تحقيقاتصحيفة البعث

باحثون يطالبون بدعم استخدام الزراعة الحافظة لتخفيف الكلفة وزيادة الإنتاج وحفاظاً على النظم البيئية الطبيعية

نتيجة للحاجة الماسّة لتكثيف الإنتاج الزراعي تنتشر مجموعة من الطرق الزراعية التقليدية، كاعتماد التكثيف الزراعي عبر الفلاحة المكثفة والمتكررة للأرض، وزيادة معدلات الأسمدة المعدنية المضافة، مع زراعة البذار المُحسّن عالي النوعية، إضافة لاستعمال كميات أكبر من مبيدات الآفات، بشكل مترافق مع ضخ كميات أكبر من مياه الري تحت ظروف الزراعة المروية، أو مع تطبيق الري التكميلي تحت ظروف الزراعة البعلية، وبالنظر إلى الظروف الحالية في القطر فإنها تعتبر عمليات مكلفة اقتصادياً نظراً لارتفاع أسعار مدخلات الإنتاج الزراعي والوقود، أما الوجه السلبي الأهم فيكمن في خطر إلحاق الضرر بالنظم البيئية الزراعية، وأمام تلك التحديات يزداد التفكير بتغيير تلك الطرق والعمليات التقليدية واتباع طرق أكثر استدامة وفي الوقت نفسه تتمتّع بميزات صديقة للبيئة.

آثار خطيرة

الدكتور المهندس بسام إبراهيم السيد عضو لجنة تطوير واقع سهل الغاب تحدث عن خطورة الحراثة المكثفة للتربة، والرعي المستمر لبقايا المحاصيل الزراعية، وإزالة بقايا المحاصيل النباتية من سطح التربة، والتي بمجملها تسبّب تراجعاً كبيراً في خصوبة التربة، وتدهور الخواص الهيدروفيزيائية للتربة مع قلة المادة العضوية، إضافة لتخفيض محتوى التربة من العناصر الغذائية بشكل يؤثر سلباً على كفاءة استخدام المياه وانتشار الجذور في التربة وقدرتها على امتصاص المياه والعناصر الغذائية، مشيراً إلى أهمية رطوبة التربة التي تعتبر عاملاً محدداً لإنبات المحاصيل الحقلية ونموها وإنتاجها، وخاصة في المناطق ذات الهطول المطري المنخفض وفي حالة الزراعة البعلية.

حل ملائم

وأشار السيد إلى ضرورة تغيير أنماط الزراعة السائدة، وتطبيق تقانات تهدف إلى الحدّ من المشكلات السابقة التي تؤدي إلى تدهور خواص التربة وتدني الإنتاج كماً ونوعاً، ولمواجهة هذه التغيّرات يمكن استخدام أنظمة الحراثة المنخفضة، والحراثة الصفرية “اللاحراثة” والتي تُسمّى حالياً الزراعة الحافظة عبر متبقيات المحصول السابق، وتأمين غطاء دائم للتربة باستخدام مخلفات المحصول السابق، ومن خلال تطبيق الدورة الزراعية المعتمدة على الحبوب والبقوليات.

واعتبر عضو اللجنة أن المضي في تطبيق نظام الزراعة الحافظة هو الحلّ الأمثل لتحسين إنتاجية محاصيل الحبوب الصغيرة كالقمح والشعير، وخصائص التربة من المشاريع التنموية الملحة، إذ يتعرّض الإنتاج في الزراعة المضطربة لتقلبات حادة بسبب اختلاف كميات الأمطار وتوزّعها، وتقلبات درجة الحرارة خلال موسم النمو من سنة لأخرى.

مميزات

وتابع السيد أن الهدف الأساسي من استخدام هذه النظم هو المحافظة على التربة الزراعية من التعرية والانجرافات، وتقليل فقدان ماء التربة وزيادة كفاءة استخدامها، والمحافظة على رطوبتها، حيث بلغ الفارق بالمدخر الرطوبي في الطبقة السطحية 0-30 سم نحو 5-10 ملم، وهذا أثّر على نسبة الإنبات والنمو لاحقاً، كما زادت كفاءة المياه في نظم الحراثة المخفضة، حيث بلغ الاستهلاك المائي لإنتاج وحدة الإنتاج من القمح بعد الذرة نحو 966,10 م3/طن حبوب في الحراثة التقليدية مقابل 896,70 م3/طن حبوب، أيضاً زادت إنتاجية المحصول بالمتوسط لعدة سنوات بمقدار تراوح بين 150-180كغ/هكتار في حقول القمح بعد البرسيم، ووصل إلى 280كغ/هكتار، وفي حقول القمح بعد الذرة بالمتوسط لـ9 سنوات بلغ 530 كغ/هكتار، ووفقاً لتجارب عديدة ترفع الزراعة الحافظة الإنتاجية بنسبة مقدارها 10 إلى 15% مقارنة بالزراعة التقليدية، كما أشار عضو اللجنة للتأثير الملحوظ لنظام الحراثة على محتوى التربة من الرطوبة بعد الإنبات وفي الربيع أيضاً.

متطلبات أساسية

ووفقاً للدكتور السيد يتطلّب نظام هذه الزراعة تدريب المزارعين على استخدام التقانات، والتطبيق على مستوى الحقل بأنفسهم، وتشجيعهم على المشاركة في الحقول الإيضاحية لضمان نشر وتبني نظام هذه الزراعة، إضافة لتقدیم الدعم المادي والمعنوي للوحدات الإرشادية وتأهيلهم في مجال نشر هذه الزراعة، مؤكداً أهمية تعزيز الصناعة المحلیة لآلات البذر المباشر وزيادة عدد الآلات الزراعية وفق المساحات المستهدفة.

تراكم الممارسات الخاطئة

الدكتور أيمن الشحاذه العودة رئيس برنامج الزراعة الحافظة في المركز العربي لدراسات المناطق الجافة والأراضي القاحلة “أكساد” بيّن أن تأمين الاحتياجات السكانية المتزايدة في سورية من الغذاء والكساء اقتضى ضرورة العمل على زيادة متوسط إنتاجية الأنواع المحصولية الحبية كالقمح والشعير والذرة الصفراء والذرة البيضاء، والبقولية كالحمص والعدس والبازلاء والبيقية في وحدة المساحة من الأرض، وذلك بسبب صعوبة التوسّع الأفقي نتيجة محدودية الأراضي الصالحة للزراعة بسبب التملح، إضافة لقلة الموارد المائية العذبة السطحية والجوفية المترافقة مع تراجع معدّلات الهطل المطري السنوي، وتذبذب الأمطار عبر المواسم بشكل لا يلبي احتياجات النباتات المائية خلال مختلف مراحل النمو، ولاسيما خلال المراحل المتقدمة الحرجة كمرحلتي الإزهار وامتلاء الحبوب، المُحدّدة لغلة الأنواع المحصولية المزروعة الاقتصادية.

ضرورة تحسين الإنتاج

وأشار رئيس البرنامج إلى ضرورة اعتماد المزارعين على طرق الإنتاج الزراعي المستدامة والمنتجة والمربحة والأقل استنفاداً للموارد الطبيعية كالتربة والمياه، والأكثر حفاظاً على النظم البيئية الزراعية والطبيعية، حيث يتمثل الحلّ الأساسي بتطبيق نظام الزراعة الحافظة وتأمين متطلباته، للاستفادة من ميزاتها العديدة، سواء على القطاع الزراعي أو في تحسين إنتاجية المياه ونوعيتها، والمحافظة على البيئة من خلال تقليل معدل انبعاث غازات الصوب الزجاجية، وتقليل كميات الوقود المستهلكة، حيث يصبّ ذلك كله في تحسين إنتاجية الأنواع المحصولية المزروعة، وتقليل الفجوة الإنتاجية وزيادة دخل المزارع.

جدوى اقتصادية

ولفت العودة إلى أن الزراعة الحافظة تحتاج بدلاً من تحضير الأرض وفلاحتها فتح شق ضيق على شكل خندق أو شريط بعرض وعمق كافيين فقط لوضع الأسمدة والبذار وتغطيتهما بشكلٍ ملائم، وقد انتشرت هذه التقانة عالمياً حيث قُدّرت مساحة الأراضي التي طبقت عليها بنحو 180 مليون هكتار، أما في سورية فقد وصلت المساحة المزروعة وفق نظام الزراعة الحافظة مع نهاية عام 2015 إلى قرابة 40 ألف هكتار، تركزت بشكل رئيسي في المنطقة الشمالية الشرقية والمنطقة الجنوبية والمنطقة الوسطى، وخلال تجارب تلك الزراعة في سورية ارتفعت إنتاجية المحاصيل المستهدفة في كافة المحافظات بشكل تدريجي متزايد منذ العام 2007 وحتى العام 2015 حيث بلغت 23,36% في محصول القمح، كما ارتفعت بمعدل 25,12 في محصول الشعير، وبمعدل 17,90 في محصول العدس، مما يعني زيادة نسبة مخرجات الإنتاج الزراعي إلى مدخلاته.

ووفقاً لرئيس البرنامج فقد أدّى تطبيق نظام الزراعة الحافظة في محصول القمح تحت ظروف الزراعة المطرية، ضمن دورة زراعية مع المحاصيل البقولية الحمص والعدس والبيقية مع مراعاة ترك قرابة 30– 50% من بقايا المحصول فوق سطح التربة إلى تقليل تكاليف الإنتاج الزراعي بنحو 20,12%، وزيادة الإنتاجية بنحو 23,36%، مع تقليل كمية الوقود المستهلكة بنحو 43%، إضافة لتقليل عدد ساعات العمل بنحو 32%، مع تخفيض كمية البذار المزروعة بنحو 17,7%، حيث كلّل ذلك بزيادة الإيرادات بنحو 12,8% والربح بنحو 33%، حيث تعبّر هذه النتائج بشكلٍ لا لبس فيه عن الجدوى الاقتصادية من تطبيق نظام الزراعة الحافظة.

تحذير!

وحذّر الدكتور العودة من مساوئ الاستمرار في ممارسات الزراعة التقليدية كفلاحة الأرض وتجريدها من بقايا المحصول، ومن أهمها انخفاض إنتاجية الأنواع النباتية المزروعة وتباين الإنتاجية عبر المواسم، كما أن بقاء المزارعين وعائلاتهم في المزرعة مهدّد باستمرار بسبب تردي الإنتاجية وانخفاض هامش الربح، إضافة لذلك تتسم نظم الإنتاج الزراعي التقليدية بالفاقة والعوز، واستفحال مظاهر هجرة الشباب إلى المدينة بشكل يزيد نسبة التجمعات السكانية الهامشية والعشوائية وما تعانيه من خلل اجتماعي.

بالمختصر، إن تبني الزراعة الحافظة في سورية أثبت نجاحه، لذا علينا المتابعة بالتوعية والنشر لهذا النمط ضمن سياساتنا الزراعية والاقتصادية بغية رفع الإنتاجية وتحقيق أكبر عائد اقتصادي، وإعادة ربط الفلاح بالأرض وتوسيع قطاع العمل في الزراعة والاعتماد عليه لتحقيق الأمن الاقتصادي الذي تزداد تهديداته مع كل متغيّر داخلي أو خارجي.

بشار محي الدين المحمد