دراساتصحيفة البعث

نزعة الناتو الانتحارية

ترجمة: هيفاء علي

تستمر الدعاية الحربية المتعلقة بأوكرانيا في التصاعد مع تزايد مقاطع الفيديو المفبركة والتعليقات التوضيحية المزيفة المشابهة لتلك التي اختلقتها وسائل الإعلام الأمريكية أثناء غزو العراق عام 2003، وخلال الحرب على سورية على مدى 11 عاماً. وقد تحدث عدد كبير من الخبراء والمحلّلين الأمريكيين والأوربيين عن وضع الإمبراطورية الذي بات كارثياً لدرجة أنها اخترعت “وباءً” زائفاً، وفرضت ديكتاتورية حقيقية هي حلف الناتو الذي تمّ اكتشاف ميوله الانتحارية بشكل واضح.

مؤخراً، وضعت روسيا قوتها النووية الرادعة في حالة تأهب قصوى بعد أن وضعت الولايات المتحدة جميع قواتها النووية الاستراتيجية في حالة تأهب قصوى. وهناك معلومات تشير إلى أن نظام المحيط الروسي الذي يرجع تاريخه إلى الحرب الباردة والذي كان يُعتقد أنه معطل منذ عهد يلتسين، لم يعمل فقط بل تمّ تحسينه بشكل كبير، ويمكن لهذا النظام أن يطلق تلقائياً أنظمة إيصال استراتيجية نووية روسية، إذا تمّ الكشف عن هجوم نووي بواسطة شبكة من أجهزة استشعار الزلازل والضوء والنشاط الإشعاعي والضغط الزائد. هذا النظام، المعروف أيضاً باسم “اليد الميتة”، ليس هو الوحيد الذي سيطلق ضربة ثانية، بل سيكمل نظام آلي آخر التدمير المؤكد المتبادل عن طريق إشراك نواقل في المدارات غير المتزامنة والمستقرة بالنسبة إلى الأرض. هذا النظام، قيد التطوير منذ بداية العقد الأول من القرن الحادي والعشرين.

كان الاختصار الإنكليزي للتدمير المتبادل المؤكد، في الأصل، عقيدة عسكرية أمريكية وضعها دونالد برينان من معهد هدسون، إذ غالباً ما كان برينان يمزح حول هذا الاختصار الذي يعني “المجنون” في اللغة الإنكليزية. وبالتالي فإن الوضع يائس للغاية على المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية لدرجة أن ما يُسمّى بالنخب “الغربية” تريد جرّ العالم إلى الانتحار الجماعي بعد عجزهم عن قبول نقلة نوعية لم تعد تضمن هيمنتهم على هذا الكوكب، في أي مكان آخر هي هستيريا رؤية زعيم قوة عظمى يؤكد علناً أن كلّ قوتهم كانت قائمة على الأكاذيب والخداع؟ فقد كشفت قضية جيفري إبشتاين، وهو ملياردير أمريكي أدين منذ عدة أعوام بتهمة الاعتداء الجنسي على الأطفال، وكان معروفاً في أوساط النخبة على أنه مموّل ونشط في مجال الأعمال الخيرية، النقاب عن أن هياكل السلطة المخفية داخل الإمبراطورية قد اهتزت بشدة، ومن ثم جاءت حلقة وباء كورونا لتحمي من غرق النظام الذي كان متماسكاً من خلال الخداع والأكاذيب. فالنظام المالي الدولي في مأزق تام لأسباب طويلة بعد انهيار العالم القديم، ولن يكون شيئاً كما كان من قبل.

إن خيبة الأمل لدى البعض هي أكثر إيلاماً، لأن هذا النظام المعادي للتاريخ وغير الطبيعي قدّم نفسه بمساعدة آلة دعاية عالمية باعتباره بطل الحريات والقيم الإنسانية، بينما لا تزال النخب الحاكمة الفاسدة مخمورة بأكاذيبها ورواياتها الملفقة عن الواقع وكتاباتها الخاصة للتاريخ. في حالة الإمبراطورية، هناك حصة في مخطط “بونزي”، وهو نظام بيع هرمي وشكل من أشكال الاحتيال والنصب، ذو أبعاد فلكية يعتمد جزئياً على إملاءات البنوك المركزية والقدرة المطلقة للمطابع مع هيمنة الدولار.

ما حدث في أوكرانيا هو نتيجة منطقية لإخفاق وهزيمة الغرب في سورية، وبالتالي بات مؤكداً أن الدور سيأتي لاستهداف روسيا تحت دلالات مضللة تهدف فقط إلى تدمير روسيا كقوة تتحدى النظام. وانطلاقاً من سورية، فإن آليات الإمبراطورية، التي يعتمد اقتصادها على الحروب الإنسانية، لا يعوقها فقط مجرد وجود القوة الروسية الحالية التي لم تدّعي أبداً أنها نموذج للفضيلة أو تتطلع إلى أي دعوة مسيحية، بل يعنيها بشكل غير مباشر استراتيجية الصين الاقتصادية طويلة المدى، وسواء كانت الغطرسة الإمبراطورية أو اللعنة الإلهية، فإن استراتيجيي الإمبراطورية متوهمون بأنهم يستطيعون الانتصار في حرب نووية عالمية وبالتالي استعادة أوهامهم المفقودة!.