دراساتصحيفة البعث

ثمن تصعيد الأزمة الأوكرانية

ترجمة: هناء شروف

بعد 30 عاماً، وصلت روسيا إلى الإحباط وحتى الانزعاج من التوسّع المستمر لحلف الناتو شرقاً، والجهود المستمرة لزعزعة استقرار الدول  المحيطة بها. ومنذ وصول بوتين إلى الكرملين تعافت روسيا وتجاوزت الركود الاقتصادي، وارتفاع معدلات الوفيات في حقبة بوريس يلتسين الكارثية. اليوم روسيا هي قوة عالمية مصدّرة للغذاء، وتوفر 30 في المائة من إجمالي صادرات الحبوب لإطعام العالم، بما في ذلك مصر وإندونيسيا.

لا يزال الشعب الروسي، على الرغم من العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة وبعض الدول الغربية الأخرى على موسكو في عام 2014، يتمتّع بمستوى معيشي مرتفع، حيث تمتلك روسيا ما لا يقلّ عن 620 مليار دولار من احتياطيات النقد الأجنبي. وبعيداً عن ترفيه الشعب الروسي، يعتقد الكثيرون أن سياسات بوتين قد رفعتهم إلى أعلى مستويات المعيشة في تاريخهم.

من المؤكد أن العقوبات الاقتصادية بشأن الصراع في أوكرانيا ستؤذي روسيا، لكنها ستضرّ الغرب وخاصة الولايات المتحدة وألمانيا أكثر من ذلك بكثير، لأن العقوبات المالية التي فرضها زعماء الولايات على روسيا ستسبّب بالتأكيد مشكلات قصيرة المدى لموسكو، لأن لدى روسيا الاكتفاء الذاتي في الغذاء والطاقة، ولديها ما يكفي من احتياطيات النقد الأجنبي، لذلك فهي في وضع أفضل بكثير للخروج من المواجهة الاقتصادية من الولايات المتحدة أو الاتحاد الأوروبي.

ستكون ألمانيا الضحية الاقتصادية الأولى للقرار الذي أصرّت عليه الولايات المتحدة، والقاضي بوقف مشروع خط أنابيب “نورد ستريم 2″، وبالتالي ستخلق اضطرابات سياسية. وعلى الرغم من عدم وجود أي خطر متوقع من إحياء النازية في ألمانيا، إلا أن أجهزة المخابرات الأمريكية والمتعاقدين من القطاع الخاص يعملون بجد على بناء أخطر حركة نازية صريحة منذ سحق الرايخ الثالث لأدولف هتلر، ويبدو أنهم يفعلون ذلك في أوكرانيا وليس في ألمانيا.

يكمن السبب الأساسي للأزمة الأوكرانية في سياسة الولايات المتحدة المتمثلة في توسيع الناتو، وسلسلة الأنظمة الفوضوية المروّضة شرقاً إلى أوراسيا، أي إشعال “الثورات الملونة” في روسيا، وهو ما قرأه جيداً الرئيس الروسي، ولهذا السبب وضع بوتين بدعم من مجلس الدوما والجيش خطاً لوقف هذه العملية.

من هنا، فإن مسار العمل العقلاني لإدارة جو بايدن سيكون عبر منح روسيا التعهد المعقول الذي سعت إليه منذ فترة طويلة بعدم توسيع الناتو مرة أخرى، وبشأن الحياد الدائم لأوكرانيا، تأكيداً على ما قام به إثنان من رؤساء الولايات المتحدة المتعاقبين رونالد ريغان وجورج بوش بتقديم هذه الالتزامات لموسكو في 1990- 1991.

ومع ذلك، يبدو من المرجّح أن يواصل الرئيس الأمريكي بايدن ووزير الخارجية أنطوني بلينكين ومستشار الأمن القومي جيك سوليفان سياسة المواجهة الحالية مستبعدين أية تسوية عاقلة. ويبدو أن الثلاثة يصدقون كل ما قالته المحافظة الجديدة فيكتوريا نولاند، وكيل وزارة الخارجية الأمريكية للشؤون السياسية،  التي أكدت أنها وزعت ملفات تعريف الارتباط في شوارع العاصمة الأوكرانية كييف على العصابات العنيفة والقتلة خلال “ثورة الميدان” عام 2014 والتي أطاحت بحكومة أوكرانيا المنتخبة ديمقراطياً.

منذ ذلك الحين، انهار الاقتصاد الأوكراني الضعيف، وهناك خطر حقيقي يتمثل في أن تواجه أوكرانيا مجاعة وفوضى في الأشهر المقبلة، ومن المفارقات أن تكون مناطق الصراع بمعزل عن مثل هذه التطورات المخيفة.

قبل قرن من الزمان، عانت أوكرانيا من أهوال الفرسان الأربعة -الحرب والمجاعة والبشر المفترض أنهم وحوش مفترسة والطاعون- والتي أودت بحياة الملايين من عام 1914 إلى عام 1945، لكن ستكون هذه الحرب هي الأشد قسوة والأكثر ترويعاً.