مجلة البعث الأسبوعية

الزيت النباتي ” بح” في رفوف المحال و”بحبوحة” في المستودعات

البعث الأسبوعية – ميس بركات

على وقع طبول الحرب الأوكرانية ارتفعت أسعار جميع السلع وعلى رأسها الزيوت النباتية التي  دخلت في سباق مع أسعار الذهب، لتشهد الأسواق السورية هذه الأيام بورصة حقيقية لأسعار الزيوت التي فقدتها رفوف المحال التجارية في حين امتلأت بها مستودعات التجار ممن احتكروها مع بدء الحرب، إذ تكرر السيناريو ذاته في الاحتكار والفقدان ومن ثم طرح المادة بأضعاف مضاعفة لسعرها الحقيقي، وعلى الرغم من توجه “حماة المستهلك” لتنظيم الضبوط بالمستودعات المتُخمة بالزيت والمحال المتلاعبة بالأسعار والتي لم تسلم محافظة منها إلّا أن مشهد غياب الزيت وغيره من المواد الأساسية لسلّة غذاء المواطن السوري لا زال سيّد الموقف، وسط غياب ثقافة الشكوى عند المواطن نتيجة قلّة ثقتهم بالإجراءات المتخذّة من قبل الجهات المعنية من جهة وعدم جدوى أي إجراء متخذّ مع التجار ممن اعتادوا إيجاد مخارج ملتوية لهم في كل مأزق من جهة أخرى.

تصاعد يومي

لم تلبث الحكومة إنهاء إجتماعها الاستثنائي للتأهب لانعكاسات الحرب الروسية الأوكرانية على الاقتصاد السوري حتى وقف تجار الأزمات باستعداد وآذان صاغية وخطط “حرفية” لملء الجيوب أكثر على مبدأ “مصائب قوم عند قوم فوائد”، ولأن الزيت النباتي والسكر والسمن من السلع الأساسية والتي تحوي خصوصية معيّنة في استيرادها وتأمينها للمواطنين كانت مبادرة التجار هذه المرّة سريعة جداً في احتكارها بين ليلة وضحاها، لتخيّم الفوضى وعدم الانضباط على السوق المحليّة تزامناً مع خوف وهلع المواطنين من اتخاذ التجار هذه الخطوة وقيامهم بشراء كميات تفوق حاجتهم كمؤونة لأشهر قادمة في حال فقدت نهائياً من السوق السورية، وعلى الرغم من تطمينات وزارة التجارة الداخلية “الفيسبوكية” بعدم فقدان مادة الزيت من السوق وأن ما يحصل هو مجرد طلب زائد، إلّا أن الواقع يوضح عكس ذلك خاصّة في الأرياف لا سيّما وأن المادة في حال وجدت فهي في تصاعد بشكل يومي بمعدل ألفي ليرة إضافية يومياً، وبحسب توقعات أصحاب المحال فإن الارتفاع مستمر في حال استمر التجار بإحجامهم عن طرح المادة في الأسواق.

تدخل سلبي

ولم يجد عامر ديب عضو مجلس إدارة جمعية حماية المستهلك بدمشق وريفها أي  مبرر حقيقي لارتفاع الأسعار بشكل عام وارتفاع سعر الزيت النباتي بشكل خاص، وما يتم استعراضه من مبررات هو حجج واهية خاصّة وأن التجار لم يستوردوا مادة الزيت منذ شهرين نتيجة القرار “1701” الناظم لعملية الاستيراد والتصدير، وأكد ديب أن وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك وقعت بخطأ كبير عندما رفعت سعر مادة الزيت 1000ليرة تحت بند تأمينها وطرحها في جميع المحال بسعر 8200 بعد فقدان المادة من السوق، إذ أعطى هذا القرار حجّة جديدة للتجار لرفع المادة تلقائياً على “هواهم”، واستغرب عضو مجلس إدارة جمعية حماية المستهلك من سرعة تأثرنا بالحرب الأوكرانية الروسية ودخولنا في سباق لرفع أسعار جميع المواد المحلية الصنع والمستوردة، لافتاً إلى أن استيراد الزيت النباتي يتم من مصر والأردن والجزائر ولا علاقة لأوكرانيا باستيراد هذه المادة، عدا عن أن هذه الدول لم تتأثر بالتوريدات فقناة السويس رفعت الأجور على عبور البواخر بنسبة 10% لا أكثر، واستنكر ديب من قيام الحكومة السورية  بالترويج لرفع الأسعار قبل بدء الحرب الأمر الذي يؤكد غياب الإستراتيجية في الإجراءات الحكومية وسط ابتعاد “حماية المستهلك” عن تطبيق المرسوم رقم”8″ الذي يشكل عامود أساسي من أعمدة الاقتصاد ويخلق منظومة عمل اقتصادية كاملة، إضافة إلى آثاره الإيجابية على التضخم والأسعار في حال تم تطبيقه بشكل صحيح، وأكد عضو مجلس الإدارة أن أي عملية تدخل إيجابي لأي سلعة في ظل الفوضى الحالية هو استنزاف وهو تدخل سلبي.

ضبوط ومراقبة

وعلى الرغم من أن اختفاء الزيت النباتي من الأسواق كان حديث الناس على مدى الأسبوع الماضي ومحور تحليلات وتوضيحات الاقتصاديين المؤكدين عدم وجود صلة حقيقة بين الحرب ورفع الأسعار المباشر واحتكار المواد الموجودة أصلاً منذ أشهر في السوق وتم تخبئتها في المستودعات منذ أسبوعين لتبرير فقدانها لاحقاً بصعوبة استيرادها جرّاء تداعيات الحرب، إلّا أن  وزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك لا زال يؤكد أن المشكلة الأوكرانية أثرت في أسعار الزيت في العالم ومن ضمنها سورية مع تأكيده على وجود كميات كافية في الأسواق المحلية، لتتوالى التناقضات ما بين التصريحات في العالم الافتراضي والمشهد المرئي اليومي،  إذ أكدّ لنا هاني ملحم رئيس الضابطة التموينية في ريف دمشق الاستعداد و الجاهزية التامة لهذه الضابطة وغيرها في ضبط الأسعار ومراقبة جميع المستودعات منعا لاحتكار أي مادة ومراقبة تدفق المواد في الأسواق المحلية ، وقد تم البدء منذ أيام بضبط  المعامل والمستودعات  ومراقبة بيانات الكلفة في حال قدمها صاحب المعمل أو أخفاها، إضافة إلى ضبوط الأسعار الزائدة والتلاعب بسعر المواد من قبل ضعاف النفوس، وحاول ملحم في حديثه معنا طمأنة المواطنين بأنهم سيشعرون بانخفاض الأسعار وعودتها كالسابق قريباً، لافتاً إلى عدم وجود ضبوط حتى اليوم في احتكار المواد أو مادة الزيت خصوصاً لاسيّما وأنّ  ما تم تنظيمه خلال الأسبوع الماضية تنوّع ما بين  ضبوط لعدم تداول فواتير بلغ عددها 10 ضبوط، إضافة إلى 5 ضبوط بخصوص السعر الزائد و15ضبط لعدم إعلان عن الأسعار.