دراساتصحيفة البعث

الصين تشترط للتوسط في أزمة أوكرانيا

ريا خوري

ارتفعت في الآونة الأخيرة أصوات عديدة تدعو إلى وساطة صينية تهدف إلى وضع أزمة أوكرانيا على طريق الحلّ، نظراً للعلاقات المميزة بين جمهورية الصين الشعبية وجمهورية روسيا الاتحادية، وبالتالي فإن الوساطة تكون أجدى وأقوى وأنفع من جانب طرف بحجم الصين، ولديه قدرة سياسية كبيرة على التأثير الفعّال. وبالفعل دارت اتصالات ودعوات من قبل جوزيب بوريل مفوّض السياسة الخارجية الأوروبية الذي أكّد على دعوة الصين للتوسّط في المفاوضات بين القيادة الروسية وأوكرانيا، لأن الدول الغربية المنتمية لحلف شمال الأطلسي (الناتو) لا يمكنها لعب مثل هذا الدور، كونها منخرطة في النزاع حتى النخاع.

لم تتأخر الصين في الردّ على هذه الدعوات المتتالية من خلال وزير الخارجية وانغ بي الذي أكَّد في مؤتمر صحفي عقده قبل أيام في بكين، على هامش الدورة الخامسة للمجلس الوطني الثالث عشر لنواب الشعب الصيني، أن بلاده مستعدة للعب دور الوسيط، لكنه أشار في الوقت نفسه إلى أهمية عدم العودة إلى الحرب الباردة، مؤكداً ضرورة العمل معاً لتجاوز هذه الأوقات المريرة والصعبة، وأن تعددية الأقطاب أساس للوفاء بالالتزامات الدولية، وأن إدارة العالم يجب أن تُدار بشكل منصف وعادل، في إشارة إلى إصرار الولايات المتحدة الأمريكية على أن تتربع منفردة على قمة النظام العالمي من دون الأخذ في الاعتبار وجود قوى عالمية أخرى مثل الصين وروسيا تكونان قادرتين على المشاركة في هذا النظام.

صحيح أن جمهورية الصين الشعبية كانت أعلنت أنها تحترم وحدة أراضي الدول وسيادتها بما فيها أوكرانيا، لكنها أكدت من جهة أخرى أنه ينبغي التعامل مع الموضوع بشكل مناسب مع مخاوف جمهورية روسيا الاتحادية بشأن توسّع الناتو شرقاً، أي أن أية وساطة تقوم بها الدبلوماسية الصينية الناجحة يجب أن تأخذ المخاوف الروسية بعين الاعتبار ودون الاستهانة بها، وكذلك الاقتناع بأن الأحادية القطبية لم تعد تصلح لإدارة العالم، ويجب أن تتغيّر قيادة العالم إلى نظام عالمي جديد ثنائي أو ثلاثي القطبية.

اللافت بالأمر أنَّ وزير الخارجية الصيني أكّد غير مرّة وفي مناسبات عديدة أن العلاقات الصينية- الروسية تقوم على أسس الديناميكية بين الدولتين، وهي متينة كالصخر ولا يمكن فك عراها، وأن تعاون الصين مع روسيا هو تعاون استراتيجي يقدم مصلحة البلدين ويسهم في إرساء الاستقرار والتنمية في العالم أجمع، ولدى الصين شراكة استراتيجية قوية، وعلاقة البلدين هي الأكثر أهمية على صعيد العلاقات الثنائية، والأهم أنها علاقة مستقلة لأنها تقوم على عدم الانحياز مع التكتل، وكذلك لا تستهدف أطرافاً ثالثة، كما أنَّ الصين لا تتسامح مع تدخلات واستفزازات طرف ثالث.

من الواضح تماماً أن الوساطة الصينية، إن تمّت، فهي تقوم على أساس شروط محدّدة وواضحة من دون أن تكون على حساب جمهورية روسيا الاتحادية.