دراساتصحيفة البعث

العقوبات الأمريكية تصب الزيت على النار

ترجمة: عائدة أسعد 

تتسبب الأزمة في أوكرانيا بإثارة مخاوف خطيرة في عالم دمرته جائحة كوفيد 19، ومآزق عالمية أخرى مثل تغير المناخ، وزيادة عدم المساواة، والألعاب الجيوسياسية، حتى بات من المؤكد أن الحرب والعقوبات الاقتصادية القاسية لن تؤديا إلى حل دائم للأزمة الحالية التي تتجاوز روسيا وأوكرانيا.

لقد ضاعت هذه الفرصة قبل أسابيع عندما رفضت الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي معالجة المخاوف الأمنية الأساسية لروسيا المتمثّلة في وقف توسع الناتو نحو الشرق استجابة لمطالب روسيا، فقد تحدث ريتشارد هاس، رئيس مجلس العلاقات الخارجية في نيويورك، ورئيس تخطيط السياسة السابق في وزارة الخارجية الأمريكية، عن سيناريو محتمل للولايات المتحدة لنزع فتيل التوترات بالقول إنها لا تنوي جعل أوكرانيا عضواً في الناتو في المستقبل المنظور، ثم ردد السناتور الأمريكي بيرني ساندرز مخاوف روسيا الأمنية قائلاً: “إن الولايات المتحدة لن تقبل لكوبا أو المكسيك أو أية دولة في أمريكا الوسطى أو اللاتينية بتشكيل تحالف عسكري مع خصم للولايات المتحدة”، مستشهداً بعقيدة الرئيس جيمس مونرو سيئة السمعة بأن الولايات المتحدة لن تتسامح مع دولة أوروبية تستعمر دولة مستقلة في أمريكا الشمالية أو الجنوبية، والتي لاتزال تؤثر على سياسات واشنطن.

إن التوصل إلى حل وسط لم يعد خياراً، لأن العديد من القادة السياسيين يعتقدون أن ذلك سيجعلهم يبدون ضعفاء على عكس ما قاله الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون أثناء التوسط في السلام في الشرق الأوسط: “التسوية هي علامة على القوة وليس الضعف، ومع ذلك لا ينبغي تبرير أية حرب أو أي عمل ينتهك سيادة أية أمة وسلامتها الإقليمية، وينطبق الشيء نفسه على العقوبات الاقتصادية”.

الحروب والعقوبات الاقتصادية لن تؤذيا سوى المدنيين كما ثبت في الماضي، وأسعار النفط المتزايدة بسبب الصراع بين أوكرانيا وروسيا، والعقوبات الاقتصادية التي فرضها الغرب على روسيا، تعاقبان العالم بأسره، خاصة الدول الفقيرة.

يجب أن يتماشى النظام العالمي مع ميثاق الأمم المتحدة بدلاً مما يسمى بالنظام القائم على القواعد الذي وضعته بعض الدول الغربية دون مشاركة معظم الدول النامية، والذي يتضمن إجبار العالم بأسره على الامتثال للعقوبات الاقتصادية الأمريكية أحادية الجانب التي لا تصادق عليها الأمم المتحدة.

وكما يبدو، تريد الصين التي تربطها علاقات ودية مع كل من روسيا وأوكرانيا إنهاء الصراع على عكس بعض الدول التي لديها علاقات جيدة مع طرف واحد فقط، وتسعى إلى الاستفادة من الأزمة غالباً عن طريق صب الزيت على النار.

ففي لقاءاته الافتراضية مع الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون، والمستشار الألماني أولاف شولتز يوم الثلاثاء الماضي، قال الرئيس الصيني شي جين بينغ: إن الجانب الصيني حزين بشدة من الصراع، ويجب دعم كل الجهود التي من شأنها أن تؤدي إلى تسوية سلمية للأزمة، والمهمة الملحة في الوقت الحالي هي منع تدهور الأوضاع وخروجها عن نطاق السيطرة.

لقد عمل كل من ماكرون وشولتز بجد طوال أسابيع لإيجاد حل دبلوماسي للأزمة الأوكرانية، لكن النفوذ الهائل لواشنطن، خاصة في حلف شمال الأطلسي، والسياسة الداخلية المعقدة، حدّا بشكل كبير من سلطتهما وخياراتهما، وأصبحت أوروبا ضحية رئيسية للأزمة اقتصادياً وجيوسياسياً، وقد يؤدي تفاقم الصراع إلى كارثة على القارة والعالم.

إن قارة أوروبا التي اندلعت فيها الحربان العالميتان السابقتان تحتاج إلى إظهار المزيد من الحكمة والشجاعة لتكثيف جهودها لإيجاد حل دبلوماسي للصراع بين أوكرانيا وروسيا، وكان شولتز محقاً في رفض اقتراح بولندا بإرسال طائرات مقاتلة إلى أوكرانيا قائلاً: “ما نحتاجه الآن هو حل دبلوماسي لأن هذا هو الوقت المناسب لإخماد النيران، وليس صب الوقود على النار”.