اقتصادصحيفة البعث

فتش عن التهرب الضريبي..!   

علي عبود

لم يجب أحد من المنتقدين للقرار رقم 7 لعام 2022 الذي حدد إيداع مبلغ في المصارف عند عمليات بيع العقارات والسيارات على السؤال: لماذا يرفض من يمارس أي عملية تجارية أو عملية بيع أو شراء، إنجازها عبر الأقنية المصرفية؟

إذا استبعدنا الرغبة الجامحة بالتهرب الضريبي فلن نجد مبرراً أو عذرأً أساسياً لعدم ممارسة التجارة ببعديها الواسع والمحدود عبر المصارف..!

لا التاجر ولا المواطن يرغب بالإعلان أو الإفصاح عن نشاطاته التي يترتب عليها رسوم وضرائب وفق الأنظمة النافذة، والجميع “يتفنن” بإيجاد الأساليب الملتوية للتهرب من دفع الضريبة، وبالتالي لم ولن نجد أحداً مع أي قرار يقلص التعامل بـ”الكاش”، بل ويعتبره تقييداً، وتدخلاً في شؤونه الشخصية، والبعض الآخر لا يتردد بالجزم أن إلزامه بالإفصاح عن الأعمال التجارية من خلال المصارف سيؤثر سلباً في الاقتصاد والإنتاج..الخّ!

من خَبِرَ السفر إلى الخارج أو شاهد الأفلام الأجنبية سيكتشف بسهولة إن ما من أحد تقريباً يتعامل بالكاش إلا الخارجين عن القانون، أي الذين يخافون استخدام بطاقات الائتمان أو الفيزا كي لا تكتشف السلطات الأمنية مواقعهم وتطاردهم لاعتقالهم !

قد نحتاج لوقت طويل لإقناع التجار والمواطنين بأن التعامل التجاري عبر المصارف أكثر أماناً، وإن ترتّب عليه الرسوم والضرائب، وعندما ينص القانون على أن التهرب الضريبي خيانة وطنية فإن كل شيء سيتغير حتما!

حسنا.. لنسأل: ماذا سيفعل المواطن أو التاجر بمئات الملايين الناتجة عن بيع عقار أو أكثر؟

الاحتمال الأكبر أنه سيشتري عقاراً جديداً للسكن أو لتأسيس نشاط تجاري يدر عليه الأرباح..، أما احتمال أن يخزّن الملايين في المنزل فهو مغامرة محفوفة بالمخاطر بدليل حوادث السرقات التي نقرأ عنها يوميا وقيمها دائماً بملايين الليرات وآلاف الدولارات والمصاغ الذهبية !

وبما أن للبائع والشاري حسابات مصرفية فبالإمكان إجراء أي عمل تجاري أو بيع عبر المصارف دون الحاجة إلى إنجازها بالكاش، وبالتالي إن لم يكن هدف التاجر والبائع والشاري التهرب من دفع الضريبة فلا يوجد أي مبرر لرفض إيداع أي مبلغ مهما كان صغيراً قبل إنجاز أي عملية تجارية!

نعم توجد هواجس وشكوك وانتقادات حتى من المختصين لقرار إيداع نسب محددة في المصارف عند بيع العقارات والسيارات، ومحورها الرئيسي: نرفض دفع أي ضريبة عن عمليات بيع العقارات والسيارات!

المسألة ليست بإرباك المواطنين بالروتين والبيروقراطية، إذ يفترض أن لكل مواطن حساب مصرفي يمكنه من خلاله تحويل أي مبلغ لحسابات أخرى.

ولا علاقة للأمر بضخامة الإيداعات المصرفية وعدم الاستفادة منها..، فهذه الإيداعات، وجزء كبير منها يعود للقطاع العام، متواضعة جداً مقارنة بالسيولة المتداولة والتي يتعامل بها الناس والتجار يوميا!

ولعل القول بأن الهدف هو تجفيف الكاش بالعملة السورية من الأسواق لغاية المحافظة على سعر الصرف وعدم استخدام هذه الأموال في المضاربات أو الاكتناز بالعملات الصعبة..، ليس غريباً ولا مستبعداً، إذ ما الغضاضة في حصر التعامل التجاري وعمليات البيع الضخمة على الأقل بالمصارف أسوة بما يحصل في معظم دول العالم..؟

لقد تأخرنا كثيراً جداً بتقليص التداول النقدي في سورية، وهذا تقصير غير مبرر للحكومات السابقة، فعمليات التجارة وحتى البيع في الفعاليات التجارية الصغيرة أو الكبيرة، يجب أن يتم عبر البطاقات المصرفية لا بالكاش!

وبدلا من الوقوف في طوابير لدفع فواتير الهاتف والكهرباء والمياه أو تسديد الرسوم والضرائب للخدمات المختلفة فإنه يمكن تسديدها من المنزل أو المكتب عبر حسابات مصرفية، ومع ذلك فإن الكثيرين يصرون على دفعها في المراكز الرئيسية لأنهم يعتقدون أنهم سيطَالبون بدفعها مجددا إن لم يحصلوا على وصولات ورقية!!

كذلك الأمر بالنسبة للتسوق أو ارتياد الأماكن السياحية والمطاعم..الخ، يجب أن يتم الدفع والتسديد الكترونياً لا يدوياً !

إن المشاهد التي نراها أمام شركات تحويل الأموال تثير الدهشة والعجب فأصحابها يصرون على التعامل بالكاش بدلا من الأقنية المصرفية المتطورة، وحتى توطين الرواتب فإنها تنتهي بالكاش عبر الصرافات بدلاً من تحويلها لحسابات أصحابها، ومع أنها مبالغ متواضعة فإن بالإمكان صرفها عبر بطاقات مصرفية في صالات السورية للتجارة أو أي محال تجارية، الكترونياً لا يدوياً!

بالمختصر المفيد: آن الأوان لتقليص التعامل بالكاش والانتقال لإنجاز الأعمال التجارية وتسديد الفواتير والرسوم عبر الأقنية المصرفية، وأي انتقاد أو عرقلة لهذا الانتقال التدريجي يخفي الرغبة الشرسة بالتهرب الضريبي لا أكثر ولا أقل!.