ثقافةصحيفة البعث

“لقمة عيش” تقلب الطّاولة على عناصر المسرح وتنبش الشّوق لمهرجان دمشق

تثيرُ خشبة المسرح الخاوية من أي ديكور الخوف والقلق لدى مسرحيين وبعض الجمهور، كما تحفّز خيال بعضهم الآخر على التّفكير بعرض مسرحي مميّز، أدواته الممثلون فقط لا غير. هذا بالضّبط ما أحدثه العرض القادم من سلطنة عمان الحبّ والجمال “لقمة عيش” لفرقة مسرح الدن للثقافة والفن، وكأنّه يقول إنّ الدّيكور ليس عنصراً مهماً في العرض المسرحي بل تحصيل حاصل، وأنّ الممثل هو كلّ شيء على الخشبة.

موضوع العرض -تأليف جمال صقر- يشبه مواضيع حياتنا اليومية السّورية، إذ يتحدّث عن شاب “رمضان” يقبض راتبه الشّهري ويعود إلى منزله ليوزّعه على الفواتير، فلا يبقى منه شيء ليجهّز لعرسه سوى ثمن “لقمة عيش” الضّيافة، فيذهب إلى السّوق ويشتري أكياس أرز منتهية الصّلاحية تؤدّي إلى وفاة بعض من أكل منها وتسمّم البعض الآخر. يعاتب الأب ابنه ويطلب منه أن يتقدّم بشكوى لقسم الشّرطة الذي يطلب منه التّوجّه إلى الوزارة المعنية، فهذه الشّكوى ليست من صلاحياته أو اختصاصاته، وهذا ما يحصل، يجول على كلّ الوزارات وكلّ منها تقول إنّ الشّكوى ليست من اختصاصها، ليستدلّ في النّهاية على رجل دين فاسد يتحضّر للمشاركة في الانتخابات المحلية، فيشتري الأصوات ومن ضمنها صوت “رمضان” الذي كان لديه أمل في أن يساعده باستعادة حقّه، لكنّه وفور فوزه بالانتخابات ينسى كلّ الوعود، ليتبيّن لاحقاً أنّ هذا الرّجل هو من يبيع الأرز المنتهي الصّلاحية للنّاس الفقراء. والسّؤال المطروح هنا: هل حقّاً يعاني العمانيون ما نعانيه من بطاقة ذكية وخبز وغاز، أم أنّ النّص عُدّل ليناسب الجمهور المستهدف؟ في الحقيقة أيّاً يكن الواقع فقد وصلت الفكرة بكلّ سلاسة وتجانس ومحبّة أيضاً، وهي فكرة يصحّ إسقاطها بمجملها أو بجزئياتها على كلّ البلاد العربية في ظلّ الظّروف الرّاهنة.

يعتمد المخرج محمد سعيد الرّواحي في هذا العرض على ستة ممثلين هم: سالم بن هلال الرّواحي، وأحمد بن سعيد الرّواحي، ووليد بن سالم الدّرعي، وأحمد بن راشد الصّالحي، وهيثم بن سيف المعولي، وخميس بن سليمان البرام. ويؤدّي الممثلون السّتة شخصيّات مختلفة من ضمنها الأنثوية، يشكّلون مشاهد ويهدمون أخرى، فهم أسرة “رمضان” الشّاب الذي يأخذ راتبه أوّل الشّهر ويوزّعه على الفواتير ليأخذ كلّ ممثل دور فاتورة منها، فأحدهم يمثّل دور فاتورة الكهرباء، ونراه يتقدّم ليحصل على حصّته وكأنّ ماساً كهربائياً أصابه، أمّا فاتورة الإنترنت فيتقدّم الممثّل ببطء شديد ليحصل على مبلغ من المال لا يناسب سرعته، وفي مكان آخر هم المطبّات في الشّارع الذي يتجوّل فيه “رمضان” بسيّارته، وهم القطّة المدهوسة والشّرطة، وضيوف أهل العريس والشّيخ والمنتخبون والإناث على قلّة وجودهن، وهم الفرقة الرّاقصة والكتلة المتحوّلة دائماً من كرسي إلى برج، وفي بعض المشاهد هم المغنّون والعازفون بأصواتهم، هذا بمجمله يخالف رأياً من آراء نقديّة يقول بأنّ العرض المسرحي لا ينجح من دون وجود ممثّلات أو ممثّلين جاذبين أو معروفين بالنّسبة للجمهور، ليس هذا فحسب بل كان التّخوف من عرض قد لا يفهمه من لا يعرف اللهجة العمانية أو لم يعتد على سماعها تلفزيونياً أو إذاعياً، لكنّهم أيضاً تجاوزوا الأمر فكانت لهجتهم قريبةً نوعاً ما من لهجة بعض المناطق السّورية مع وجود مفردات قليلة ليست معروفة أو متداولة لدينا وغير مستخدمة. لهجة ولغة حوار تفاعل معها الجمهور ضحكاً وتصفيقاً واستمتاعاً وتشجيعاً أيضاً، وكأنّهم يقولون إنّ المسرح كما الموسيقى لغةٌ يفهمها الجميع، لذلك لم تكن الموسيقى العمانية غائبة عن هكذا عرض منذ بدايته، طبعاً مع ترافق بعض المشاهد بأغان خاصّة فيه من ألحان زياد بن عبد الله الحربي وتوزيع رائد الفارسي وغناء وتسجيل محمد المنجي بوجود عازف العود نبراس الملاهي.

بترحيبٍ ومحبةٍ لاقى المعنيون والجمهور العرض المسرحي العربي الأوّل في دمشق، بعد سنوات الحرب الطّويلة التي أغلقت الأبواب في وجه المسرح الخارج منها والقادم إليها، وبكثير من الشّوق استعاد الجميع أيام مهرجان دمشق المسرحي وتمنّى أن يعود إلى أفضل ممّا كان عليه.

يُذكر أنّ “لقمة عيش” يقدّم منذ خمس سنوات، وحاصل على العديد من الجوائز المحلية والعربية، منها جائزتا التّميز لأفضل عرض جماعي وجائزة أفضل مخرج ضمن المسابقة الرّسمية للدّورة الثّالثة عشرة من مهرجان “اوال المسرحي” في مملكة البحرين عام 2020، وجوائز أفضل عرض عربي متكامل أوّل وأفضل مخرج وأفضل ممثل ثانٍ مناصفةً للممثل أحمد سعيد الرواحي ضمن المسابقة الرّسمية لمهرجان “الرّستاق العربي للمسرح الكوميدي” الدّورة الثّانية- دورة الفنّان الرّاحل سالم بهوان. كما حصل العرض على جائزتي أفضل ممثل ثانٍ للممثل أحمد بن سعيد الرواحي وأفضل أداء جماعي ضمن المسابقة الرّسمية لمهرجان “شرم الشّيخ الدّولي لمسرح الشباب” عام 2018، وفي مهرجان “الكويت لمسرح الشّباب العربي 2017” حصل العرض على جائزتين، الأولى: عن أفضل ممثل ثانٍ للممثّل أحمد سعيد الرّواحي، والثّانية: تقديرية وتكريمية من لجنة التّحكيم للممثّل سالم بن هلال الرّواحي، وغيرها من الجوائز ضمن منافسات مسابقة إبداعات شبابية على مستوى السّلطنة الذي نظّمته وزارة الشّؤون الرّياضية عام 2017م، ومنافسات مسابقة إبداعات شبابية على مستوى محافظة الدّاخلية الذي نظّمته وزارة الشّؤون الرّياضية عام 2017م.

نجوى صليبه