مجلة البعث الأسبوعية

ماذا يقول القانون الدولي في أحداث روسيا والناتو ؟

د. مهدي دخل الله

كيف يمكن قراءة ما يحدث في أوراسيا من وجهة نظر القانون الدولي ، بغض النظر عن المواقف السياسية المؤيدة لروسيا أو للناتو ؟؟ لاشك في أنه سؤال ضروري كي تكون الصورة واضحة بما يعزز عملية التقييم الموضوعي ..

وقد يستند بعض المعارضين للعملية الروسية إلى مبدأ السيادات المتساوية الذي يمنع أي دولة من اختراق حدود دولة أخرى وسيادتها . لكن هذا المبدأ نفسه يعطي الحق لأي دولة تعرضت للعدوان بأن تطلب الدعم بجميع أشكاله من دولة أخرى . ولقد تعرضت جمهوريتا دونيتسك ولوغانسك إلى عدوان واضح من الجيش الأكراني ، فطلبتا الدعم من روسيا لحماية استقلالهما وسيادتهما , وهذا حق يؤكده القانون الدولي .

المسألة ليست انتهاك سيادة أكرانيا من قبل روسيا ، وإنما هي دعم للجمهوريتين اللتين انتهكت سيادتهما . وقد أكد بوتين في كلمته ، يوم 24 شباط الفائت ، أن شعب الجمهوريتين ( منطقة دونباس ) يتعرض لحرب إبادة جماعية ممن أسماهم ” النازيين الجدد ” في أكرانيا ، وأنه يحق لشعوب أكرانيا تقرير المصير . انتهاك السيادة ، الذي هو سبب الحرب ، جاء من قبل أكرانيا ، وهذا واضح بغض النظر عن الشحن الإعلامي الأمريكي والأوروبي ضد روسيا .

الأمر الثاني هو الحق السيادي لأكرانيا بالانتماء لأي تجمع عسكري وسياسي تريده ( الناتو ) ، وإن هذا حقها في القانون الدولي . الصورة هنا أيضاً مشوشة لأن ما هو أعلى من السيادة، الاتفاقات الدولية التي توقعها الدول وفق سيادتها التامة . ذلك لأن التعهد السيادي تجاه الغير أقوى من السيادة المطلقة لأنه يتضمنها . على سبيل المثال ، إذا تعهد شخص لآخر ألا يعتدي عليه فإن هذا التعهد أقوى ، قانونياً ، من الحرية المطلقة لهذا الشخص بأن يتعدى متى شاء وكيفما شاء . إنه المنطق والقانون ، دائماً يكون الالتزام أقوى من الإرادة المطلقة .

ويؤكد القانون الدولي على احترام تعهدات الدول تجاه بعضها ثنائياً أو جماعياً ، فعلى سبيل المثال يدافع حلف الناتو عن أي عضو فيه يتعرض للعدوان، ولا يعد هذا انتهاكاً لسيادة ذاك العضو، لأنه تطبيق لالتزام مشترك .

ومن المعروف أن منظمة الأمن والتعاون الأوروبي ( مؤتمر هلسنكي سابقاً ) قد ناقشت موضوع الضمانات الأمنية ، حيث تعهد جميع الأعضاء ، بما فيهم روسيا وأوكرانيا ودول أوروبا وأمريكا وكندا ، بعدم القيام بأي إجراء من أي دولة يهدد أمن دولة أخرى . وثيقتا إستنبول 1999 وأستانا 2010 أكدتا أن الدول الأعضاء ستحترم الأمن المشترك والشامل . إن محاولة ضم أوكرانيا للناتو هي انتهاك لهذا التعهد ، ناهيك عن خطة تزويد أوكرانيا بالسلاح النووي ، وفيه تهديد مباشر لأمن روسيا ..