دراساتصحيفة البعث

ورطة أوروبا والمعسكر الأطلسي

ريا خوري

تحتل أوكرانيا موقعاً جيواستراتيجياً هاماً لأنها تعتبر بوابة روسيا إلى الغرب، وحزام الأمن الكبير بين روسيا والقوى الغربية الأوروبية المنتمية لحلف شمال الأطلسي (الناتو)، خاصة أنه عبر ممراتها السهلية تعرّضت روسيا مرتين للغزو منذ تأسيسها، بدءاً من غزو نابليون بونابرت في بداية القرن التاسع عشر، إلى أربعينيات القرن العشرين حيث الغزو النازي بقيادة أدولف هتلر.

إن موقع أوكرانيا لا يمكن أن يقارن بدول وسط آسيا والقوقاز، لكن الصحيح أن روسيا لا تتوقع مواجهة تهديد وجودي في الجنوب، فالقيادة الروسية كانت دائماً ومازالت تؤكد أن الغرب، والولايات المتحدة الأمريكية على وجه الخصوص، قدّم لجمهورية روسيا الاتحادية، على لسان وزير خارجية الولايات المتحدة جيمس بيكر في أثناء حكم الرئيس بوش الأب، وعداً قاطعاً بعدم توسع (الناتو) في أوروبا الشرقية، والكرملين يعتبر أن هذا الوعد كان الضمانة الرئيسة المهمة التي أدت إلى أن يسحب آخر رئيس للاتحاد السوفييتي السابق، ميخائيل غورباتشوف، معارضته للوحدة الألمانية، ومن جهتها الولايات المتحدة الأمريكية لا تنكر أن وزير خارجيتها تحدث بذلك مع غورباتشوف، ولكنها تجادل بأن ما قاله بيكر لم يكن سياسة ملزمة للحكومة الأمريكية: لا لإدارة بوش الأب، ولا الإدارات الأمريكية التالية.

لقد بقيت أوكرانيا الحجر الأساس في بنية الأمن القومي لروسيا في الحقبتين السوفييتية والحالية، ما جعلها قبلة المجال الحيوي غير القابلة للتفاوض أبداً، والهدف الروسي الاستراتيجي لتحييدها ومنعها من الدخول في حلف (الناتو)، حيث بدا هذا المطلب ضرورياً وواضحاً منذ بدء العملية الروسية، وهو تطبيق نظام الحياد باعتباره من وجهة نظر القيادة في موسكو الوضع الذي يبعد أوكرانيا عن تشكيل أي خطر محدق، إضافة إلى طي صفحة الدخول في حلف شمال الأطلسي، لذلك من الصعب توصيف الحرب القائمة حالياً بغير الورطة الاستراتيجية التي دخلت فيها أوروبا والمعسكر الأطلسي، والتي لا مخرج منها إلا بأثمان باهظة، في وقت تهيئ الولايات المتحدة وأوروبا لمحاولة الخروج من المستنقع الكبير في ظل استعار أجواء الحرب الباردة التي يمكن أن تنفجر في إطار حرب عالمية ثالثة، وفي مجال الاستفادة من دروس الماضي نجد أن بولندا جارة أوكرانيا قسمت ثلاث مرات، واختفت عن الجغرافيا السياسية الأوروبية، كما ألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية، فهل تتجه أوكرانيا كما يوغسلافيا للتقسيم كبداية لإشعال حرب طاحنة كما حدث ضد السوفييت في أفغانستان؟.

إن التدقيق في وقائع وظروف تلك الحقب السياسية تبدو متشابهة ومتطابقة بعضها مع بعضها  الآخر، ولكن مهما تكن النتائج والسيناريوهات المحتملة فإن روسيا لن تتخلى عن الحفاظ عن عمق أمنها القومي من جهة الغرب في أوكرانيا بشتى السبل.