنح روسيا القدرة على منع مثل هذه الخطوة”!!.

والواقع أن الدلائل كلها تشير إلى عالم يتغير بصورة متسارعة باستمرار، وفيما إذا استمر المسار الحالي على “سكته” ووصلنا إلى مرحلة ما بعد أوكرانيا، فإن ذلك سيكون إعلاناً نهائياً عن أفول ‏منظومة ما بعد الحرب العالمية الثانية، وبالتالي سنشهد تغيراً في التحالفات وانزياحات سياسية متتالية لدول وكيانات من موقع إلى آخر، وبتعبير محدد فإن نجاح روسيا يعني “تدمير القواعد العالمية القائمة على الإرادة والهيمنة الأميركية”.

ولأن لكل حرب، على قسوتها وشدتها، بعض المفارقات ذات الطابع المضحك المبكي، فإن هذه الحرب ليست استثناء من ذلك، ومن ذلك مثلاً أن “الجامعة العربية” وجدت أن الأمر يستحق “اجتماعاً طارئاً لبحث التطورات الأخيرة في أوكرانيا”، وبالطبع فإن فرقاء الصراع هناك ينتظرون، على أحر من الجمر، نتائج هذا الاجتماع!!

بيد أن المفارقة الأهم، والأكثر تعبيراً عن “واقع” وتوجهات البعض اليوم، هو اعتبار ما يسمى بـ “المعارضة”، في بيان رسمي، “أن التهاون مع العدوان الروسي في غزو الدول المستقلة ذات السيادة وقضم أجزاء منها سيشجع على تكرار هذا السيناريو في أماكن أخرى من العالم وسيحرض مطامع الدول القوية في جيرانها الضعفاء ما يعني خللاً عالمياً في الأمن والاستقرار وشيوع فوضى دولية عارمة”!!

نعم، هذه كلمات حرفية – غزو.. سيحرض.. دول قوية وجيران ضعفاء.. فوضى دولية عارمة – من بيان “إدانة” صدر – بعد عصف ذهني وتحليل معمّق – من قبل جهات معروفة الانتماء والولاء والتبعية.. وبالطبع، لا داعي لطرح سؤال: كيف كانوا يرون العالم سابقاً؟؟ فالأفضل أن يكون السؤال: من أي كوكب أتى هؤلاء؟!