مجلة البعث الأسبوعية

فصل الرياضة عن السياسة … شعار بعيد عن التطبيق في المفاهيم الغربية

البعث الأسبوعيّة-سامر الخيّر

تحرك الاتحاد الأوروبي لكرة القدم “يويفا” ضدّ أهم المبادئ الرياضيّة والتي تنادي بها كل المنظمات الرياضيّة على مدى عقود، فصل السياسة عن الرياضة، وذلك عندما قرر نقل نهائي دوري أبطال أوروبا للموسم الحالي من مدينة سان بطرسبرغ الروسية إلى العاصمة الفرنسية باريس، وتحديداً في ملعب “ستاد دو فرانس” يوم 28 أيار المقبل، كما أعلن أن الأندية الروسية والأوكرانية والمنتخبات الوطنية لكلا البلدين التي تتنافس في المسابقات الأوروبية ستخوض مبارياتها في أراضي محايدة حتى إشعار آخر، قرار أشعل الكثير من الانتقادات وأعاد إلى الذاكرة العديد من الحوادث التي شوهت معاني الرياضة بالتدخلات السياسيّة، فهل فصل السياسة عن الرياضة مجرد شعار؟ أم يمكن أن يصبح حقيقة يوماً ما؟.

الكثير من المحطات شكل فيها التأثير السياسي تحولاً جذرياً في الحياة الرياضيّة سيما كرة القدم، رغم التأكيد بضرورة عدم تدخل السياسة والسياسيين في الرياضات الشعبية، وسن الاتحاد الدولي لكرة القدم “فيفا” العديد من القوانين التي تمنع تأثير تدخل حكومات البلدان في اختيارات وقرارات الاتحادات المحلية، والتي تصل عقوباتها حال ثبوتها إلى الإيقاف على المستوى الدولي كما حصل في مواقف كثيرة.

ففي عام 2019 تأزمت العلاقة بين إقليم كاتالونيا والحكومة الإسبانية، على خلفية رغبة الأول بالإنفصال عن إسبانيا، وقتها استضاف الإقليم مباراة الكلاسيكو بين الغريمين التاريخيين ريال مدريد وبرشلونة، ورغم الاحتياطات الأمنية الكبرى في مقاطعة كتالونيا في محاولة للنأي بمباراة الكلاسيكو عن الاحتجاجات الانفصالية، فإن تلك المحاولات باءت كلها بالفشل لأن السياسة لم تكن مطلقاً خارج التنافس بينهما، فالعداء السياسي قائم بين الإقليم والعاصمة منذ عقود طويلة وكانت الرياضة والملاعب إحدى جبهات هذا التنافس منذ حكم الجنرال فرنكو الذي عرف بمناصرته للريال وإخضاعه للدعاية لحكمه.

مثال آخر، ما حدث مع الجناح الطائر الهولندي الراحل يوهان كرويف وموقف من الانقلاب العسكري الذي قاده الجنرال خورخي فيديلا في الأرجنتين والذي كلفه الغياب عن مونديال 1978 وهو في قمة عطائه ونجوميته، فقد افتقدت الطواحين الهولندية أحد مفاتيح النجاح للفوز بكأس العالم أمام البلد المنظم للمرة الثانية على التوالي بعد خسارته نهائي 1974 ضد البلد المنظم أيضاً ألمانيا الغربية آنذاك، ومثله وقف الأسطورة الأرجنتينية دييغو مارادونا كصديق لزعماء اليسار في أمريكا اللاتينية والمناهضين للإمبريالية الأمريكية، أمثال هوغو تشافيز وفيدال كاسترو وإيفو موراليس نيكولاس مادورو.

ودائماً مع حوادث كرة القدم، في عام 1988 احتفل الهولنديون بشكل هستيري بفوز منتخبهم التاريخي ضد ألمانيا في نصف نهائي أمم أوروبا على أرض الأخيرة، وقاموا بإلقاء دراجاتهم في الهواء صارخين “لقد استرجعنا دراجاتنا” في تذكير بأكبر سرقة دراجات هوائية ارتكبها الألمان حينما صادروا جميع الدراجات الخاصة بالهولنديين أثناء الاحتلال النازي.

ولا ننسى ما يحدث بشكل سنوي تقريباً في ديربي غلاسكو الشهير في اسكتلندا بين سيلتيك ورينجرز، الذي يعرف الكثير من حوادث العنف بسبب الاختلاف الطائفي بين الفريقين، ومناصرة جماهير سيلتيك لأغلب الأحزاب اليسارية والحركات التحررية حول العالم.

والغريب أن الفيفا تمنع اللاعبين والمدربين من ارتداء أي دلالات سياسية، والعديد من مشجعي كرة القدم يتبنون وجهة النظر هذه  كونها ترسم صورة نقية لكرة القدم كرياضة جميلة لا تتأثر بما حولها من شوائب، لكن الحقيقة أن كرة القدم تلعب دور المرآة لتعكس ما حولها من اضطرابات سياسية واجتماعية، ما يثبت عكس ما تدعيه الفيفا والاتحادات الكروية من فصل غير واقعي لعلاقة الترابط بين الكرة والسياسة، لتتحول الساحرة المستديرة لأحد أذرع الدبلوماسية الدولية لفض النزاعات السياسية.

وكنا قد تحدثنا في أعداد سابقة عن صراع المعسكرات والمقاطعة الواسعة من قبل دول الكتلة الليبرالية لأولمبياد موسكو عام 1980، وبالمثل قاطع الاتحاد السوفياتي الدورة التالية للألعاب الأولمبية في لوس أنجلس الأمريكية عام 1984.

اللجنة الأولمبية الدولية ومعها باقي الاتحادات الدولية من المفترض أن تضع قيود على طريقة التعبير عن الانتماء للمنتخبات في المسابقات والبطولات الدولية، وضمان عدم تأثير الساسة على قرارات الاتحادات، حتى تبقى المثل الرياضية ورسالتها مترفعةً عن المصالح الشخصية، وأن توجد جسور تواصل بين الشعوب لا أن تكون سبباً جديداً من أسباب الخصام والتعصب الأعمى.

وبالعودة إلى أزمة الرياضة الروسيّة استطاع الاتحاد الدولي لكرة الطائرة “فيبا” اختراق أجواء المقاطعة التي تحاول الدول الأوروبية وأمريكا إيقاع روسيا فيها، من خلال التأكيد على إقامة بطولتي العالم في الكرة الطائرة والكرة الشاطئية للرجال فهو لا يجد سبباً مقنعاً لنقلها من روسيا والتي من المفترض إقامتهما في عشر مدن عبر روسيا ابتداء من 26 آب وحتى 11  أيلول سبتمبر العام الجاري.

هذا القرار يعطي فرصةً وأملاً كبيرين لكل من ينادي بفصل السياسة عن الرياضة، فإذا كانت إجراءات السلامة كافةً مضمونة والحضور يحترم البطولة المقامة، فلا مانع من إقامة الحدث، وهذا ما يجب أن يقتدي به الاتحاد الدولي لكرة القدم، وليس كما فعل إذا قرر فرض خوض روسيا لمبارياتها تحت راية محايدة، ولعب مبارياتها البيتية خارج قواعدها، كما سيتم حظر النشيد والعلم الروسيين من المنافسات الدولية مع التهديد بمزيد من العقوبات كالاستبعاد المحتمل من المسابقات وأهما مونديال قطر.

وسيؤثر القرار بشكل مباشر على مباريات الملحق المؤهل لكأس العالم في نهاية الشهر المقبل، لأن بولندا التي ستواجه روسيا في 24 الحالي في نصف نهائي المسار الثالث الذي يضم السويد وتشيكيا، حذرت من أنها سترفض خوض المباراة، وأصدرت اتحادات بولندا والسويد وتشيكيا بيانات صحافية ترفض فيها مواجهة روسيا في الملحق القاري، ورغم عدم تواجدها في الملحق قررت انكلترا عدم الدخول في أي منافسة مع منتخب أو أندية روسيا.