تحقيقاتصحيفة البعث

“التأمين الزراعي” مشروع ما زال على الورق وخسائر المزارع مستمرة..!

في نظرة متأنية لواقعنا الزراعي في الظروف الراهنة نجد أن المزارع يتعرّض لخسائر فادحة تتكرّر في كل موسم، ولأسباب عديدة من أهمها الظروف المناخية التي تضرب المواسم وتؤدي لخسائر فادحة، يضاف إلى ذلك غياب التأمين الزراعي وتأخر ظهوره على أرض الواقع ليزيد طين الهموم والخسائر بلّة، رغم محاولات وزارة الزراعة والجهات الأخرى المعنية بالقطاع الزراعي والتأميني إنعاش هذا المطلب الحيوي للعاملين بالزراعة، لكن للأسف لا أثر مشجعاً على الأرض، فهل يطول الانتظار حتى يولد المشروع المنتظر، في وقت تتضاعف فيه خسائر المزارعين ومن يعمل بتربية المواشي؟.

بانتظار موافقة الحكومة

في متابعة ميدانية لواقع التأمين الزراعي وجدنا أن المعنيين بأمره ما زالوا ينتظرون موافقة الحكومة على مشروع وثيقة التأمين الزراعي الذي تمّ إرساله إلى مجلس الوزراء، وذلك وفق ما ذكره مدير عام هيئة الإشراف على التأمين الدكتور رافد محمد، لافتاً إلى أن النظرة والتوجّه كانا إيجابيين نحو الموضوع من قبل اللجنة الاقتصادية في رئاسة مجلس الوزراء تجاه الانطلاق بتنفيذ المقترح من خلال البدء بتأمين الزراعات المحمية كخطوة أولى، حيث وجّهت اللجنة الاقتصادية باستكمال بعض التفاصيل المهمّة في المشروع، وكان المقترح يتضمن التعويض عن الضرر الجزئي والكليّ مع تولي الحكومة دعم نسبة جيدة من قسط التأمين السنوي، وبشكل أكبر خلال السنوات الأولى.

وبيّن مدير عام هيئة الإشراف أن اللجنة التي شكلتها الهيئة تعمل على وضع دراسات متكاملة للبدء بالتأمين الزراعي، بالتنسيق والتعاون مع كافة الجهات المعنية بالقطاع الزراعي والمؤسسة العامة السورية للتأمين. ووفقاً للمدير العام فقد تمّ اعتماد البيانات الإحصائية السابقة والواقعية بشكل دقيق وكافٍ حول الأضرار والمساحات والكلف للوصول إلى تحديد قسط التأمين السنوي، إضافة للتعويض المناسب الذي يحقق الهدف من الموضوع المحدّد بتمكين المزارع من العودة إلى عمله مباشرة بعد تعرّض محصوله للكوارث والأضرار، مشيراً إلى أنه وانطلاقاً من هدف المشروع “الاجتماعي الاقتصادي” تمّ بناء المنتج التأميني على أساس عدم تحقيق ربح من هذا المنتج.

وأشار المدير العام إلى أن تعويض المزارع عن أضراره بوساطة التأمين الزراعي سيمنحه إمكانية العودة سريعاً إلى عمله، واستمرار إمداد القطاع الصناعي بمواده الأولية اللازمة للصناعات الزراعية التي تشكل أحد أهم مكونات قطاعات الصناعة كونها تسهم في الاكتفاء الذاتي من معظم السلع الاستهلاكية الضرورية للمواطن، إضافة لزيادة تمسّك الفلاح بأرضه بشكل يحدّ من هجرة أهل الريف إلى المدن، وما لتلك الظاهرة من تأثيرات سلبية اقتصادياً وحتى اجتماعياً، ويسمح التأمين ببناء قاعدة معلومات دقيقة للقطاع الزراعي بشقيه النباتي والحيواني، وحجم الأضرار والكوارث.

المهم الأفعال

ما ذكره مدير عام هيئة الإشراف يبقى مجرد كلام لا يغني ولا يسمن من جوع، لذا لا بد من اقتران الأقوال بالأفعال لتحقيق المقترحات الواردة بنص الوثيقة، فهي مهمّة وملبية لكن تحتاج للبت بأمرها في أسرع وقت، فالكوارث الطبيعية لا تنتظر، والتي بنتيجتها يكون المزارع هو الخاسر الأكبر!.

منتجاته محدودة حالياً

ورداً على سؤال بخصوص موضوع شمولية التأمين للقطاع الزراعي، بيّن مدير الاقتصاد الزراعي في وزارة الزراعة الدكتور أحمد حسين دياب أنه تمّ الاكتفاء حالياً بالتأمين على الزراعات المحمية “البيوت البلاستيكية والبطاطا” كمرحلة الأولى، وذلك بناء على اقتراح هيئة الإشراف على التأمين، وفي القطاع الحيواني سيتمّ الاكتفاء بتفعيل صندوق التأمين على الماشية “الأبقار” فقط كمرحلة أولى، موضحاً أن التأمين سيشمل كافة الأخطار من البرد والصقيع والثلج والعواصف والزوابع والحريق والزلازل والبراكين والانهيارات الأرضية والفيضانات والتنين البحري.

نسب جيدة

وبيّن دياب أن الحكومة ستدعم أقساط التأمين عبر دفع 70% منها في السنة الأولى، و50% في السنة الثانية، نزولاً إلى 25% في السنة الثالثة، كما سيتمّ توزيع الخطر على جميع الشركات التأمينية، بما فيها المؤسّسة العامة السورية للتأمين، وإصدار الوثائق وفق الآلية التي تقرّرها هيئة الإشراف على التأمين ووفق رغبة شركة التأمين بالمشاركة.

وحول الإجراءات المتخذة لتوعية الفلاح والمزارع بهذا النوع من التأمين، اكتفى دياب بالقول إن مجلس إدارة هيئة الإشراف على التأمين وافق على البدء بالتأمين الزراعي، كما سبق وأن تمّ تشكيل لجنة في الهيئة مهمتها دراسة كل ما يتعلق بموضوع التأمين، بما فيها سبل توعية وتشجيع الفلاح والمزارع بأهمية هذا التأمين.

تتوقف على الشركات

رئيس مجلس شركة “رعايتي” للتنمية الزراعية الدكتور ياسين محمد العلي أكد أن النقطة الأهم في موضوع التأمين الزراعي هي إيجاد شركات للتأمين، وإعادة التأمين تتولى مهام هذا القطاع بنجاح كما في كل دول العالم لكي يجدوا الآليات المناسبة للتعويض في حال حدوث الأضرار، وإلا لن ينجح هذا القطاع، في حين ترى المهندسة الزراعية إيمان دياب أنه لإنجاح هذا النوع من التأمين لا بدّ من توعية صغار الفلاحين وصغار المنتجين حول ضرورة الاشتراك به لحماية أصولهم الزراعية النباتية والحيوانية.

رؤية اقتصادية

واعتبر الدكتور رافد محمد أن التأمين الزراعي أحد أهم وسائل إدارة المخاطر في قطاع الزراعة، خاصةً وأن الزراعة تعتبر من أهم القطاعات الاقتصادية في سورية نظراً للاعتماد عليها بتأمين العديد من متطلباتنا من السلع الغذائية، كما أنه يمكن للقطاع الزراعي بأن ينمو بأقل كمية من المستوردات، بل والتوجّه نحو زيادة التصدير بما يحقق التـأثير الإيجـابي في الميزان التجـاري وميزان المـدفوعـات، وما ينجم عن ذلك من تحسّن في قيمة العملة الوطنية.

استمرارية مهددة 

نأمل ألا يغرق مشروع التأمين الزراعي بالتصريحات الرنانة، ومعاملات الروتين الإداري القاتل، فرغم قدم طرحه وتطبيقه في كل البلدان، لكن للأسف مازال غائباً عن واقعنا الزراعي دون مبررات منطقية، وما زالت التحركات بطيئة ومملّة ولم تنفذ دون بيان الأسباب بشكل واضح، الأمر الذي يشكّل بالنتيجة تهديداً لاستمرارية المزارع ومربي الثروة الحيوانية في العمل!.

بشار محي الدين المحمد