مجلة البعث الأسبوعية

عشرة مليارات ليرة منذ بداية العام الحالي لتمول 150 غاية زراعية.. والتصنيع نقطة التحول

“البعث الأسبوعية” ــ فاتن شنان

أثارت الأزمة الروسية الأوكرانية تخوفات اقتصادية كبيرة على مستوى العالم، سواء لجهة الأسعار وارتفاع نسب التضخم، أم لجهة نقص السلع الغذائية وتهديد الأمن الغذائي، باعتبار أوكرانيا مصدراً أساسياً للكثير من السلع الأساسية والصناعية. لكن ترجمة التخوف اقتصرت على شد الأحزمة والتأهب للقادم الأسوأ، بينما ينبغي ترجمة هذا التخوف بأداء استثنائي وحصري لمواجهة الأزمة، وبالاعتمد على إمكانيات الاقتصاد الزراعي لحصر آثار الأزمة، لاسيما وأن كل الخطوات أو المشاريع الزراعية التي يرغب بها مستثمرون القطاع مموّلة من المصرف الزراعي، وبشكل بسيط وسهل وغير معقد، بحسب تأكيدات مدير المصرف الزراعي إبراهيم زيدان، فهل نشهد توجّهاً مدروساً نحو الاستفادة من مكونات القطاع الزراعي ودعمه، واستثمار كمية الأمطار الموسمية الوفيرة خلال الموسم – والتي بلغت معدلات جيدة قياساً بالعام الماضي – في تمكين هذا القطاع واستثماره في دعم احتياجات الفترة القادمة، ومواجهة التحديات الطارئة؟

 

مرونة واضحة

زيدان أكد لـ “البعث” أن كل غاية تقدم إلى المصرف يقر تمويلها لصالح المزارع والمستثمر في القطاع خلال فترة زمنية قصيرة، لتمكينه من تحقيق غايته، مبيّناً أن الغايات الزراعية المموّلة في المصرف بلغت نحو 150 غاية، قابلة للزيادة في حال إثبات نجاعتها، وحاجة الاقتصاد لها، كما تجاوز المصرف في عمليات المنح العديد من الإشكاليات المتعلقة بالأراضي الزراعية، إذ سمح بتمويل مشروع في أراض غير محددة، أو محررة بضمانة عقارية في مكان آخر، مساهمة منه بتذليل أية صعوبة تعترض مسار الإنتاج والاستثمار.

ولفت زيدان إلى أن المشاريع المتعلقة بالتربية الحيوانية يتم تمويلها بقروض طويلة الأجل لبناء المنشآت اللازمة لها من مباقر أو مداجن، وبمساهمة تقدر بـ 50% من قيمة المشروع، يليها قرض متوسط الأجل لشراء الأبقار أو الصيصان، وقروض قصيرة الأجل لتمويل خدمات زراعية موسمية كقيمة الأعلاف أو الأسمدة والبذار، أو مستلزمات التربية، مؤكداً وجود إقبال جيد، لاسيما في المناطق التي تشهد استقراراً، إذ بلغت قيم التمويل لتلك المشاريع نحو عشرة مليارات خلال العام الماضي، وقد نفذت ضمن برنامج دعم الفائدة المعتمد لدى وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية.

 

تقصير وعرقلة

من جانبه، ورداً على سؤال حول وجود ما يمنع من تمويل مشاريع التصنيع الزراعي وغيرها مما يرتبط بالنشاط الزراعي، تطرّق مدير القروض، زيدان سعادات، لإشكاليات تعترض تنفيذ القروض المعنية بالطاقة البديلة، والتي تخفف من النفقات على الفلاحين، وتعالج إشكالية انخفاض حجم التزود بالوقود اللازم للعملية الزراعية، لافتاً إلى أن المصرف سعى في مسألة الري الحديث لإدراج التمويل في اعتماد منظومة الطاقات الشمسية، بينما رفضت وزارة الموارد المائية منح أصحاب الآبار المائية غير المحصية تلك القروض. وحسب سعادات، هناك 60 بئراً مرخصة، بينما الآبار غير المحصية أو المرخصة تبلغ ثلاثة أضعاف هذا الرقم، حيث دعمت الوزارة رفضها بفرضية هدر المياه من تلك الآبار كونها مجانية باستخدام الطاقة الشمسية، بينما من المنطقي – والكلام لسعادات – أن تعمل الوزارة على تنظيم الآبار، ومنح أصحابها الترخيص اللازم، وتسوية أوضاعهم، دون اللجوء إلى المنع والتغافل عن حساب الخسارات الناجمة عن استهلاك تلك الأراضي لكميات من الوقود، أو ضعف الإنتاج كحصيلة لزيادة حجم النفقات المتوجبة عليهم لإتمام العملية الزراعية، وبالتالي انخفاض الإنتاج من جهة، وارتفاع الأسعار من جهة أخرى!

 

تجاوز العقبات

في المقابل، بيّن سعادات أن المصرف الزراعي هو المصرف الوحيد المتجاوز عقبات التمويل كون المستهدف هو الفلاح، وكافة الوثائق المطلوبة واضحة وموجودة لدى الجميع، ولا تشكّل عقبة في وجه الفلاح الراغب بالتمويل من المصرف، فالتراخيص اللازمة لبناء المنشآت تمنح بغاية السهولة، والتراخيص الفنية المشترطة في مجال التربية الحيوانية والإنتاج النباتي تمنح من وزارة الزراعة، ومشاريع الحفظ والتبريد تستلزم ترخيص وزارة الصناعة؛ وفي حال توفر هذه الوثائق مع مستندات حيازة الملكية يتم التمويل بشكل مباشر، ولكن في كثير من الحالات تظهر إشكاليات على ملكية الأراضي كوفاة المالك الأساسي، ووجود ورثة وتنازع على الملكية، أو وجود إشارة دعوى تقيد حق الملكية.

ونوّه سعادات إلى أن المصرف تجاوز، بالمقابل، إشكالية الأراضي غير المحددة والمحررة بتقديم ضمانة عقارية في مكان آخر، مؤكداً أن المصرف يعمل على متابعة المشروع قبل وخلال وبعد فترة المنح لضمان نجاح المشروع واستمراره بجولات ميدانية، ومنح التمويل على دفعات بعد إنجاز المرحلة السابقة بشكل صحيح لضمان انسياب القرض لغايته، مبيّناً أن حجم القروض تجاوز عشرة مليارات منذ بداية العام الحالي ولغاية بداية شهر آذار.

 

الإقراض في الحد الأدنى

ولفت سعادات إلى أن القرض الذي يخص الموسم الزراعي، والممنوح بكفالة شخصية بقيمة مليون ليرة، أصبح بموجب قرار مجلس الإدارة بقيمة خمسة ملايين ليرة بكفالة شخصين من المزارعين أو التجار والصناعيين ومن ذوي الملاءة المالية المناسبة، وذلك تماشياً مع ارتفاع نسب التضخم، وبهدف تمكين الفلاحين من استجرار أدوات الإنتاج من أسمدة وبذار في الموعد المحدد لتنفيذ الخطة الزراعية، ويتوجب تسديد القرض مع بدء جني الموسم بفترة لا تتجاوز السنة، معتبراً أن القرض خطوة داعمة لاستمرار الفلاح في زراعاته ومشاريعه.

 

لـ 700 جرار وبـ 70%

وبيّن سعادات أن تمويل الجرارات الزراعية بلغ نحو 700 جرار خلال العام الماضي على مستوى كامل القطر، وبالتالي يعتبر دعماً للعملية الإنتاجية، وتخفيفاً للنفقات المالية على المزارعين، ويمنح بموجب قرض طويل الأجل، ويساهم المصرف بـ 70% من قيمة الجرار، وتحول الأموال إلى المورد بعد تسليم الآلة أو الجرار الزراعي، ووضع إشارة الرهن عليه، ويسدد القرض خلال مدة عشر سنوات، ذاكراً أن حجم الإقراض في العام الماضي تجاوز 120 ملياراً تقريباً، كما بيّن سعادات أن المنح في الحدود الدنيا لوجود العديد من المناطق خارج إطار المنح كمحافظة الحسكة التي تموّل عادة بمثل هذا الرقم للمساحة الزراعية الكبيرة التي تسلّم 50% من حجم الإنتاج الكلي الزراعي، تضاف إليها محافظة ادلب وريف حلب.

 

تحتاج للحل

رغم ذلك، تبقى إشكاليات عديدة تحاصر القطاع الزراعي ومنها: عدم دعم مشاريع التصنيع الزراعي التي تعتبر نقطة التحول من الإنتاج الخام إلى منتجات نهائية مطلوبة تسد حاجة السوق المحلية من السلع الزراعية المصنعة، أو التي يتم استيرادها بالقطع الأجنبي، ما يعني ضرورة وضع تلك المشاريع على طاولة النقاش الحكومي، واختيار المشاريع ذات الأولوية لإدراجها في برنامج الدعم، وتشجيع المستثمرين للاستثمار في هذا المسار لتأمين الحد الأدنى من السلع المطلوبة في الأسواق المحلية، ويبقى أن تتبنى التوجهات الحكومية سياسات تشجيعية لاستجرار الإنتاج الزراعي، وتقليص حلقات الوساطة، وضبط إيقاع الأسعار، ووضع أسعار متناسبة للمحاصيل الاستراتيجية تتماشى مع الكلفة الحقيقية للعملية الزراعية لتجنب ظلم الفلاح “الحلقة الأضعف”، وتشجيعه على الاستمرار، وتسليم محاصيله للحكومة لتحقيق مخزون جيد يقاوم التقلبات الاقتصادية والأزمات الطارئة.